[ ص: 119 ] صفة غسله عليه الصلاة والسلام
قد قدمنا أنهم ، رضي الله عنهم ، اشتغلوا ببيعة الصديق بقية يوم الاثنين وبعض يوم الثلاثاء ، فلما تمهدت وتوطدت وتمت ، شرعوا بعد ذلك في تجهيز رسول الله صلى الله عليه وسلم ، مقتدين في كل ما أشكل عليهم بأبي بكر الصديق ، رضي الله عنه .
قال ابن إسحاق : فلما بويع أبو بكر أقبل الناس على جهاز رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الثلاثاء . وقد تقدم من حديث ابن إسحاق ، عن عبد الرحمن بن القاسم ، عن أبيه ، عن عائشة ، . أن رسول الله صلى الله عليه وسلم توفي يوم الاثنين ودفن ليلة الأربعاء
وقال أبو بكر بن أبي شيبة : حدثنا أبو معاوية ، ثنا أبو بردة ، عن علقمة بن مرثد ، عن عن أبيه قال : سليمان بن بريدة ، . ورواه لما أخذوا في غسل رسول الله صلى الله عليه وسلم ناداهم مناد من الداخل أن لا تجردوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قميصه ابن ماجه من حديث أبي معاوية ، عن أبي بردة ، واسمه عمرو بن يزيد التميمي ، كوفي .
وقال محمد بن إسحاق : حدثني يحيى بن عباد بن عبد الله بن الزبير ، عن أبيه : سمعت عائشة تقول : فكانت لما أرادوا غسل النبي صلى الله عليه وسلم قالوا : ما ندري أنجرد [ ص: 120 ] رسول الله صلى الله عليه وسلم من ثيابه كما نجرد موتانا ، أم نغسله ، وعليه ثيابه ؟ فلما اختلفوا ألقى الله عليهم النوم ، حتى ما منهم رجل إلا وذقنه في صدره ، ثم كلمهم مكلم من ناحية البيت لا يدرون من هو ، أن غسلوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وعليه ثيابه . فقاموا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فغسلوه وعليه قميص ، يصبون الماء فوق القميص فيدلكونه بالقميص دون أيديهم ، عائشة تقول : لو استقبلت من أمري ما استدبرت ما غسل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا نساؤه . رواه أبو داود من حديث ابن إسحاق
وقال : حدثنا الإمام أحمد يعقوب ، ثنا أبي ، عن ابن إسحاق ، حدثني حسين بن عبد الله ، عن عكرمة ، عن ابن عباس قال : صلى الله عليه وسلم وليس في البيت إلا أهله ; عمه اجتمع القوم لغسل رسول الله العباس بن عبد المطلب ، وعلي بن أبي طالب ، والفضل بن عباس ، وقثم بن العباس ، وأسامة بن زيد بن حارثة ، وصالح مولاه ، فلما اجتمعوا لغسله نادى من وراء الباب أوس بن خولي الأنصاري ، أحد بني عوف بن الخزرج ، وكان بدريا ، علي بن أبي طالب فقال : يا علي ، نشدتك الله وحظنا من رسول الله صلى الله عليه وسلم . فقال له علي : ادخل . فدخل ، فحضر غسل رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يل من غسله شيئا ، فأسنده علي إلى صدره وعليه قميصه ، وكان العباس وفضل وقثم يقلبونه مع علي ، وكان أسامة بن زيد وصالح مولاهما يصبان الماء ، وجعل علي يغسله ، ولم ير من رسول الله [ ص: 121 ] صلى الله عليه وسلم شيئا مما يراه من الميت وهو يقول : بأبي وأمي ، ما أطيبك حيا وميتا . حتى إذا فرغوا من غسل رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكان يغسل بالماء والسدر ، جففوه ثم صنع به ما يصنع بالميت ، ثم أدرج في ثلاثة أثواب ; ثوبين أبيضين ، وبرد حبرة . قال : ثم دعا العباس رجلين ، فقال : ليذهب أحدكما إلى - وكان أبي عبيدة بن الجراح أبو عبيدة يضرح لأهل مكة - وليذهب الآخر إلى . وكان أبي طلحة بن سهل الأنصاري أبو طلحة يلحد لأهل المدينة . قال : ثم قال العباس حين سرحهما : اللهم خر لرسولك . قال : فذهبا فلم يجد صاحب أبي عبيدة أبا عبيدة ، ووجد صاحب أبي طلحة أبا طلحة فجاء به ، فلحد لرسول الله صلى الله عليه وسلم . انفرد به أحمد .
وقال عن يونس بن بكير ، المنذر بن ثعلبة ، عن العلباء بن أحمر قال : كان علي والفضل يغسلان رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فنودي علي : ارفع طرفك إلى السماء . وهذا منقطع
قلت : وقد روى بعض أهل السنن عن علي بن أبي طالب ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له : " يا علي ، لا تبد فخذك ، ولا تنظر إلى فخذ حي ولا ميت " وهذا فيه إشعار بأمره له في حق نفسه . والله أعلم .
وقال : أنبأنا الحافظ أبو بكر البيهقي أبو عبد الله الحافظ ، أنبأنا محمد بن [ ص: 122 ] يعقوب ، ثنا يحيى بن محمد بن يحيى ، ثنا مسدد ، ثنا عبد الواحد بن زياد ، ثنا معمر ، عن الزهري ، عن قال : قال سعيد بن المسيب علي : . وقد رواه غسلت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فذهبت أنظر ما يكون من الميت فلم أر شيئا ، وكان طيبا حيا وميتا صلى الله عليه وسلم أبو داود في " المراسيل " من حديث وابن ماجه معمر به . زاد في روايته : قال البيهقي وقد سعيد بن المسيب عليه الصلاة والسلام ، أربعة ولي دفنه ، علي ، والعباس ، والفضل ، وصالح مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، لحدوا له لحدا ، ونصبوا عليه اللبن نصبا .
وقد روي نحو هذا عن جماعة من التابعين ، منهم ; عامر الشعبي ، ومحمد بن قيس ، وعبد الله بن الحارث ، وغيرهم بألفاظ مختلفة يطول بسطها هاهنا .
وقال : وروى البيهقي أبو عمرو كيسان ، عن يزيد بن بلال ، سمعت عليا يقول : علي : فكان العباس وأسامة يناولاني الماء من وراء الستر . قال علي : فما تناولت عضوا إلا كأنه يقلبه معي ثلاثون رجلا ، حتى فرغت من غسله . أوصى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن لا يغسله أحد غيري فإنه لا يرى أحد عورتي إلا طمست عيناه . قال
وقد أسند هذا الحديث في " مسنده " ، فقال : حدثنا [ ص: 123 ] الحافظ أبو بكر البزار محمد بن عبد الرحيم ، ثنا عبد الصمد بن النعمان ، ثنا كيسان أبو عمرو ، عن يزيد بن بلال قال : قال علي : علي : فكان العباس وأسامة يناولاني الماء من وراء الستر . قلت : هذا غريب جدا . أوصاني النبي صلى الله عليه وسلم أن لا يغسله أحد غيري ; " فإنه لا يرى أحد عورتي إلا طمست عيناه " . قال
وقال : أنبأنا البيهقي محمد بن موسى بن الفضل ، ثنا أبو العباس الأصم ، ثنا أسيد بن عاصم ، ثنا الحسين بن حفص ، عن سفيان ، عن سمعت عبد الملك بن جريج ، محمد بن علي أبا جعفر قال : بقباء كانت وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يشرب منها ، وولي غسله لسعد بن خيثمة ، علي ، والفضل محتضنه ، والعباس يصب الماء ، فجعل الفضل يقول : أرحني قطعت وتيني ، إني لأجد شيئا يترطل علي . غسل النبي صلى الله عليه وسلم بالسدر ثلاثا ، وغسل وعليه قميص ، وغسل من بئر كان يقال له : الغرس .
وقال الواقدي : ثنا عاصم بن عبد الله الحكمي ، عن عمر بن عبد الحكم قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " نعم البئر بئر غرس هي من عيون الجنة ، وماؤها أطيب المياه " وكان رسول الله يستعذب له منها ، وغسل من بئر غرس .
وقال سيف بن عمر ، عن محمد بن عون ، عن عكرمة ، عن ابن عباس [ ص: 124 ] قال : لما فرغ من القبر وصلى الناس الظهر ، أخذ العباس في غسل رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فضرب عليه كلة من ثياب يمانية صفاق في جوف البيت ، فدخل الكلة ، ودعا عليا والفضل ، فكان إذا ذهب إلى الماء ليعاطيهما دعا أبا سفيان بن الحارث فأدخله ، ورجال من بني هاشم من وراء الكلة ومن أدخل من الأنصار حيث ناشدوا أبي وسألوه ، منهم أوس بن خولي ، رضي الله عنهم أجمعين .
ثم قال سيف ، عن الضحاك بن يربوع الحنفي ، عن ماهان الحنفي ، عن ابن عباس ، فذكر ضرب الكلة ، وأن العباس أدخل فيها عليا والفضل وأبا سفيان وأسامة ، ورجال من بني هاشم من وراء الكلة في البيت ، فذكر أنهم ألقي عليهم النعاس ، فسمعوا قائلا يقول : لا تغسلوا رسول الله ; فإنه كان طاهرا . فقال العباس : ألا بلى . وقال أهل البيت : صدق ، فلا تغسلوه . فقال العباس : لا ندع سنته لصوت لا ندري ما هو . وغشيهم النعاس ثانية فناداهم أن غسلوه وعليه ثيابه . فقال أهل البيت : ألا لا . وقال العباس : ألا نعم . فشرعوا في غسله وعليه قميص ومجول مفتوح ، فغسلوه بالماء القراح ، وطيبوه بالكافور في مواضع سجوده ومفاصله ، واعتصر قميصه ومجوله ، ثم أدرج في أكفانه ، وجمروه عودا وندا ، ثم احتملوه حتى وضعوه على سريره ، وسجوه . وهذا السياق فيه غرابة جدا .