فصل
قال محمد بن إسحاق : ولما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم عظمت به مصيبة المسلمين ، فكانت عائشة ، فيما بلغني ، تقول : لما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم ارتدت العرب ، واشرأبت اليهودية والنصرانية ، ونجم النفاق ، وصار المسلمون كالغنم المطيرة في الليلة الشاتية ; لفقد نبيهم صلى الله عليه وسلم ، حتى جمعهم الله على أبي بكر رضي الله عنه . قال ابن هشام وحدثني أبو عبيدة وغيره من أهل العلم ، أن أكثر أهل مكة لما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم هموا بالرجوع عن الإسلام وأرادوا ذلك ، حتى خافهم عتاب بن أسيد ، رضي الله عنه ، فتوارى ، فقام رضي الله عنه ، فحمد الله وأثنى عليه ثم ذكر وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقال إن ذلك لم يزد الإسلام إلا قوة فمن رابنا ضربنا عنقه . فتراجع الناس وكفوا [ ص: 173 ] عما هموا به ، فظهر سهيل بن عمرو عتاب بن أسيد فهذا المقام الذي أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله لعمر بن الخطاب - يعني حين أشار بقلع ثنيته حين وقع في الأسارى يوم بدر - " إنه عسى أن يقوم مقاما لا تذمه " .
قلت : وسيأتي عما قريب إن شاء الله ذكر في أحياء كثيرة من العرب ، وما كان من أمر ما وقع بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم من الردة مسيلمة بن حبيب المتنبئ باليمامة ، والأسود العنسي باليمن ، وما كان من أمر الناس حتى فاءوا ورجعوا إلى الله تائبين نازعين عما كانوا عليه في حال ردتهم من السفاهة والجهل العظيم الذي استفزهم الشيطان به ، حتى نصرهم الله وثبتهم ، وردهم إلى دينه الحق على يدي الخليفة الصديق أبي بكر رضي الله عنه وأرضاه ، كما سيأتي مبسوطا مبينا مشروحا ، إن شاء الله .