[ ص: 221 ] ذكر وفاته ، عليه السلام 
قال  البخاري  في " صحيحه " : ( وفاة موسى  ، عليه السلام    ) : حدثنا يحيى بن موسى  ، حدثنا عبد الرزاق ،  أخبرنا معمر  ، عن ابن طاووس  ، عن أبيه ، عن  أبي هريرة  ، قال : أرسل ملك الموت  إلى موسى  ، عليه السلام ، فلما جاءه صكه ، فرجع إلى ربه ، عز وجل ، فقال : أرسلتني إلى عبد لا يريد الموت ، قال : ارجع إليه ، فقل له يضع يده على متن ثور ، فله بما غطت يده بكل شعرة سنة . قال : أي رب ثم ماذا؟ قال : ثم الموت ، قال : فالآن . قال : فسأل الله عز وجل أن يدنيه من الأرض المقدسة ، رمية بحجر ، قال  أبو هريرة    : فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " : فلو كنت ثم لأريتكم قبره ، إلى جانب الطريق ، عند الكثيب الأحمر   . 
قال : وأنبأنا معمر  ، عن همام  ، عن  أبي هريرة  ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، نحوه . وقد روى مسلم  الطريق الأول من حديث عبد الرزاق  به . ورواه الإمام أحمد  من حديث حماد بن سلمة  ، عن عمار بن أبي عمار  ، عن  أبي هريرة  مرفوعا ، وسيأتي . 
 [ ص: 222 ] وقال الإمام أحمد    : حدثنا الحسن  ، حدثنا ابن لهيعة  ، حدثنا أبو يونس ، يعني سليم بن جبير ،  عن  أبي هريرة    - قال الإمام أحمد    : لم يرفعه - قال : جاء ملك الموت  إلى موسى  ، عليه السلام ، فقال : أجب ربك . فلطم موسى  عين ملك الموت  ، ففقأها ، فرجع الملك إلى الله ، فقال : إنك بعثتني إلى عبد لك لا يريد الموت . قال : وقد فقأ عيني ، قال : فرد الله عينه ، وقال : ارجع إلى عبدي ، فقل له : الحياة تريد؟ فإن كنت تريد الحياة ، فضع يدك على متن ثور ، فما وارت يدك من شعره فإنك تعيش بها سنة ، قال : ثم مه؟ قال : ثم الموت ، قال : فالآن يا رب ، من قريب   . تفرد به أحمد  ، وهو موقوف بهذا اللفظ . 
وقد رواه  ابن حبان  في " صحيحه " ، من طريق معمر  ، عن ابن طاوس  ، عن أبيه ، عن  أبي هريرة  ، قال معمر    : وأخبرني من سمع الحسن  ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فذكره ، ثم استشكله  ابن حبان  ، وأجاب عنه بما حاصله : أن ملك الموت  ، لما قال له هذا لم يعرفه; لمجيئه له على غير صورة يعرفها موسى  ، عليه السلام ، كما جاء جبريل  ، عليه السلام ، في صورة أعرابي ، وكما وردت الملائكة على إبراهيم  ولو في صورة شباب ، فلم يعرفهم إبراهيم  ولا لوط  أولا ، وكذلك موسى  لعله لم يعرفه لذلك ولطمه ففقأ عينه; لأنه دخل داره بغير إذنه ، وهذا موافق لشريعتنا في جواز فقء عين من   [ ص: 223 ] نظر إليك في دارك بغير إذن . ثم أورد الحديث من طريق عبد الرزاق  ، عن معمر  ، عن همام  ، عن  أبي هريرة  ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : جاء ملك الموت  إلى موسى  ليقبض روحه ، قال له : أجب ربك . فلطم موسى  عين ملك الموت  ، ففقأ عينه وذكر تمام الحديث - كما أشار إليه  البخاري    - ثم تأوله على أنه لما رفع يده ليلطمه قال له : أجب ربك . وهذا التأويل لا يتمشى على ما ورد به اللفظ ، من تعقيب قوله : أجب ربك . بلطمه ، ولو استمر على الجواب الأول ، لتمشى له . وكأنه لم يعرفه في تلك الصورة ، ولم يحمل قوله هذا على أنه مطابق; إذا لم يتحقق في الساعة الراهنة أنه ملك كريم; لأنه كان يرجو أمورا كثيرة كان يحب وقوعها في حياته; من خروجه من التيه ، ودخولهم الأرض المقدسة ، وكان قد سبق في قدر الله ، أنه ، عليه السلام ، يموت في التيه ، بعد هارون  أخيه ، كما سنبينه إن شاء الله تعالى ، وقد زعم بعضهم أن موسى  ، عليه السلام ، هو الذي خرج بهم من التيه ، ودخل بهم الأرض المقدسة . وهذا خلاف ما عليه أهل الكتاب ، وجمهور المسلمين . ومما يدل على ذلك ، قوله لما اختار الموت : رب ، أدنني إلى الأرض المقدسة ، رمية بحجر . ولو كان قد دخلها ، لم يسأل ذلك ، ولكن لما كان مع قومه بالتيه ، وحانت وفاته ، عليه السلام ، أحب أن يتقرب إلى الأرض التي هاجر إليها ، وحث قومه عليها ، ولكن حال بينهم وبينها القدر ، رمية بحجر ، ولهذا قال   [ ص: 224 ] سيد البشر ، ورسول الله إلى أهل الوبر والمدر : فلو كنت ثم لأريتكم قبره عند الكثيب الأحمر   . 
وقال الإمام أحمد    : حدثنا عفان  ، حدثنا حماد  ، حدثنا ثابت  ،  وسليمان التيمي  ، عن أنس بن مالك  ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال : لما أسري بي ، مررت بموسى  ، وهو قائم يصلي في قبره ، عند الكثيب الأحمر   . ورواه مسلم  من حديث حماد بن سلمة  به . 
وقال  السدي  ، عن أبي مالك ،  وأبي صالح  ، عن ابن عباس  ، وعن مرة  ، عن ابن مسعود  ، وعن ناس من الصحابة ، قالوا : ثم إن الله تعالى أوحى إلى موسى    : إني متوف هارون  ، فائت به جبل كذا وكذا . فانطلق موسى  وهارون  نحو ذلك الجبل ، فإذا هم بشجرة لم تر شجرة مثلها ، وإذا هم ببيت مبني ، وإذا هم بسرير عليه فرش ، وإذا فيه ريح طيبة ، فلما نظر هارون إلى ذلك الجبل والبيت وما فيه ، أعجبه ، قال : يا موسى  ، إني أحب أن أنام على هذا السرير . قال له موسى    : فنم عليه ، قال : إني أخاف أن يأتي رب هذا البيت فيغضب علي . قال له : لا ترهب ، أنا أكفيك رب هذا البيت ، فنم . قال : يا موسى  ، بل نم معي فإن جاء رب هذا البيت ، غضب علي وعليك جميعا فلما ناما ، أخذ هارون  الموت ، فلما وجد حسه ، قال : يا موسى  ، خدعتني . فلما قبض ، رفع ذلك البيت ، وذهبت تلك الشجرة ، ورفع السرير   [ ص: 225 ] به إلى السماء ، فلما رجع موسى  إلى قومه ، وليس معه هارون  قالوا : فإن موسى  قتل هارون  ، وحسده حب بني إسرائيل  له . وكان هارون  أكف عنهم وألين لهم من موسى  ، وكان في موسى  بعض الغلظة عليهم ، فلما بلغه ذلك قال لهم : ويحكم ، كان أخي أفتروني أقتله؟ فلما أكثروا عليه ، قام فصلى ركعتين ، ثم دعا الله فنزل السرير حتى نظروا إليه بين السماء والأرض ، ثم إن موسى  ، عليه السلام ، بينما هو يمشي ويوشع  فتاه ، إذ أقبلت ريح سوداء ، فلما نظر إليها يوشع  ظن أنها الساعة ، فالتزم موسى  وقال : تقوم الساعة وأنا ملتزم موسى  نبي الله ، فاستل موسى  ، عليه السلام من تحت القميص ، وترك القميص في يدي يوشع  ، فلما جاء يوشع  بالقميص أخذته بنو إسرائيل  وقالوا : قتلت نبي الله؟ فقال : لا والله ما قتلته ولكنه استل مني . فلم يصدقوه وأرادوا قتله . قال : فإذا لم تصدقوني فأخروني ثلاثة أيام . فدعا الله ، فأتى كل رجل ممن كان يحرسه في المنام فأخبر أن يوشع  لم يقتل موسى  ، وإنا قد رفعناه إلينا ، فتركوه ، ولم يبق أحد ممن أبى أن يدخل قرية الجبارين مع موسى  ، إلا مات ، ولم يشهد الفتح . وفي بعض هذا السياق نكارة وغرابة . والله أعلم . 
وقد قدمنا أنه لم يخرج أحد من التيه ممن كان مع موسى  ، سوى يوشع بن نون  ، وكالب بن يوفنا  ، وهو زوج مريم  أخت موسى  وهارون ،  وهما الرجلان المذكوران فيما تقدم اللذان أشارا على ملأ بني إسرائيل  بالدخول عليهم ، وذكر  وهب بن منبه  أن موسى  ، عليه السلام ، مر بملأ من الملائكة يحفرون قبرا ، فلم ير أحسن منه ، ولا أنضر ولا أبهج ، فقال : يا ملائكة الله لمن تحفرون هذا القبر؟   [ ص: 226 ] فقالوا : لعبد من عباد الله كريم ، فإن كنت تحب أن تكون هذا العبد ، فادخل هذا القبر ، وتمدد فيه ، وتوجه إلى ربك ، وتنفس أسهل تنفس . ففعل ذلك فمات ، صلوات الله وسلامه عليه فصلت عليه الملائكة ، ودفنوه   . وذكر أهل الكتاب وغيرهم أنه مات وعمره مائة وعشرون سنة . 
وقد قال الإمام أحمد    : حدثنا أمية بن خالد  ، ويونس  ، قالا : حدثنا حماد بن سلمة  ، عن عمار بن أبي عمار  ، عن  أبي هريرة  ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، قال يونس    : رفع هذا الحديث إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال :   " كان ملك الموت  يأتي الناس عيانا قال : فأتى موسى  ، عليه السلام ، فلطمه ، ففقأ عينه ، فأتى ربه ، فقال : يا رب عبدك موسى  فقأ عيني ، ولولا كرامته عليك لعنفت به " وقال يونس : " لشققت عليه " . " قال له اذهب إلى عبدي ، فقل له : فليضع يده على جلد - أو مسك - ثور ، فله بكل شعرة وارت يده سنة . فأتاه فقال له ، فقال : ما بعد هذا؟ قال : الموت ، قال : فالآن " . قال : فشمه شمة ، فقبض روحه قال يونس : " فرد الله عليه عينه ، وكان يأتي الناس خفية " وكذا رواه ابن جرير  ، عن أبي كريب ، عن مصعب بن المقدام  ، عن حماد بن سلمة  به ، فرفعه أيضا والله تعالى أعلم . 
				
						
						
