وقد ورد في الحديث بمقتل الإخبار بمقتل الحسين ، فقال : حدثنا الإمام أحمد عبد الصمد بن حسان ، ثنا عمارة ، يعني ابن زاذان عن ثابت ، عن أنس قال : استأذن ملك المطر [ ص: 235 ] أن يأتي النبي صلى الله عليه وسلم ، فأذن له فقال : لأم سلمة " احفظي علينا الباب لا يدخل أحد " . فجاء الحسين بن علي ، فوثب حتى دخل فجعل يصعد على منكب النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال له الملك : أتحبه؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " نعم " . قال : فإن أمتك تقتله ، وإن شئت أريتك المكان الذي يقتل فيه . قال : فضرب بيده فأراه ترابا أحمر ، فأخذت أم سلمة ذلك التراب فصرته في طرف ثوبها . قال : فكنا نسمع : يقتل بكربلاء . ورواه من حديث البيهقي بشر بن موسى ، عن عبد الصمد ، عن عمارة ، فذكره . ثم قال : وكذلك رواه عن شيبان بن فروخ عمارة . وعمارة بن زاذان هذا هو الصيدلاني أبو سلمة البصري ، اختلفوا فيه ، وقد قال فيه أبو حاتم : يكتب حديثه ولا يحتج به ، ليس بالمتين . وضعفه أحمد مرة ووثقه أخرى . وحديثه هذا قد روي عن غيره من وجه آخر; فرواه من طريق الحافظ البيهقي عمارة بن غزية ، عن محمد بن إبراهيم ، عن أبي سلمة ، عن عائشة ، رضي الله عنها ، نحو هذا .
وقد قال : أنا البيهقي في آخرين ، قالوا : أنا الحاكم عباس الأصم ، أنا عباس الدوري ، ثنا خالد بن مخلد ، ثنا موسى بن يعقوب ، عن هاشم بن هاشم بن [ ص: 236 ] عتبة بن أبي وقاص ، عن عبد الله بن وهب بن زمعة ، أم سلمة ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم اضطجع ذات يوم ، فاستيقظ وهو خاثر ، ثم اضطجع فرقد ، ثم استيقظ وهو خاثر دون ما رأيت منه في المرة الأولى ، ثم اضطجع واستيقظ وفي يده تربة حمراء وهو يقلبها ، فقلت : ما هذه التربة ، يا رسول الله؟ قال : " أخبرني جبريل أن هذا يقتل بأرض العراق - للحسين - قلت له : يا جبريل ، أرني تربة الأرض التي يقتل بها . فهذه تربتها . ثم قال أخبرتني : تابعه البيهقي موسى الجهني عن صالح بن أربد النخعي ، عن أم سلمة ، وأبان عن عن شهر بن حوشب ، أم سلمة .
وقال في " مسنده " : ثنا الحافظ أبو بكر البزار إبراهيم بن يوسف الصيرفي ، ثنا الحسين بن عيسى ، ثنا الحكم بن أبان ، عن عكرمة ، عن ابن عباس قال : الحسين جالسا في حجر النبي صلى الله عليه وسلم فقال جبريل : أتحبه؟ فقال : " وكيف لا أحبه وهو ثمرة فؤادي " . فقال : أما إن أمتك ستقتله ، ألا أريك من موضع قبره؟ فقبض قبضة ، فإذا تربة حمراء . ثم قال كان البزار : لا نعلمه يروى إلا بهذا الإسناد ، والحسين بن عيسى قد حدث عن الحكم بن أبان بأحاديث لا نعلمها عند غيره . قلت : هو الحسين بن عيسى بن مسلم الحنفي [ ص: 237 ] أبو عبد الرحمن الكوفي أخو سليم القارئ . قال فيه : مجهول . يعني مجهول الحال ، وإلا فقد روى عنه تسعة نفر . وقال البخاري أبو زرعة : منكر الحديث . وقال أبو حاتم : ليس بالقوي ، روى عن الحاكم بن أبان أحاديث منكرة . وذكره في " الثقات " وقال ابن حبان قليل الحديث ، وعامة حديثه غرائب ، وفي بعض أحاديثه المنكرات . ابن عدي
وروى عن البيهقي وغيره ، عن الحاكم أبي الأحوص ، عن محمد بن الهيثم القاضي ، ثنا محمد بن مصعب ، ثنا الأوزاعي ، عن أبي عمار شداد بن عبد الله ، عن أنها دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت : أم الفضل بنت الحارث ، فاطمة إن شاء الله غلاما ، فيكون في حجرك " . فولدت فاطمة الحسين ، فكان في حجري كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فدخلت يوما على رسول الله صلى الله عليه وسلم فوضعته في حجري ، ثم حانت مني التفاتة ، فإذا عينا رسول الله صلى الله عليه وسلم تهريقان الدموع . قالت : قلت : يا نبي الله ، [ ص: 238 ] بأبي أنت وأمي ما لك؟ قال : " أتاني جبريل عليه السلام فأخبرني أن أمتي ستقتل ابني هذا " . فقلت : هذا؟ قال : " نعم ، وأتاني بتربة من تربته حمراء يا رسول الله ، إني رأيت حلما منكرا الليلة . قال : " وما هو؟ " قالت : إنه شديد . قال : " وما هو؟ " قالت : رأيت كأن قطعة من جسدك قطعت ووضعت في حجري . فقال : " رأيت خيرا ، تلد
وقد روى عن الإمام أحمد عفان ، عن وهيب ، عن أيوب عن صالح أبي الخليل ، عن عبد الله بن الحارث ، عن أم الفضل قالت : أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت : إني رأيت في منامي أن في بيتي أو حجري عضوا من أعضائك . قال : " تلد فاطمة إن شاء الله غلاما فتكفلينه ، فولدت له فاطمة حسينا ، فدفعته إليها فأرضعته بلبن قثم ، فأتيت به رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما أزوره ، فأخذه فوضعه على صدره ، فبال فأصاب البول إزاره ، فزخخت بيدي على كتفيه ، فقال : " أوجعت ابني أصلحك الله " . أو قال : " رحمك الله " . فقلت : أعطني إزارك أغسله . فقال : " إنما يغسل بول الجارية ، ويصب على بول الغلام . ورواه أحمد أيضا عن يحيى بن أبي بكير ، عن إسرائيل ، عن سماك ، عن قابوس بن مخارق ، عن أم الفضل ، فذكر مثله سواء ، وليس فيه الإخبار بقتله . فالله أعلم .
وقال : حدثنا الإمام أحمد عفان ، ثنا حماد ، أنا عمار بن أبي عمار ، [ ص: 239 ] عن ابن عباس قال : رأيت النبي صلى الله عليه وسلم فيما يرى النائم بنصف النهار وهو قائل ، أشعث أغبر بيده قارورة فيها دم ، فقلت : بأبي أنت وأمي يا رسول الله ، ما هذا؟ : قال : " هذا دم الحسين وأصحابه لم أزل ألتقطه منذ اليوم " . قال فأحصينا ذلك اليوم فوجدوه قتل في ذلك اليوم ، رضي الله عنه . قال قتادة : قتل الحسين يوم الجمعة ، يوم عاشوراء سنة إحدى وستين ، وله أربع وخمسون سنة وستة أشهر ونصف شهر . وهكذا قال الليث وأبو بكر بن عياش الواقدي وخليفة بن خياط وأبو معشر وغير واحد ، أنه قتل يوم عاشوراء عام واحد وستين ، وزعم بعضهم أنه قتل يوم السبت ، والأول أصح ، وقد ذكروا في مقتله أشياء كثيرة أنها وقعت; من كسوف الشمس يومئذ - وهو ضعيف - وتغيير آفاق السماء ، ولم ينقلب حجر إلا وجد تحته دم ، ومنهم من خصص ذلك بحجارة بيت المقدس وأن الورس استحال رمادا ، وأن اللحم صار مثل العلقم وكان فيه النار ، إلى غير ذلك مما في بعضها نكارة ، وفي بعضها احتمال . والله أعلم . وقد مات رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو سيد ولد آدم في الدنيا والآخرة ، ولم يقع شيء من هذه الأشياء ، وكذلك الصديق بعده مات ولم يكن شيء من هذا ، وكذا عمر بن الخطاب قتل شهيدا وهو قائم يصلي في المحراب صلاة الفجر ، وحصر عثمان في داره ، وقتل بعد ذلك شهيدا ، وقتل علي بن أبي طالب شهيدا يوم الجمعة [ ص: 240 ] قبل صلاة الفجر ، ولم يكن شيء من هذه الأشياء . والله أعلم .
وقد روى حماد بن سلمة ، عن عمار بن أبي عمار ، عن أم سلمة أنها سمعت الجن تنوح على الحسين بن علي . وهذا صحيح .
وقال : كنا عند شهر بن حوشب أم سلمة فجاءها الخبر بقتل الحسين ، فخرت مغشيا عليها . وكان سبب قتل الحسين أنه كتب إليه أهل العراق يطلبون منه أن يقدم عليهم ليبايعوه بالخلافة ، وكثر تواتر الكتب عليه من العامة ومن ابن عمه مسلم بن عقيل ، فلما ظهر على ذلك عبيد الله بن زياد نائب العراق بعث إلى ليزيد بن معاوية ، مسلم بن عقيل فضرب عنقه ، ورماه من القصر إلى العامة ، فتفرق ملؤهم وتبددت كلمتهم ، هذا وقد تجهز الحسين من الحجاز إلى العراق ، ولم يشعر بما وقع ، فتحمل بأهله ومن أطاعه وكانوا قريبا من ثلاثمائة ، وقد نهاه عن ذلك جماعة من الصحابة ، منهم; أبو سعيد ، وجابر وابن عباس ، فلم يطعهم . وابن عمر
وما أحسن ما نهاه ابن عمر عن ذلك ، واستدل له على أنه لا يقع ما يريده فلم يقبل; فروى من حديث الحافظ البيهقي يحيى بن سالم الأسدي ، ورواه في " مسنده " عنه قال : أبو داود الطيالسي الشعبي يقول : كان ابن عمر [ ص: 241 ] قدم المدينة فأخبر أن الحسين بن علي قد توجه إلى العراق ، فلحقه على مسيرة ليلتين أو ثلاث من المدينة . فقال : أين تريد؟ قال : العراق . ومعه طوامير وكتب ، فقال : لا تأتهم . فقال : هذه كتبهم وبيعتهم . فقال : إن الله خير نبيه صلى الله عليه وسلم بين الدنيا والآخرة ، فاختار الآخرة ولم يرد الدنيا ، وإنكم بضعة من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، والله لا يليها أحد منكم أبدا ، وما صرفها عنكم إلا للذي هو خير لكم ، فارجعوا . فأبى وقال : هذه كتبهم وبيعتهم . قال : فاعتنقه ابن عمر وقال : أستودعك الله من قتيل . وقد وقع ما فهمه عبد الله بن عمر من ذلك سواء ، من أنه لم يل أحد من أهل البيت الخلافة على سبيل الاستقلال ويتم له الأمر ، وقد قال ذلك عثمان بن عفان ، وعلي بن أبي طالب أنه لا يلي أحد من أهل البيت أبدا . رواه عنهما سمعت أبو صالح السليل بن أحمد بن عيسى بن الشيخ في كتابه " الفتن والملاحم " . قلت : وأما الخلفاء الفاطميون الذين كانوا بالديار المصرية ، فإن أكثر العلماء على أنهم أدعياء ، وعلي بن أبي طالب من أهل البيت ، ومع هذا لم يتم له الأمر كما كان للخلفاء الثلاثة قبله ، ولا اتسعت يده في البلاد كلها ، ثم تنكدت عليه الأمور وأما ابنه الحسن ، رضي الله عنه ، فإنه لما جاء في جيوشه وتصافى هو وأهل الشام ، ورأى أن المصلحة في ترك الخلافة ، تركها لله ، عز وجل ، وصيانة لدماء المسلمين ، أثابه الله ورضى عنه ، وأما الحسين ، رضي الله عنه ، فإن ابن عمر لما أشار عليه بترك الذهاب إلى العراق [ ص: 242 ] وخالفه ، اعتنقه مودعا وقال : أستودعك الله من قتيل . وقد وقع ما تفرسه ابن عمر ، فإنه لما استقل ذاهبا بعث إليه عبيد الله بن زياد بكتيبة فيها أربعة آلاف ، يقدمهم عمر بن سعد بن أبي وقاص ، وذلك بعد ما استعفاه فلم يعفه ، فالتقوا بمكان يقال له كربلاء . بالطف ، فالتجأ الحسين بن علي وأصحابه إلى مقصبة هنالك ، وجعلوها منهم بظهر ، وواجهوا أولئك ، وطلب منهم الحسين إحدى ثلاث ، إما أن يدعوه يرجع من حيث جاء ، وإما أن يذهب إلى ثغر من الثغور فيقاتل فيه ، أو يتركوه حتى يذهب إلى يزيد بن معاوية فيضع يده في يده ، فيحكم فيه بما شاء ، فأبوا عليه واحدة منهن ، وقالوا : لا بد من قدومك على عبيد الله بن زياد فيرى فيك رأيه ، فأبي أن يقدم عليه أبدا ، وقاتلهم دون ذلك ، فقتلوه ، رحمه الله ، وذهبوا برأسه إلى عبيد الله بن زياد ، فوضعوه بين يديه ، فجعل ينكت بقضيب في يده على ثناياه وعنده أنس بن مالك جالس ، فقال له : يا هذا ، ارفع قضيبك ، قد طال ما رأيت رسول الله يقبل هذه الثنايا . ثم أمر عبيد الله بن زياد أن يسار بأهله ومن كان معه إلى الشام إلى يزيد بن معاوية ، ويقال : إنه بعث معهم بالرأس حتى وضع بين يدي يزيد ، فأنشد حينئذ قول بعضهم
نفلق هاما من رجال أعزة علينا وهم كانوا أعق وأظلما
ثم أمر بتجهيزهم إلى المدينة النبوية ، فلما دخلوها تلقتهم امرأة من بنات عبد المطلب ناشرة شعرها ، واضعة كفها على رأسها تبكي وهي تقول[ ص: 243 ]
ماذا تقولون إن قال النبي لكم ماذا فعلتم وأنتم آخر الأمم
بعترتي وبأهلي بعد مفتقدي منهم أسارى وقتلى ضرجوا بدم
ما كان هذا جزائي إذ نصحت لكم أن تخلفوني بشر في ذوي رحمي
جاءوا برأسك يا ابن بنت محمد متزملا بدمائه تزميلا
فكأنما بك يا ابن بنت محمد قتلوا جهارا عامدين رسولا
قتلوك عطشانا ولم يترقبوا في قتلك التنزيل والتأويلا
ويكبرون بأن قتلت وإنما قتلوا بك التكبير والتهليلا