قد تقدم حديث عن أبي إدريس الخولاني حذيفة قال : سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم هل بعد هذا الخير من شر؟ قال : " نعم " . قلت وهل بعد ذلك الشر من [ ص: 257 ] خير؟ قال : " نعم وفيه دخن " . قلت : وما دخنه؟ قال : " قوم يستنون بغير سنتي ويهدون بغير هديي ، تعرف منهم وتنكر الحديث ، فحمل وغيره هذا الخبر الثاني على أيام البيهقي ، عمر بن عبد العزيز .
وروى عن عن الحاكم ، الأصم ، عن العباس بن الوليد بن مزيد ، عن أبيه قال : سئل الأوزاعي عن تفسير حديث حذيفة حين سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الشر الذي يكون بعد ذلك الخير ، فقال الأوزاعي : هي الردة التي كانت بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم .
قال الأوزاعي : وفي مسألة حذيفة : فهل بعد ذلك الشر من خير؟ قال : " نعم ، وفيه دخن " . قال الأوزاعي : فالخير الجماعة ، وفي ولاتهم من تعرف سيرته ، وفيهم من تنكر سيرته . قال : فلم يأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم في قتالهم ما صلوا الصلاة .
وروى عن أبو داود الطيالسي ، داود الواسطي ، وكان ثقة ، عن حبيب بن سالم ، عن النعمان بن بشير بن سعد ، عن حذيفة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : [ ص: 258 ] " ما شاء الله أن تكون ، ثم يرفعها إذا شاء ، ثم تكون جبرية ما شاء الله أن تكون ، ثم يرفعها إذا شاء الله أن يرفعها ، ثم تكون خلافة على منهاج النبوة إنكم في النبوة ما شاء الله أن تكون ، ثم يرفعها إذا شاء ، ثم تكون خلافة على منهاج النبوة قال : فقدم عمر بن عبد العزيز ومعه يزيد بن النعمان ، فكتبت إليه أذكره الحديث وكتبت إليه أقول : إني أرجو أن تكون أمير المؤمنين بعد الجبرية . قال : فأخذ يزيد الكتاب فأدخله على عمر فسر به وأعجبه .
وقال نعيم بن حماد : حدثنا روح بن عبادة ، عن : عن سعيد بن أبي عروبة قتادة قال : قال عمر بن عبد العزيز : رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في النوم ، وعنده أبو بكر وعمر وعثمان وعلي ، فقال لي " ادنه " . فدنوت حتى قمت بين يديه ، فرفع بصره إلي وقال : " أما إنك ستلي أمر هذه الأمة ، وستعدل عليهم " . وسيأتي في الحديث الآخر ، إن شاء الله; أن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها وقد قال كثير من الأئمة : إنه عمر بن عبد العزيز ; فإنه توفي سنة إحدى ومائة .
[ ص: 259 ] وقال : أنا البيهقي أنا الحاكم ، أبو حامد أحمد بن علي المقرئ ، ثنا أبو عيسى ، ثنا أحمد بن إبراهيم ، ثنا ثنا عفان بن مسلم ، عثمان بن عبد الحميد بن لاحق ، عن عن جويرية بن أسماء ، نافع قال : بلغنا أن عمر بن الخطاب قال : إن من ولدي رجلا بوجهه شين ، يلي فيملأ الأرض عدلا . قال نافع من قبله : ولا أحسبه إلا عمر بن عبد العزيز وقد رواه نعيم بن حماد عن عثمان بن عبد الحميد . ولهذا طرق عن ابن عمر أنه كان يقول : ليت شعري من هذا الذي من ولد عمر بن الخطاب في وجهه علامة ، يملأ الأرض عدلا؟ وقد روي ذلك عن عبد الرحمن بن حرملة ، عن نحوا من هذا ، وقد كان هذا الأمر مشهورا قبل ولايته وميلاده بالكلية; أنه يلي رجل من سعيد بن المسيب بني أمية يقال له : أشج بني مروان .
وكانت أمه أروى بنت عاصم بن عمر بن الخطاب ، وكان أبوه عبد العزيز بن مروان نائبا لأخيه عبد الملك على مصر ، وكان يكرم عبد الله بن عمر ، ويبعث إليه بالتحف والهدايا والجوائز فيقبلها ، وبعث إليه مرة بألف دينار فأخذها . وقد دخل عمر بن عبد العزيز يوما إلى اصطبل أبيه وهو صغير ، [ ص: 260 ] فرمحه فرس فشجه في جبينه ، فجعل أبوه يسلت عنه الدم ويقول : أما لئن كنت أشج بني مروان ، إنك إذا لسعيد . وكان الناس يقولون : الأشج والناقص أعدل بني مروان; فالأشج هو عمر بن عبد العزيز ، والناقص هو الذي يقول فيه الشاعر : يزيد بن الوليد بن عبد الملك ،
رأيت اليزيد بن الوليد مباركا شديدا بأعباء الخلافة كاهله
قلت : وقد ولي عمر بن عبد العزيز بعد سليمان بن عبد الملك سنتين ونصفا ، فملأ الأرض عدلا ، وفاض المال حتى كان الرجل يهمه لمن يعطي صدقته . وقد حمل الحديث المتقدم عن البيهقي عدي بن حاتم ، على أيام عمر بن عبد العزيز ، ، وعندي في ذلك نظر . والله أعلم .وقد روى من حديث البيهقي حدثني إسماعيل بن أبي أويس ، أبو معن [ ص: 261 ] الأنصاري ما أسنده ، قال : بينما عمر بن عبد العزيز يمشي إلى مكة بفلاة من الأرض إذ رأى حية ميتة فقال : علي بمحفار . فقالوا : نكفيك ، أصلحك الله . قال : لا . ثم أخذه فحفر له ، ثم لفه في خرقة ودفنه ، فإذا هاتف يهتف لا يرونه : رحمة الله عليك يا سرق . فقال له عمر بن عبد العزيز : من أنت؟ يرحمك الله . قال : أنا رجل من الجن ، وهذا سرق ولم يبق ممن بايع رسول الله صلى الله عليه وسلم غيري وغيره ، وأشهد لسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " تموت يا سرق بفلاة من الأرض ، ويدفنك خير أمتي وقد روى هذا من وجه آخر ، وفيه أنهم كانوا تسعة بايعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وفيه أن عمر بن عبد العزيز حلفه ، فلما حلف بكى عمر بن عبد العزيز . وقد رجحه وحسنه . فالله أعلم . البيهقي