وأعظمهن تسع آيات ، كما قال تعالى : ولقد آتينا موسى تسع آيات بينات [ الإسراء : 101 ] . [ ص: 346 ] وقد شرحناها في " التفسير " وحكينا قول السلف فيها ، واختلافهم فيها ، وأن الجمهور على أنها هي العصا في انقلابها حية تسعى ، واليد إذا أدخل يده في جيب درعه ثم أخرجها تضيء كقطعة قمر يتلألأ إضاءة ، ودعاؤه على قوم فرعون حين كذبوه فأرسل عليهم ، كما بسطنا ذلك في " التفسير " وكذلك أخذهم الله بالسنين ، وهي نقص الحبوب ، وبالجدب ، وهو نقص الثمار ، وبالموت الذريع ، وهو نقص الأنفس ، وهو الطوفان في قول ، ومنها الطوفان والجراد والقمل والضفادع والدم آيات مفصلات بني إسرائيل وإغراق آل فرعون ، ومنها فلق البحر لإنجاء بني إسرائيل في التيه بالغمام ، تظليل عليهم ، واستسقاؤه لهم ، فجعل الله ماءهم يخرج من حجر يحمل معهم على دابة ، له أربعة وجوه ، إذا ضربه وإنزال المن والسلوى موسى بعصاه يخرج من كل وجه ثلاثة أعين ، لكل سبط عين ، ثم يضربه فيقلع ، وقتل كل من عبد العجل منهم ثم أحياهم الله تعالى ، وقصة البقرة ، إلى غير ذلك من الآيات الباهرات ، كما بسطنا ذلك في " التفسير " وفي قصة موسى ، عليه السلام ، من كتابنا هذا في قصص الأنبياء منه ، ولله الحمد والمنة .
[ ص: 347 ] أما فقال شيخنا العلامة العصا ابن الزملكاني : وأما حياة عصا موسى ، فقد وهو جماد ، والحديث في ذلك صحيح ، وهذا الحديث مشهور ، عن سبح الحصا في كف رسول الله صلى الله عليه وسلم الزهري ، عن رجل ، عن أبي ذر ، وقد قدمنا ذلك مبسوطا في دلائل النبوة بما أغنى عن إعادته ، وفيه : أنهن سبحن في كف أبي بكر ، ثم عمر ، ثم عثمان ، كما سبحن في كف رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : " هذه خلافة النبوة " .
وقد روى الحافظ بسنده إلى ابن عساكر بكر بن خنيس ، عن رجل سماه قال : كان بيد سبحة يسبح بها . قال : فنام والسبحة في يده . قال : فاستدارت السبحة فالتفت على ذراعه ، وجعلت تسبح ، فالتفت أبي مسلم الخولاني أبو مسلم والسبحة تدور في ذراعه وهي تقول : سبحانك يا منبت النبات ، ويا دائم الثبات . فقال : هلمي يا أم مسلم ، وانظري إلى أعجب الأعاجيب . قال : فجاءت أم مسلم والسبحة تدور وتسبح ، فلما جلست سكتت .
وأصح من هذا كله وأصرح حديث عن البخاري ابن مسعود قال : . كنا نسمع تسبيح الطعام وهو يؤكل
[ ص: 348 ] قال شيخنا : وكذلك قد سلمت عليه الأحجار . قلت : وهذا قد رواه مسلم عن قال : جابر بن سمرة بمكة قبل أن أبعث ، إني لأعرفه الآن إني لأعرف حجرا كان يسلم علي . قال بعضهم : هو الحجر الأسود . قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "
وقال الترمذي : حدثنا ، حدثنا عباد بن يعقوب الكوفي الوليد بن أبي ثور عن ، عن السدي عباد بن أبي يزيد ، عن علي بن أبي طالب ، رضي الله عنه ، قال بمكة في بعض نواحيها ، فما استقبله جبل ولا شجر إلا قال : السلام عليك يا رسول الله . ثم قال : غريب . ورواه كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم أبو نعيم في " الدلائل " من حديث ، عن السدي أبي عمارة الخيواني ، عن علي قال : . وقدمنا في أول المبعث أنه لما أوحى إليه خرجت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فجعل لا يمر على حجر ولا شجر إلا سلم عليه جبريل أول ما أوحى إليه ، فرجع لا يمر بحجر ولا شجر ولا مدر ولا شيء إلا قال : السلام عليك يا رسول الله . قال : وأقبلت الشجرة عليه بدعائه . وذكر اجتماع تينك الشجرتين لقضاء حاجته من ورائهما ثم رجوعهما إلى منابتهما ، وكلا الحديثين في " الصحيح " [ ص: 349 ] ولكن لا يلزم من ذلك حلول حياة فيهما ، إذ قد تكونان ساقهما سائق ، ولكن في قوله : " انقادا علي بإذن الله " ما يدل على حصول شعور منهما لمخاطبته ، ولا سيما مع امتثالهما ما أمرهما به . قال : . وهذا أليق وأظهر في المطابقة من الذي قبله ، ولكن هذا السياق فيه غرابة . وأمر عذقا من نخلة أن ينزل فنزل إليه ينقز في الأرض حتى وقف بين يديه فقال : " أتشهد أني رسول الله ؟ " فشهد بذلك ثلاثا ثم عاد إلى مكانه
والذي رواه الإمام أحمد وصححه الترمذي ، ورواه البيهقي في " التاريخ " من رواية والبخاري ، عن أبي ظبيان حصين بن جندب ابن عباس قال : جاء أعرابي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : بم أعرف أنك رسول الله ؟ قال : " أرأيت إن دعوت هذا العذق من هذه النخلة أتشهد أني رسول الله ؟ " قال : نعم . قال : فدعا العذق ، فجعل العذق ينزل من النخلة حتى سقط في الأرض ، فجعل ينقز حتى أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم قال له : " ارجع " . فرجع حتى عاد إلى مكانه ، فقال : أشهد أنك رسول الله . وآمن به . هذا لفظ ، وهو ظاهر في أن الذي شهد بالرسالة هو الأعرابي ، وكان رجلا من البيهقي بني عامر .
ولكن في رواية من طريق البيهقي الأعمش ، عن عن سالم بن أبي الجعد ابن عباس قال : آل عامر بن صعصعة ، والله لا أكذبه بشيء يقوله أبدا . جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : ما هذا الذي يقول [ ص: 350 ] أصحابك ؟ قال : وحول رسول الله صلى الله عليه وسلم أعذاق وشجر . فقال : " هل لك أن أريك آية ؟ " قال : نعم . فدعا غصنا منها فأقبل يخد الأرض حتى وقف بين يديه وجعل يسجد ويرفع رأسه ، ثم أمره فرجع . قال : فرجع العامري وهو يقول : يا
وتقدم فيما رواه في " مستدركه " متفردا به ، عن الحاكم ابن عمر ، . أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دعا رجلا إلى الإسلام فقال : هل من شاهد على ما تقول ؟ قال : " هذه الشجرة " . فدعاها رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي على شاطئ الوادي ، فأقبلت تخد الأرض خدا ، فقامت بين يديه ، فاستشهدها ثلاثا ، فشهدت أنه كما قال ، ثم إنها رجعت إلى منبتها ، ورجع الأعرابي إلى قومه وقال : إن يتبعوني أتيتك بهم وإلا رجعت إليك وكنت معك
قال : وأما ، فعمل له المنبر ، فلما رقي عليه وخطب ، حن الجذع إليه حنين العشار والناس يسمعون صوته بمشهد الخلق يوم الجمعة ، ولم يزل يئن ويحن حتى نزل إليه النبي صلى الله عليه وسلم فاعتنقه وسكنه وخيره بين أن يرجع غصنا طريا أو يغرس في الجنة يأكل منه أولياء الله ، فاختار الغرس في الجنة ، وسكن عند ذلك ؛ فهو حديث مشهور معروف ، قد رواه من الصحابة عدد كثير متواتر ، وكان بحضور الخلائق . وهذا الذي ذكره من تواتر حديث الجذع هو كما قال ، فإنه قد روى [ ص: 351 ] هذا الحديث جماعة من الصحابة ، وعنهم أعداد من التابعين ، ثم من بعدهم آخرون عنهم ، لا يمكن تواطؤهم على الكذب ، فهو مقطوع به في الجملة ، وأما تخيير الجذع كما ذكره شيخنا فليس بمتواتر ، بل ولا يصح إسناده ، وقد أوردته في الدلائل عن حنين الجذع الذي كان يخطب إليه النبي صلى الله عليه وسلم أبي بن كعب ، وذكر في " مسند أحمد " ، " وسنن ابن ماجه " ، وعن أنس من خمس طرق إليه ، صحح الترمذي إحداها ، وروى ابن ماجه أخرى ، وأحمد ثالثة رابعة ، والبزار ، وأبو نعيم خامسة ، وعن في " صحيح جابر بن عبد الله من طريقين عنه البخاري " من ثالثة ورابعة ، والبزار ، وأحمد من خامسة وسادسة ، وهذه على شرط مسلم وعن سهل بن سعد في " مصنف ابن أبي شيبة " على شرط " الصحيحين " وعن ابن عباس في " مسند أحمد " و " سنن ابن ماجه " بإسناد على شرط مسلم ، وعن ابن عمر في " صحيح ، ورواه البخاري " أحمد من وجه آخر عن ابن عمر ، وعن أبي سعيد في " مسند عبد بن حميد " بإسناد على شرط مسلم ، وقد رواه أبو يعلى الموصلي من وجه آخر عنه ، وعن عائشة رواه الحافظ أبو نعيم من طريق علي بن أحمد الجواربي ، عن قبيصة ، عن حبان بن علي ، عن صالح بن حيان ، عن عبد الله بن بريدة ، عن عائشة ، فذكر الحديث بطوله ، وفيه أنه خيره بين الدنيا والآخرة ، فاختار الجذع الآخرة ، وغار حتى ذهب ، فلم يعرف . وهذا غريب إسنادا ومتنا . [ ص: 352 ] وعن أم سلمة رواه أبو نعيم بإسناد جيد ، وقدمت الأحاديث ببسط أسانيدها وتحرير ألفاظها وعزوها بما فيه كفاية عن إعادته ها هنا ، ومن تدبرها حصل له القطع بذلك ، ولله الحمد والمنة .
قال القاضي عياض بن موسى السبتي المالكي في كتابه " الشفا " : وهو حديث مشهور منتشر متواتر خرجه أهل الصحيح . ورواه من الصحابة بضعة عشر ، منهم أبي ، وجابر ، وأنس وبريدة وسهل بن سعد وابن عباس وابن عمر والمطلب بن أبي وداعة وأبو سعيد رضي الله عنهم أجمعين . وأم سلمة ،
قال شيخنا : فهذه جمادات ونباتات ، وقد حنت وتكلمت وفي ذلك ما يقابل انقلاب العصا حية .
قلت : وسنشير إلى هذا عند ذكر معجزات عيسى ، عليه السلام في إحيائه الموتى بإذن الله تعالى في ذلك ، كما رواه عن البيهقي ، عن الحاكم أبي أحمد بن أبي الحسن ، عن ، عن أبيه ، عن عبد الرحمن بن أبي حاتم عمرو بن سواد قال : قال لي ما أعطى الله نبيا ما أعطى الشافعي : محمدا صلى الله عليه وسلم . فقلت أعطى عيسى إحياء الموتى . فقال : أعطى محمدا الجذع الذي كان يخطب إلى جنبه [ ص: 353 ] حتى هيئ له المنبر ، فلما هيئ له حن الجذع حتى سمع صوته ، فهذا أكبر من ذلك . وهذا إسناد صحيح إلى ، رحمه الله وهو مما كنت أسمع شيخنا الحافظ الشافعي أبا الحجاج المزي ، رحمه الله يذكره عن ، رحمه الله وأكرم مثواه ، وإنما قال : فهذا أكبر من ذلك ؛ لأن الجذع ليس محلا للحياة ، ومع هذا حصل له شعور ووجد لما تحول عنه إلى المنبر ، فأن وحن حنين العشار حتى نزل إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فاحتضنه وسكنه حتى سكن . قال الشافعي : فهذا الجذع حن إليه ، فإنهم أحق أن يحنوا إليه . وأما عود الحياة إلى جسد كانت فيه بإذن الله فعظيم ، وهذا أعجب وأعظم منه إيجاد حياة وشعور في محل ليس مألوفا لذلك ، لم تكن فيه قبل بالكلية ، فسبحان الله رب العالمين . الحسن البصري
تنبيه : وقد كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم لواء يحمل معه في الحرب يخفق في قلوب أعدائه مسيرة شهر بين يديه ، وكانت له عنزة تحمل بين يديه ، فإذا أراد الصلاة إلى غير جدار ولا حائل ركزت بين يديه ، وكان له قضيب يتوكأ عليه إذا مشى ، وهو الذي عبر عنه سطيح في قوله لابن أخيه عبد المسيح بن بقيلة : يا عبد المسيح ، إذا كثرت التلاوه ، وظهر صاحب الهراوه ، وغاضت بحيرة ساوه ، فليست الشام لسطيح شاما . ولهذا كان ذكر هذه الأشياء عند إحياء عصا موسى وجعلها حية أليق ; إذ هي مساوية لذلك ، وهذه متعددة كثيرة في محال [ ص: 354 ] متفرقة ، بخلاف عصا موسى ، فإنها وإن تعدد جعلها حية ، فهي ذات واحدة ، والله أعلم . ثم ننبه على ذلك عند ذكر إحياء الموتى على يد عيسى ; لأن هذه أعجب وأكبر وأظهر ، والله أعلم .
قال شيخنا : وأما أن الله كلم موسى تكليما ، فقد تقدم حصول الكلام للنبي صلى الله عليه وسلم ليلة الإسراء ، فيشهد له : محمد ، قد كملت فريضتي وخففت عن عبادي " . وسياق بقية القصة يرشد إلى ذلك ، وقد حكى بعض العلماء الإجماع على ذلك ، لكن رأيت في كلام القاضي " فنوديت : أن يا عياض نقل خلاف فيه ، والله أعلم .
وأما ففيها خلاف مشهور بين الخلف والسلف ، ونصرها من الأئمة الرؤية أبو بكر محمد بن إسحاق بن خزيمة المشهور بإمام الأئمة ، واختار ذلك القاضي عياض والشيخ محيي الدين النووي ، وجاء عن ابن عباس تصديق الرؤية ، وجاء عنه تقييدها بالفؤاد ، وكلاهما في " صحيح مسلم " . وفي " الصحيحين " عن عائشة إنكار ذلك ، وقد ذكرنا في الإسراء عن ابن مسعود وأبي هريرة وأبي ذر رضي الله عنهم ، أن المرئي في المرتين المذكورتين في أول سورة " النجم " إنما هو وعائشة ، جبريل ، عليه السلام . وفي " صحيح مسلم " عن أبي ذر قال : قلت : . وفي رواية : " رأيت نورا " . وقد تقدم بسط [ ص: 355 ] ذلك في الإسراء في السيرة وفي " التفسير " في أول سورة يا رسول الله ، هل رأيت ربك ؟ فقال : " نور أنى أراه ؟ " " بني إسرائيل " وهذا الذي ذكره شيخنا فيما يتعلق بالمعجزات الموسوية - عليه أفضل الصلاة والسلام - . وأيضا فإن الله تعالى كلم موسى وهو بطور سيناء ، وسأل الرؤية فمنعها ، وكلم محمدا صلى الله عليه وسلم ليلة الإسراء وهو بالملأ الأعلى حين رفع لمستوى يسمع فيه صريف الأقلام ، وحصلت له الرؤية في قول طائفة كبيرة من علماء السلف والخلف ، والله أعلم . ثم رأيت ابن حامد قد طرق هذا في كتابه وأجاد وأفاد .
وقال ابن حامد : قال الله تعالى لموسى : وألقيت عليك محبة مني [ طه : 39 ] . وقال لمحمد : قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم والله غفور رحيم [ آل عمران : 31 ] .
وأما اليد التي جعلها الله برهانا وحجة لموسى على فرعون وقومه ، كما قال تعالى بعد ذكر صيرورة العصا حية : اسلك يدك في جيبك تخرج بيضاء من غير سوء واضمم إليك جناحك من الرهب فذانك برهانان من ربك إلى فرعون وملئه [ القصص : 32 ] . وقال في سورة " طه " : آية أخرى لنريك من آياتنا الكبرى [ طه : 22 ، 23 ] . فقد أعطى الله محمدا بإشارته إليه فرقتين ، فرقة من وراء جبل حراء ، وأخرى أمامه ، كما تقدم بيان ذلك بالأحاديث المتواترة مع قوله تعالى : انشقاق القمر اقتربت الساعة وانشق القمر وإن يروا آية يعرضوا ويقولوا سحر مستمر [ القمر : 1 ، 2 ] . [ ص: 356 ] ولا شك أن هذا أجل وأعظم وأبهر في المعجزات ، وأشهر وأعظم وأعم وأظهر وأبلغ من ذلك ، وقد قال في حديثه الطويل في قصة توبته : كعب بن مالك . وذلك في " صحيح وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سر استنار وجهه كأنه فلقة قمر . البخاري "
وقال ابن حامد : قالوا : فإن موسى أعطي اليد البيضاء . قلنا لهم : فقد أعطي محمد صلى الله عليه وسلم ما هو أفضل من ذلك ، نورا كان يضيء عن يمينه حيثما جلس ، وعن يساره حيثما جلس وقام ، يراه الناس كلهم وقد بقي ذلك النور إلى قيام الساعة ، ألا ترى أنه يرى النور الساطع من قبره صلى الله عليه وسلم من مسيرة يوم وليلة ؟ هذا لفظه ، وهذا الذي ذكره من هذا النور غريب جدا ، وقد ذكرنا في السيرة عند إسلام الطفيل بن عمرو الدوسي ، أنه طلب من النبي صلى الله عليه وسلم آية تكون له عونا على إسلام قومه ، فدعا له وذهب إلى قومه ، فلما أشرف على قومه من ثنية هناك ، فسطع نور بين عينيه كالمصباح ، فقال : اللهم في غير هذا الموضع ; فإنهم يظنونه مثلة . فتحول النور إلى طرف سوطه فجعلوا ينظرون إليه كالمصباح ، فهداهم الله على يديه ببركة رسول الله صلى الله عليه وسلم وبدعائه لهم في قوله : . وكان يقال " اللهم اهد دوسا وأت بهم " للطفيل : ذو النور لذلك . وذكرنا أيضا حديث أسيد بن حضير في خروجهما من عند النبي صلى الله عليه وسلم في ليلة مظلمة ، فأضاء لهما طرف عصا أحدهما ، فلما افترقا أضاء [ ص: 357 ] لكل واحد منهما طرف عصاه ، وذلك في " صحيح وعباد بن بشر وغيره . البخاري "
وقال في كتاب " دلائل النبوة " : حدثنا أبو زرعة الرازي سليمان بن حرب ، حدثنا حماد بن سلمة ، عن ثابت بن أنس بن مالك ، أن عباد بن بشر خرجا من عند النبي صلى الله عليه وسلم في ليلة ظلماء حندس ، فأضاءت عصا أحدهما مثل السراج وجعلا يمشيان بضوئها ، فلما تفرقا إلى منزلهما أضاءت عصا ذا وعصا ذا . وأسيد بن حضير
ثم روي عن إبراهيم بن حمزة بن محمد بن حمزة بن مصعب بن الزبير بن العوام ، وعن يعقوب بن حميد المدني ، كلاهما عن سفيان بن حمزة بن يزيد الأسلمي ، عن كثير بن زيد ، عن محمد بن حمزة بن عمرو الأسلمي ، عن أبيه قال : سرنا في سفر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في ليلة ظلماء دحمسة ، فأضاءت أصابعي حتى جمعوا عليها ظهرهم وما هلك منهم ، وإن أصابعي لتنير .
وروى هاشم بن عمار في " المبعث " : حدثنا عبد الأعلى بن محمد البكري ، حدثنا جعفر بن سليمان البصري ، حدثنا قال : كان أبو التياح الضبعي مطرف بن عبد الله يبدو ، فيدخل كل جمعة ، فربما نور له في سوطه ، فأدلج [ ص: 358 ] ذات ليلة وهو على فرسه حتى إذا كان عند المقابر هوم به ، قال : فرأيت صاحب كل قبر جالسا على قبره ، قالوا : هذا مطرف يأتي الجمعة . فقلت لهم : وتعلمون عندكم يوم الجمعة ؟ قالوا : نعم ، ونعلم ما يقول فيه الطير . قلت : وما يقول فيه الطير ؟ قالوا : يقول : سلام سلام من يوم صالح .
وأما دعاؤه - عليه السلام - بالطوفان وهو الموت الذريع في قول ، وما بعده من الآيات والقحط والجدب ، فإنما كان ذلك لعلهم يرجعون إلى متابعته ويقلعون عن مخالفته ، فما زادهم إلا طغيانا كبيرا . قال الله تعالى : وما نريهم من آية إلا هي أكبر من أختها وأخذناهم بالعذاب لعلهم يرجعون وقالوا يا أيها الساحر ادع لنا ربك بما عهد عندك إننا لمهتدون [ الزخرف : 48 ، 49 ] . وقالوا مهما تأتنا به من آية لتسحرنا بها فما نحن لك بمؤمنين فأرسلنا عليهم الطوفان والجراد والقمل والضفادع والدم آيات مفصلات فاستكبروا وكانوا قوما مجرمين ولما وقع عليهم الرجز قالوا يا موسى ادع لنا ربك بما عهد عندك لئن كشفت عنا الرجز لنؤمنن لك ولنرسلن معك بني إسرائيل فلما كشفنا عنهم الرجز إلى أجل هم بالغوه إذا هم ينكثون فانتقمنا منهم فأغرقناهم في اليم بأنهم كذبوا بآياتنا وكانوا عنها غافلين [ الأعراف : 132 - 136 ] . وقد دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم على قريش حين تمادوا على مخالفته بسبع كسبع يوسف ، فقحطوا حتى أكلوا كل [ ص: 359 ] شيء ، وكان أحدهم يرى بينه وبين السماء مثل الدخان من الجوع . وقد فسر ابن مسعود قوله تعالى : فارتقب يوم تأتي السماء بدخان مبين [ الدخان : 10 ] بذلك ، كما رواه عنه في غيرما موضع من " صحيحه " ثم توسلوا إليه ، صلوات الله وسلامه عليه ، بقرابتهم منه مع أنه بعث بالرحمة والرأفة ، فدعا لهم فأقلع عنهم ورفع عنهم ، وأحيوا بعدما كانوا أشرفوا على الهلكة . البخاري
وأما فلق البحر لموسى - عليه السلام - حين أمره الله تعالى - حين تراءى الجمعان - أن يضرب البحر بعصاه فانفلق فكان كل فرق كالطود العظيم ، فإنه معجزة عظيمة باهرة ، وحجة قاطعة قاهرة . وقد بسطنا ذلك في " التفسير " وفي قصص الأنبياء من كتابنا هذا ، وفي إشارته صلى الله عليه وسلم بيده الكريمة إلى قمر السماء ، فانشق فلقتين وفق ما سألته قريش وهم معه جلوس ، في ليلة البدر ، أعظم آية ، وأيمن دلالة ، وأوضح حجة ، وأبهر برهان على نبوته ووجاهته عند الله تعالى ، ولم ينقل معجزة عن نبي من الأنبياء من الآيات الحسيات أعظم من هذا ، كما قررنا ذلك بأدلته من الكتاب والسنة في " التفسير " وفي أول البعثة ، وهذا أعظم من حبس الشمس قليلا ليوشع بن نون حتى تمكن من الفتح ليلة السبت ، كما سيأتي في تقرير ذلك ، مع ما يناسب ذكره عنده ، وقد تقدم من مسير [ ص: 360 ] ، العلاء بن الحضرمي وأبي عبيد الثقفي ، ، وسائر الجيوش التى كانت معهم على تيار الماء ، ومنها دجلة وهي جارية عجاجة تقذف بالخشب من شدة جريها ، وتقدم تقرير أن هذا أعجب من فلق البحر وأبي مسلم الخولاني لموسى من هذه الوجوه ، والله أعلم .
وقال ابن حامد : قالوا : فإن موسى ، عليه السلام ، ضرب بعصاه البحر ، فانفلق فكان ذلك آية لموسى عليه السلام . قلنا : فقد أوتي رسول الله صلى الله عليه وسلم مثلها . قال علي رضي الله عنه : لما خرجنا إلى خيبر ، فإذا نحن بواد يشخب ، وقدرناه فإذا هو أربع عشرة قامة ، فقالوا : يا رسول الله العدو من ورائنا والوادي من أمامنا . كما قال أصحاب موسى إنا لمدركون [ الشعراء : 61 ] . فنزل رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال : " اللهم إنك جعلت لكل مرسل دلالة ، فأرني قدرتك " . فركب رسول الله صلى الله عليه وسلم فعبرت الخيل لا تبدي حوافرها ، والإبل لا تبدي أخفافها ، فكان ذلك فتحا . وهذا الذي ذكره بلا إسناد لا أعرفه في شيء من الكتب المعتمدة بإسناد صحيح ولا حسن ، بل ولا ضعيف ، فالله أعلم .
وأما تظليله بالغمام في التيه ، فقد تقدم ذكر حديث الغمامة التي رآها بحيرى تظله من بين أصحابه ، وهو ابن اثنتي عشرة سنة ، صحبة عمه أبي طالب ، وهو قاصد الشام في تجارة ، وهذا أبهر من جهة أنه كان وهو قبل أن [ ص: 361 ] يوحى إليه ، وكانت الغمامة تظله وحده من بين أصحابه ، فهذا أشد في الاعتناء ، وأظهر من غمام يظل بني إسرائيل وغيرهم . وأيضا فإن المقصود من تظليل الغمام إنما كان لاحتياجهم إليه من شدة الحر ، وقد ذكرنا في الدلائل حين سئل النبي صلى الله عليه وسلم أن يدعو لهم ليسقوا لما هم عليه من الجوع والجهد والقحط ، فرفع يديه وقال : " . قال أنس : ولا والله ما نرى في السماء من سحاب ولا قزعة ، وما بيننا وبين سلع من بيت ولا دار ، فأنشأت من ورائه سحابة مثل الترس ، فلما توسطت السماء انتشرت ثم أمطرت . قال " اللهم اسقنا ، اللهم اسقنا أنس : فلا والله ما رأينا الشمس سبتا ، ولما سألوه أن يستصحي لهم ، رفع يده وقال : . فما جعل يشير بيديه إلى ناحية إلا انجاب السحاب ، حتى صارت " اللهم حوالينا ولا علينا " المدينة مثل الإكليل ، يمطر ما حولها ولا تمطر . فهذا تظليل غمام محتاج إليه آكد من الحاجة إلى ذلك ، وهو أنفع منه ، والتصرف فيه وهو يشير أبلغ في المعجز وأظهر في الاعتناء ، والله أعلم .
وأما إنزال المن والسلوى عليهم فقد ، كما تقدم بيانه في دلائل النبوة من إطعامه الجم الغفير من الشيء اليسير ، كما أطعم يوم كثر رسول الله صلى الله عليه وسلم الطعام والشراب في غيرما موطن الخندق من شويهة وصاعه الشعير أزيد من ألف نفس جائعة ، صلوات الله وسلامه عليه دائما إلى يوم الدين ، وأطعم [ ص: 362 ] من جفنة فئاما من الناس ، وكانت تمد من السماء ، إلى غير ذلك من هذا القبيل مما يطول ذكره . وقد ذكر جابر بن عبد الله أبو نعيم وابن حامد أيضا ها هنا أن المراد بالمن والسلوى إنما هو رزق رزقوه من غير كد منهم ولا تعب ، ثم أورد في مقابلته حديث تحليل المغانم ولم تحل لأحد قبلنا ، وحديث جابر في سرية أبي عبيدة وجوعهم حتى أكلوا الخبط ، فحسر البحر لهم عن دابة تسمى العنبر ، فأكلوا منها ثلاثين من بين يوم وليلة حتى سمنوا وتكسرت عكن بطونهم . والحديث في " الصحيح " كما تقدم .
وسيأتي عند ذكر المائدة في معجزات المسيح ابن مريم قصة أبي موسى الخولاني ، أنه خرج هو وجماعة كثيرة من أصحابه إلى الحج وأمرهم أن لا يحملوا زادا ولا مزادا ، فكانوا إذا نزلوا منزلا صلى ركعتين ، فيؤتون بطعام وشراب وعلف يكفيهم ويكفي دوابهم غداء وعشاء ، مدة ذهابهم وإيابهم .
وأما قوله تعالى وإذ استسقى موسى لقومه فقلنا اضرب بعصاك الحجر فانفجرت منه اثنتا عشرة عينا قد علم كل أناس مشربهم الآية [ البقرة : 60 ] . فقد ذكرنا بسط ذلك في قصة موسى ، عليه السلام ، وفي " التفسير " . وقد ذكرنا الأحاديث الواردة في وضع النبي صلى الله عليه وسلم يده في ذلك الإناء الصغير الذي لم يتسع لبسطها فيه ، فجعل الماء ينبع من بين أصابعه أمثال [ ص: 363 ] العيون ، وكذلك كثر الماء في غير ما موطن ، كمزادتي تلك المرأة ، ويوم الحديبية ، وغير ذلك ، وقد استسقى الله لأصحابه في المدينة وغيرها ، فأجيب طبق السؤال ووفق الحاجة لا أزيد ولا أنقص ، وهذا أبلغ في المعجز . من نفس يده - على قول طائفة كثيرة من العلماء - أعظم من نبع الماء من الحجر ، فإنه محل لذلك . ونبع الماء من بين أصابعه
قال : فإن قيل : إن أبو نعيم الحافظ موسى كان يضرب بعصاه الحجر فينفجر منه اثنتا عشرة عينا في التيه ، قد علم كل أناس مشربهم . قيل : كان لمحمد صلى الله عليه وسلم مثله وأعجب ، فإن نبع الماء من الحجر مشهور في العلوم والمعارف ، وأعجب من ذلك نبع الماء من بين اللحم والعظم والدم ، فكان يفرج بين أصابعه في مخضب ، فينبع من بين أصابعه الماء ، فيشربون ويسقون ماء جاريا عذبا ، يروي العدد الكثير من الناس والخيل والإبل .
ثم روى من طريق المطلب بن عبد الله بن أبي حنطب ، حدثني عبد الرحمن بن أبي عمرة الأنصاري ، حدثني أبي قال : . كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة غزاها ، فأصاب الناس مخمصة فدعا بركوة فوضعت بين يديه ، ثم دعا بماء فصبه فيها ، ثم مج فيها وتكلم بما شاء الله أن يتكلم ، ثم أدخل أصبعه فيها ، فأقسم بالله لقد رأيت أصابع رسول الله صلى الله عليه وسلم تتفجر منها ينابيع الماء ، ثم أمر [ ص: 364 ] الناس فسقوا وشربوا وملأوا قربهم وإداواتهم
وأما قصة إحياء الذين قتلوا بسبب عبادة العجل وقصة البقرة ، فسيأتي ما يشابههما من إحياء حيوانات وأناس عند ذكر إحياء الموتى على يد عيسى ابن مريم عليه السلام ، والله أعلم . وقد ذكر أبو نعيم ها هنا أشياء أخر تركناها اختصارا واقتصادا .
وقال هشام بن عمار في كتابه " المبعث " : باب فيما أعطي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وما أعطي الأنبياء قبله .
حدثنا محمد بن شعيب القرشي ، حدثنا روح بن مدرك ، أخبرني عمر بن حسان التميمي ، أن موسى ، عليه السلام ، أعطي آية من كنوز العرش ; رب لا تولج الشيطان في قلبي ، وأعذني منه ومن كل سوء ، فإن لك الأيد والسلطان والملك والملكوت ، دهر الداهرين ، وأبد الآبدين ، آمين آمين . قال : وأعطي محمد صلى الله عليه وسلم آيتين من كنوز العرش آخر سورة " البقرة " : آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه والمؤمنون إلى آخرها [ البقرة : 285 ، 286 ] .
قصة حبس الشمس على يوشع بن نون بن أفراييم بن يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم خليل الرحمن ، عليهم السلام .
وقد كان نبي بني إسرائيل بعد موسى ، عليه السلام ، وهو الذي خرج ببني إسرائيل من التيه ، ودخل بهم بيت المقدس بعد حصار ومقاتلة ، وكان الفتح قد ينجز بعد العصر يوم الجمعة ، وكادت الشمس تغرب ويدخل عليهم السبت فلا يتمكنون معه من القتال ، فنظر إلى الشمس فقال : إنك مأمورة وأنا مأمور . ثم قال : اللهم احبسها علي . فحبسها الله تعالى عليه حتى فتح البلد ثم غربت . [ ص: 365 ] وقد قدمنا في قصة من قصص الأنبياء الحديث الوارد في " صحيح مسلم " من طريق عبد الرزاق ، عن معمر ، عن همام ، عن ، أبي هريرة . الحديث بطوله . عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " غزا نبي من الأنبياء ، فدنا من القرية حين صلى العصر أو قريبا من ذلك ، فقال للشمس : أنت مأمورة وأنا مأمور ، اللهم احبسها علي شيئا " . فحبست عليه حتى فتح الله عليه
وهذا النبي هو يوشع بن نون ; بدليل ما رواه الإمام أحمد ، حدثنا أسود بن عامر ، حدثنا أبو بكر ، عن هشام ، عن ، عن محمد بن سيرين قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أبي هريرة ليوشع ، عليه السلام ، ليالي سار إلى بيت المقدس " الشمس لم تحبس لبشر إلا . تفرد به إن أحمد ، وإسناده على شرط . إذا علم هذا فانشقاق القمر فلقتين ، حتى صارت فرقة من وراء الجبل - أعني حراء - وأخرى من دونه ، أعظم في المعجز من حبس الشمس قليلا وقد قدمنا في الدلائل حديث رد الشمس بعد غروبها ، وذكرنا ما قيل فيه من المقالات . فالله أعلم . البخاري
قال شيخنا العلامة أبو المعالي بن الزملكاني : وأما حبس الشمس ليوشع في قتال الجبارين ، فقد انشق القمر لنبينا صلى الله عليه وسلم ، وانشقاق القمر فلقتين أبلغ من حبس الشمس عن مسيرها ، وصحت الأحاديث وتواترت بانشقاق القمر ، وأنه كان فرقة خلف الجبل وفرقة أمامه ، وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " اشهدوا " . وأن [ ص: 366 ] قريشا قالوا هذا سحر أبصارنا ، فوردت المسافرون وأخبروا أنهم رأوه مفترقا . قال الله تعالى : اقتربت الساعة وانشق القمر وإن يروا آية يعرضوا ويقولوا سحر مستمر [ القمر : 1 ، 2 ] . قال : وقد حبست الشمس لرسول الله صلى الله عليه وسلم مرتين ; إحداهما ما رواه وقال : رواته ثقات . وسماهم وعدلهم واحدا واحدا ، وهو الطحاوي علي ، رضي الله عنه ، فلم يرفع رأسه حتى غربت الشمس ، ولم يكن علي صلى العصر ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " اللهم إنه كان في طاعتك وطاعة نبيك ، فاردد عليه الشمس " . فرد الله عليه الشمس حتى رئيت ، فقام علي فصلى العصر ، ثم غربت ، والثانية صبيحة الإسراء ، فإنه صلى الله عليه وسلم أخبر أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يوحى إليه ورأسه في حجر قريشا عن مسراه من مكة إلى بيت المقدس ، فسألوه عن أشياء من بيت المقدس ، فجلاه الله له حتى نظر إليه ووصفه لهم ، وسألوه عن عير كانت لهم في الطريق فقال : " إنها تصل إليكم مع شروق الشمس " . فتأخرت ، فحبس الله الشمس عن الطلوع حتى جاءت العير . روى ذلك في زياداته على " السيرة " . أما حديث رد الشمس بسبب يونس بن بكير علي ، رضي الله عنه ، فقد تقدم ذكرنا له من طريق وهو أشهرها أسماء بنت عميس ، ، وأبي سعيد وأبي هريرة وعلي نفسه ، وهو مستنكر من جميع الوجوه ، وقد مال إلى القول بتقويته الحافظ أحمد بن صالح المصري ، والقاضي ، وأبو جعفر الطحاوي عياض ، وكذا صححه جماعة من العلماء [ ص: 367 ] الرافضة كابن المطهر وذويه ، ورده وحكم بضعفه آخرون من كبار حفاظ الحديث ونقادهم ، ، كعلي بن المديني وإبراهيم بن يعقوب الجوزجاني ، وحكاه عن شيخه محمد ويعلى ابني عبيد الطنافسيين ، وكأبي بكر محمد بن حاتم البخاري المعروف بابن زنجويه أحد الحفاظ ، والحافظ الكبير ، وذكره الشيخ أبي القاسم بن عساكر في كتاب " الموضوعات " وكذلك صرح بوضعه شيخاي الحافظان الكبيران جمال الدين أبو الفرج بن الجوزي أبو الحجاج المزي ، وأبو عبد الله الذهبي . وأما ما ذكره في زياداته على " السيرة " من تأخر طلوع الشمس عن إبان طلوعها ، فلم ير لغيره من علماء السير ، على أن هذا ليس من الأمور المشاهدة ، وأكثر ما في الباب أن الراوي رأى تأخير طلوعها ولم يشاهد حبسها عن وقته . يونس بن بكير
وأغرب من هذا ما ذكره ابن المطهر في كتابه " المنهاج " أنها ردت لعلي مرتين ، فذكر الحديث المتقدم كما ذكر ، ثم قال : وأما الثانية فلما أراد أن يعبر الفرات ببابل ، اشتغل كثير من أصحابه بسبب دوابهم ، وصلى لنفسه في طائفة من أصحابه العصر ، وفات كثيرا منهم ، فتكلموا في ذلك ، فسأل الله رد الشمس فردت . قال : ونظمه الحميري فقال :
ردت عليه الشمس لما فاته وقت الصلاة وقد دنت للمغرب حتى تبلج نورها في وقتها
للعصر ثم هوت هوي الكوكب وعليه قد ردت ببابل مرة
أخرى وما ردت لخلق مغرب