[ ص: 279 ] باب ذكر جماعة من أنبياء بني إسرائيل  بعد موسى  ، عليه السلام 
ثم نتبعهم بذكر داود  وسليمان  ، عليهما السلام . قال ابن جرير  ، في " تاريخه " : لا خلاف بين أهل العلم بأخبار الماضين ، وأمور السالفين من أمتنا ، وغيرهم; أن القيم بأمور بني إسرائيل  بعد يوشع ،  كالب بن يوفنا    . يعني أحد أصحاب موسى  ، عليه السلام ، وهو زوج أخته مريم  ، وهو أحد الرجلين اللذين ممن يخافون الله ، وهما يوشع  ، وكالب  وهما القائلان لبني إسرائيل  حين نكلوا عن الجهاد : ادخلوا عليهم الباب فإذا دخلتموه فإنكم غالبون وعلى الله فتوكلوا إن كنتم مؤمنين    [ المائدة : 23 ] . قال ابن جرير  ثم من بعده كان القائم بأمور بني إسرائيل  حزقيل بن بوذى    . وهو الذي دعا الله فأحيا الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف حذر الموت . 
 [ ص: 280 ] 
قصة حزقيل   
قال الله تعالى : ألم تر إلى الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف حذر الموت فقال لهم الله موتوا ثم أحياهم إن الله لذو فضل على الناس ولكن أكثر الناس لا يشكرون     [ البقرة : 243 ] . قال محمد بن إسحاق  ، عن  وهب بن منبه  ، إن كالب بن يوفنا  لما قبضه الله إليه بعد يوشع ،  خلف في بني إسرائيل  حزقيل بن بوذى  ، وهو ابن العجوز ، وهو الذي دعا للقوم الذين ذكرهم الله في كتابه ، فيما بلغنا : ألم تر إلى الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف حذر الموت  قال ابن إسحاق  فروا من الوباء ، فنزلوا بصعيد من الأرض ، فقال لهم الله : موتوا . فماتوا جميعا ، فحظروا عليهم حظيرة دون السباع ، فمضت عليهم دهور طويلة ، فمر بهم حزقيل  ، عليه السلام ، فوقف عليهم متفكرا ، فقيل له : أتحب أن يبعثهم الله وأنت تنظر؟ فقال : نعم . فأمر أن يدعو تلك العظام أن تكتسي لحما ، وأن يتصل العصب بعضه ببعض . فناداهم عن أمر الله له بذلك ، فقام القوم   [ ص: 281 ] أجمعون ، وكبروا تكبيرة رجل واحد . وقال أسباط  ، عن  السدي  ، عن أبي مالك  ، وعن أبي صالح  ، عن ابن عباس  ، وعن مرة  ، عن ابن مسعود  ، وعن أناس من الصحابة ، في قوله : ألم تر إلى الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف حذر الموت فقال لهم الله موتوا ثم أحياهم  قالوا : كانت قرية يقال لها : " داوردان    " ، قبل " واسط    " وقع بها الطاعون فهرب عامة أهلها ، فنزلوا ناحية منها ، فهلك من بقي في القرية ، وسلم الآخرون ، فلم يمت منهم كثير ، فلما ارتفع الطاعون ، رجعوا سالمين ، فقال الذين بقوا : أصحابنا هؤلاء كانوا أحزم منا ، لو صنعنا كما صنعوا بقينا ، ولئن وقع الطاعون ثانية لنخرجن معهم . فوقع في قابل ، فهربوا وهم بضعة وثلاثون ألفا ، حتى نزلوا ذلك المكان ، وهو واد أفيح ، فناداهم ملك من أسفل الوادي ، وآخر من أعلاه : أن موتوا . فماتوا ، حتى إذا هلكوا ، وبقيت أجسادهم ، مر بهم نبي ، يقال له : حزقيل    . فلما رآهم وقف عليهم ، فجعل يتفكر فيهم ويلوي شدقيه وأصابعه ، فأوحى الله إليه : تريد أن أريك كيف أحييهم؟ قال : نعم . وإنما كان تفكره أنه تعجب من قدرة الله عليهم ، فقيل له : ناد . فنادى : يا أيتها العظام ، إن الله يأمرك أن تجتمعي . فجعلت العظام   [ ص: 282 ] يطير بعضها إلى بعض ، حتى كانت أجسادا من عظام ، ثم أوحى الله إليه; أن ناد : يا أيتها العظام إن الله يأمرك أن تكتسي لحما . فاكتست لحما ، ودما ، وثيابها التي ماتت فيها . ثم قيل له : ناد . فنادى : أيتها الأجساد ، إن الله يأمرك أن تقومي . فقاموا   . قال أسباط    : فزعم منصور  ، عن مجاهد  ، أنهم قالوا حين أحيوا : سبحانك ربنا ، وبحمدك ، لا إله إلا أنت . فرجعوا إلى قومهم أحياء ، يعرفون أنهم كانوا موتى ، سحنة الموت على وجوههم ، لا يلبسون ثوبا إلا عاد كفنا دسما ، حتى ماتوا لآجالهم التى كتبت لهم . وعن ابن عباس;  أنهم كانوا أربعة آلاف . وعنه : ثمانية آلاف . وعن أبي صالح    : تسعة آلاف . وعن ابن عباس  أيضا : كانوا أربعين ألفا . وعن سعيد بن عبد العزيز    : كانوا من أهل " أذرعات    " . وقال  ابن جريج  ، عن عطاء    : هذا مثل . يعني أنه سيق مثلا مبينا أنه لن يغني حذر من قدر . وقول الجمهور أقوى; أن هذا وقع . 
وقد روى الإمام أحمد  وصاحبا " الصحيح " من طريق الزهري  ، عن  عبد الحميد بن عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب  ، عن عبد الله بن عبد الله بن الحارث   [ ص: 283 ] بن نوفل  ، عن  عبد الله بن عباس  ، أن عمر بن الخطاب  خرج إلى الشام  ، حتى إذا كان بسرغ ، لقيه أمراء الأجناد ، أبو عبيدة بن الجراح  ، وأصحابه ، فأخبروه أن الوباء وقع بالشام ،  فذكر الحديث . يعني في مشاورته المهاجرين  والأنصار  ، فاختلفوا عليه ، فجاءه عبد الرحمن بن عوف  ، وكان متغيبا ببعض حاجته ، فقال : إن عندي من هذا علما; سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : إذا كان بأرض وأنتم بها ، فلا تخرجوا فرارا منه ، وإذا سمعتم به بأرض; فلا تقدموا عليه فحمد الله عمر  ثم انصرف . 
وقال الإمام أحمد    : حدثنا حجاج  ويزيد  المعنى قالا : حدثنا ابن أبي ذئب  ، عن الزهري  ، عن سالم  ، عن عبد الله بن عامر بن ربيعة  ، أن عبد الرحمن بن عوف  أخبر عمر  وهو في الشام  ، عن النبي صلى الله عليه وسلم : إن هذا السقم عذب به الأمم قبلكم ، فإذا سمعتم به في أرض فلا تدخلوها ، وإذا وقع بأرض وأنتم بها ، فلا تخرجوا فرارا منه قال : فرجع عمر  من الشام    . وأخرجاه من حديث مالك  عن الزهري  ، بنحوه . 
قال محمد بن إسحاق    : ولم يذكر لنا مدة لبث حزقيل  في بني إسرائيل ،  ثم إن الله قبضه إليه ، فلما قبض نسي بنو إسرائيل  عهد الله إليهم ، وعظمت   [ ص: 284 ] فيهم الأحداث ، وعبدوا الأوثان ، وكان في جملة ما يعبدونه من الأصنام ، صنم يقال له : بعل . فبعث الله إليهم إلياس بن ياسين بن فنحاص بن العيزار بن هارون بن عمران    . قلت : وقد قدمنا قصة إلياس  تبعا لقصة الخضر;  لأنهما يقرنان في الذكر غالبا ، ولأجل أنها بعد قصة موسى  في سورة " الصافات " فتعجلنا قصته لذلك . والله أعلم . قال محمد بن إسحاق  فيما ذكر له عن  وهب بن منبه  قال : ثم تنبأ فيهم بعد إلياس  ، وصيه اليسع بن أخطوب ،  عليه السلام . وهذه : 
				
						
						
