كان من خبرهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان قد بعث إلى ملكها العلاء بن الحضرمي المنذر بن ساوى العبدي ، فأسلم على يديه وأقام فيهم الإسلام والعدل ، فلما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم توفي المنذر بعده بقليل ، وكان قد حضر عنده في مرضه عمرو بن العاص ، فقال له : يا عمرو ، هل كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجعل للمريض شيئا من ماله ؟ قال : نعم ، الثلث . قال : ماذا أصنع به ؟ قال : إن شئت تصدقت به على أقربائك ، وإن شئت على المحاويج ، وإن شئت جعلته صدقة من بعدك حبسا محرما ، فقال : إني أكره أن أجعله كالبحيرة والسائبة والوصيلة والحامي ، ولكني أتصدق به . ففعل ، ومات فكان عمرو بن العاص يتعجب منه ، فلما مات المنذر ارتد أهل البحرين وملكوا عليهم الغرور ، وهو [ ص: 476 ] المنذر بن النعمان بن المنذر . وقال قائلهم : لو كان محمد نبيا ما مات . ولم يبق بها بلدة على الثبات سوى قرية يقال لها : جواثى . كانت أول قرية أقامت الجمعة من أهل الردة ، كما ثبت ذلك في عن البخاري ابن عباس وقد حاصرهم المرتدون وضيقوا عليهم ، حتى منعوا من الأقوات وجاعوا جوعا شديدا حتى فرج الله ، وقد قال رجل منهم يقال له : عبد الله بن حذف أحد بني بكر بن كلاب ، وقد اشتد عليه الجوع :
ألا أبلغ أبا بكر رسولا وفتيان المدينة أجمعينا فهل لكم إلى قوم كرام
قعود في جواثى محصرينا كأن دماءهم في كل فج
شعاع الشمس يغشى الناظرينا توكلنا على الرحمن إنا
وجدنا الصبر للمتوكلينا
ألم تر أن الله ذلل بحره وأنزل بالكفار إحدى الجلائل
دعونا الذي شق البحار فجاءنا بأعجب من فلق البحار الأوائل