[ ص: 374 ] ذكر شيء من خبر دانيال  ، عليه السلام  
قال ابن أبي الدنيا  حدثنا أحمد بن عبد الأعلى الشيباني  قال : إن لم أكن سمعته من شعيب بن صفوان  فحدثني بعض أصحابنا عنه ، عن الأجلح الكندي  ، عن عبد الله بن أبي الهذيل  ، قال : ضرى بخت نصر  أسدين ، فألقاهما في جب وجاء بدانيال  فألقاه عليهما ، فلم يهيجاه فمكث ما شاء الله ، ثم اشتهى ما يشتهي الآدميون من الطعام والشراب ، فأوحى الله إلى أرميا  وهو بالشام    : أن أعدد طعاما وشرابا لدانيال    . فقال : يا رب ، أنا بالأرض المقدسة ودانيال  بأرض بابل  من أرض العراق    . فأوحى الله إليه : أن أعدد ما أمرناك به فإنا سنرسل من يحملك ويحمل ما أعددت . ففعل ، وأرسل إليه من حمله وحمل ما أعد حتى وقف على رأس الجب فقال : دانيال ،  دانيال    . فقال : من هذا ؟ قال : أنا أرميا    . فقال : ما جاء بك ؟ فقال : أرسلني إليك ربك . قال : وقد ذكرني ربي ؟ قال : نعم . فقال دانيال    : الحمد لله الذي لا ينسى من ذكره ، والحمد لله الذي لا يخيب من رجاه ،   [ ص: 376 ] والحمد لله الذي من وثق به لم يكله إلى غيره ، والحمد لله الذي يجزي بالإحسان إحسانا ، والحمد لله الذي يجزي بالصبر نجاة ، والحمد لله الذي هو يكشف ضرنا بعد كربنا ، والحمد لله الذي هو ثقتنا حين تسوء ظنوننا بأعمالنا ، والحمد لله الذي هو رجاؤنا حين تنقطع الحيل عنا . 
وقال  يونس بن بكير  ، عن محمد بن إسحاق  ، عن أبي خلدة خالد بن دينار  حدثنا أبو العالية  قال : لما افتتحنا تستر وجدنا في مال بيت الهرمزان سريرا ، عليه رجل ميت ، عند رأسه مصحف ، فأخذنا المصحف فحملناه إلى عمر بن الخطاب  ، فدعا له كعبا  فنسخه بالعربية ، فأنا أول رجل من العرب قرأه ، قرأته مثل ما أقرأ القرآن هذا . فقلت  لأبي العالية    : ما كان فيه ؟ قال : سيركم وأموركم ولحون كلامكم وما هو كائن بعد . قلت : فما صنعتم بالرجل ؟ قال : حفرنا بالنهار ثلاثة عشر قبرا متفرقة ، فلما كان بالليل دفناه وسوينا القبور كلها ; لنعميه على الناس فلا ينبشونه . قلت : فما يرجون منه ؟ قال : كانت السماء إذا حبست عنهم برزوا بسريره فيمطرون . قلت : من كنتم تظنون الرجل ؟ قال : رجل يقال له دانيال    . قلت : منذ كم وجدتموه قد مات ؟ قال : منذ ثلاثمائة سنة . قلت : ما تغير منه شيء ؟ قال : لا إلا شعرات من قفاه ; إن لحوم الأنبياء لا تبليها الأرض ولا تأكلها السباع   . وهذا إسناد صحيح إلى أبي العالية  ولكن إن كان تاريخ وفاته محفوظا من ثلاثمائة سنة ، فليس بنبي بل هو رجل صالح ; لأن عيسى ابن مريم  ليس بينه وبين رسول الله   [ ص: 377 ] صلى الله عليه وسلم نبي ، بنص الحديث الذي في  البخاري  والفترة التي كانت بينهما أربعمائة سنة ، وقيل : ستمائة . وقيل : ستمائة وعشرون سنة . وقد يكون تاريخ وفاته من ثمانمائة سنة ، وهو قريب من وقت دانيال  إن كان كونه دانيال  هو المطابق لما في نفس الأمر ; فإنه قد يكون رجلا آخر ; إما من الأنبياء أو الصالحين ، ولكن قربت الظنون أنه دانيال  لأن دانيال  كان قد أخذه ملك الفرس  ، فأقام عنده مسجونا كما تقدم . وقد روي بإسناد صحيح إلى أبي العالية  أن طول أنفه شبر . وعن أنس بن مالك  بإسناد جيد ، أن طول أنفه ذراع . فيحتمل على هذا أن يكون رجلا من الأنبياء الأقدمين قبل هذه المدد . والله أعلم . 
وقد قال أبو بكر ابن أبي الدنيا  في كتاب " أحكام القبور " : حدثنا  أبو بلال محمد بن الحارث بن عبد الله بن أبي بردة بن أبي موسى الأشعري  حدثنا أبو محمد القاسم بن عبد الله عن أبي الأشعث الأحمري  قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن دانيال  دعا ربه عز وجل أن تدفنه أمة محمد فلما افتتح  أبو موسى الأشعري  تستر  ، وجده في تابوت  ، تضرب عروقه ووريده ، وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : من دل على دانيال  فبشروه بالجنة . فكان الذي دل عليه رجل يقال له : حرقوص  فكتب أبو موسى  إلى عمر  بخبره ،   [ ص: 378 ] فكتب إليه عمر  أن ادفنه ، وابعث إلى حرقوص ;  فإن النبي صلى الله عليه وسلم بشره بالجنة   . وهذا مرسل من هذا الوجه ، وفي كونه محفوظا نظر . والله أعلم . 
ثم قال ابن أبي الدنيا    : حدثنا أبو بلال  ، حدثنا قاسم بن عبد الله  ، عن عنبسة بن سعيد  ، - وكان عالما - قال : وجد أبو موسى  مع دانيال  مصحفا ، وجرة فيها ودك ودراهم ، وخاتمه ، فكتب أبو موسى  بذلك إلى عمر  فكتب إليه عمر    : أما المصحف فابعث به إلينا ، وأما الودك فابعث إلينا منه ، ومر من قبلك من المسلمين يستشفون به ، واقسم الدراهم بينهم ، وأما الخاتم فقد نفلناكه . وروى ابن أبي الدنيا  من غير وجه ، أن أبا موسى  لما وجده وذكروا له أنه دانيال  ، التزمه وعانقه وقبله ، وكتب إلى عمر  يذكر له أمره ، وأنه وجد عنده مالا موضوعا ، قريبا من عشرة آلاف درهم ، وكان من جاء اقترض منها ، فإن ردها وإلا مرض ، وأن عنده ربعة ، فأمر عمر  بأن يغسل بماء وسدر ، ويكفن ويدفن ، ويخفى قبره ، فلا يعلم به أحد ، وأمر بالمال أن يرد إلى بيت المال ، وبالربعة فتحمل إليه ، ونفله خاتمه   . وروي عن أبي موسى  ، أنه أمر أربعة من الأسراء فسكروا نهرا ، وحفروا في وسطه قبرا ، فدفنه فيه ، ثم قدم الأربعة الإسراء فضرب أعناقهم ، فلم يعلم موضع قبره غير  أبي موسى الأشعري ،  رضي   [ ص: 379 ] الله عنه . 
وقال ابن أبي الدنيا  حدثني إبراهيم بن عبد الله  حدثنا أحمد بن عمرو بن السرح  ، حدثنا ابن وهب  ، عن  عبد الرحمن بن أبي الزناد  ، عن أبيه ، قال : رأيت في يد  أبي بردة بن أبي موسى الأشعري  خاتما ، نقش فصه أسدان بينهما رجل يلحسان ذلك الرجل ، قال أبو بردة    : هذا خاتم ذلك الرجل الميت الذي زعم أهل هذه البلدة أنه دانيال  أخذه أبو موسى  يوم دفنه . قال أبو بردة    : فسأل أبو موسى  علماء تلك القرية عن نقش ذلك الخاتم ، فقالوا : إن الملك الذي كان دانيال  في سلطانه جاءه المنجمون وأصحاب العلم ، فقالوا له : إنه يولد ليلة كذا وكذا غلام يعور ملكك ويفسده . فقال الملك : والله لا يبقى تلك الليلة غلام إلا قتلته . إلا أنهم أخذوا دانيال  فألقوه في أجمة الأسد ، فبات الأسد ولبوته يلحسانه ، ولم يضراه ، فجاءت أمه فوجدتهما يلحسانه ، فنجاه الله بذلك حتى بلغ ما بلغ . قال أبو بردة    : قال أبو موسى    : قال علماء تلك القرية : فنقش دانيال  صورته وصورة الأسدين يلحسانه في فص خاتمه ; لئلا ينسى نعمة الله عليه في ذلك   . إسناد حسن . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					