وكان الحسين ، رضي الله عنه ، يوم الجمعة - وقال مقتل الليث وأبو نعيم : يوم السبت - يوم عاشوراء من المحرم سنة إحدى وستين . وقال : سنة ثنتين وستين . وبه قال هشام بن الكلبي . وقال علي بن المديني ابن لهيعة : سنة ثنتين أو ثلاث وستين . وقال غيره : سنة ستين . والصحيح الأول ، بمكان يقال له الطف . بكربلاء من أرض العراق ، وله من العمر ثمان وخمسون سنة أو نحوها ، وأخطأ أبو نعيم في قوله : إنه قتل وله من العمر خمس أو ست وستون سنة .
[ ص: 570 ] قال : حدثنا الإمام أحمد عبد الصمد بن حسان ، ثنا عمارة ، يعني ابن زاذان ، عن ثابت ، عن أنس قال استأذن ملك القطر أن يأتي النبي صلى الله عليه وسلم فأذن له ، فقال : " احفظي علينا الباب لا يدخل أحد " . فجاء لأم سلمة الحسين بن علي فوثب حتى دخل ، فجعل يصعد على منكب النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال له الملك : أتحبه ؟ قال النبي صلى الله عليه وسلم : " نعم " . قال : فإن أمتك تقتله ، وإن شئت أريتك المكان الذي يقتل فيه . قال : فضرب بيده ، فأراه ترابا أحمر ، فأخذت أم سلمة ذلك التراب ، فصرته في طرف ثوبها . قال : فكنا نسمع : يقتل بكربلاء .
وقال : حدثنا الإمام أحمد ، حدثني وكيع عبد الله بن سعيد ، عن أبيه ، عن عائشة أو أم سلمة ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لإحداهما : " " لقد دخل علي البيت ملك لم يدخل علي قبلها ، فقال لي : إن ابنك هذا حسين مقتول ، وإن شئت أريتك الأرض التي يقتل بها " . قال : " فأخرج تربة حمراء " . وقد روي هذا الحديث من غير وجه ، عن أم سلمة . ورواه ، عن الطبراني أبي أمامة ، وفيه قصة أم سلمة . ورواه محمد بن سعد ، عن عائشة بنحو رواية أم سلمة . فالله أعلم . وروي ذلك من حديث زينب بنت جحش ولبابة أم الفضل [ ص: 571 ] امرأة العباس . وأرسله غير واحد من التابعين .
وقال أبو القاسم البغوي : حدثنا محمد بن هارون أبو بكر ، ثنا إبراهيم بن محمد الرقي قالا : ثنا وعلي بن الحسين الرازي سعيد بن عبد الملك بن واقد الحراني ، ثنا عطاء بن مسلم ، ثنا أشعث بن سحيم ، عن أبيه قال : سمعت أنس بن الحارث يقول : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " إن ابني هذا - يعني الحسين - يقتل بأرض يقال لها : كربلاء . فمن شهد منكم ذلك فلينصره " . قال : فخرج أنس بن الحارث إلى كربلاء فقتل مع الحسين . ثم قال : ولا أعلم روى غيره .
وقال : حدثنا الإمام أحمد محمد بن عبيد ، ثنا شرحبيل بن مدرك ، عن عبد الله بن نجي ، عن أبيه علي - وكان صاحب مطهرته - فلما حاذى نينوى وهو منطلق إلى صفين فنادى علي : اصبر أبا عبد الله ، اصبر أبا عبد الله بشط الفرات . قلت : وماذا ؟ قال : دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم وعيناه تفيضان ، فقلت : يا نبي الله ، أغضبك أحد ؟ وما شأن عينيك تفيضان ؟ قال : " بل قام من عندي جبريل قبل ، فحدثني أن الحسين يقتل [ ص: 572 ] بشط الفرات " . قال : " فقال : هل لك أن أشمك من تربته ؟ قلت : نعم . فمد يده ، فقبض قبضة من تراب فأعطانيها ، فلم أملك عيني أن فاضتا " . تفرد به ، أنه سار مع أحمد . وروى محمد بن سعد ، عن علي بن محمد ، عن يحيى بن زكريا ، عن رجل ، عن عامر الشعبي ، عن علي مثله .
وقد روى محمد بن سعد وغيره من غير وجه ، عن علي بن أبي طالب ، أنه مر بكربلاء ، عند أشجار الحنظل ، وهو ذاهب إلى صفين ، فسأل عن اسمها فقيل : كربلاء . فقال : كرب وبلاء . فنزل وصلى عند شجرة هناك ، ثم قال : يقتل هاهنا شهداء هم خير الشهداء غير الصحابة ، يدخلون الجنة بغير حساب . وأشار إلى مكان هناك ، فعلموه بشيء ، فقتل فيه الحسين ، رضي الله عنه .
وقد روي عن كعب الأحبار آثار في كربلاء . وقد حكى أبو الجناب الكلبي وغيره أن أهل كربلاء لا يزالون يسمعون نوح الجن على الحسين ، رضي الله عنه ، وهن يقلن :
مسح الرسول جبينه فله بريق في الخدود أبواه من عليا قري
ش جده خير الجدود
خرجوا به وفدا إلي ه فهم له شر الوفود
[ ص: 573 ] قتلوا ابن بنت نبيهم سكنوا به نار الخلود
أترجو أمة قتلت حسينا شفاعة جده يوم الحساب
وروي أن الذين قتلوه رجعوا ، فباتوا وهم يشربون الخمر ، والرأس معهم ، فبرز لهم قلم من حديد ، فرسم لهم في الحائط بدم هذا البيت
أترجو أمة قتلت حسينا شفاعة جده يوم الحساب
وقال ابن أبي الدنيا : حدثنا عبد الله بن محمد بن هانئ أبو عبد الرحمن [ ص: 574 ] النحوي ، ثنا معدي بن سليمان ، ثنا قال استيقظ علي بن زيد بن جدعان ابن عباس من نومه فاسترجع ، وقال : قتل الحسين والله . فقال له أصحابه : كلا كلا ! قال : رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه زجاجة من دم ، فقال ، ألا تعلم ما صنعت أمتي من بعدي ؟ قتلوا ابني يابن عباس الحسين ، وهذا دمه ودم أصحابه أرفعهما إلى الله . قال : فكتب ذلك اليوم الذي قال فيه وتلك الساعة ، فما لبثوا إلا أربعة وعشرين يوما حتى جاءهم الخبر بالمدينة أنه قتل في ذلك اليوم وتلك الساعة .
وروى الترمذي ، عن ، عن أبي سعيد الأشج ، عن أبي خالد الأحمر رزين ، عن سلمى قالت : دخلت على أم سلمة وهي تبكي ، فقلت : ما يبكيك ؟ فقالت : رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في المنام وعلى رأسه ولحيته التراب ، فقلت : ما لك يا رسول الله ؟ قال : شهدت قتل الحسين آنفا .
وقال محمد بن سعد : أخبرنا محمد بن عبد الله الأنصاري ، أنبأنا قرة بن خالد ، أخبرني عامر بن عبد الواحد ، عن قال : إنا لعند شهر بن حوشب أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم ، فسمعنا صارخة ، فأقبلت حتى انتهت إلى أم سلمة ، فقالت : قتل الحسين . فقالت : قد فعلوها ، ملأ الله قبورهم - أو بيوتهم - عليهم نارا . [ ص: 575 ] ووقعت مغشيا عليها ، وقمنا .
وقال : حدثنا الإمام أحمد عبد الرحمن بن مهدي ، ثنا ، حماد بن سلمة : عن عمار قال : سمعت أم سلمة قالت : سمعت الجن يبكين على حسين ، وسمعت الجن تنوح على حسين .
ورواه الحسين بن إدريس ، عن ، عن أمه ، عن هاشم بن هاشم أم سلمة قالت : سمعت الجن تنوح على الحسين ، وهن يقلن
أيها القاتلون ظلما حسينا أبشروا بالعذاب والتنكيل
كل أهل السماء يدعو عليكم من نبي ومرسل وقبيل
قد لعنتم على لسان ابن داود وموسى وصاحب الإنجيل
وقال الخطيب : أنبأنا أحمد بن عثمان بن مياح السكري ، ثنا محمد بن عبد الله بن إبراهيم الشافعي ، ثنا ، ثنا محمد بن شداد المسمعي أبو نعيم ، ثنا عبد الله بن حبيب بن أبي ثابت ، عن أبيه ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس قال : محمد صلى الله عليه وسلم : إني قتلت بيحيى بن زكريا سبعين ألفا ، وأنا قاتل بابن ابنتك سبعين ألفا وسبعين ألفا . هذا حديث غريب جدا ، وقد [ ص: 576 ] رواه أوحى الله تعالى إلى في " مستدركه " . وقد ذكر الحاكم هاهنا آثارا غريبة جدا . الطبراني
ولقد بالغ الشيعة في يوم عاشوراء ، فوضعوا أحاديث كثيرة وكذبا فاحشا ; من كون الشمس كسفت يومئذ حتى بدت النجوم ، وما رفع يومئذ حجر إلا وجد تحته دم ، وأن أرجاء السماء احمرت ، وأن الشمس كانت تطلع وشعاعها كأنه دم ، وصارت السماء كأنها علقة ، وأن الكواكب صار يضرب بعضها بعضا ، وأمطرت السماء دما أحمر ، وأن الحمرة لم تكن في السماء قبل يومئذ . وروى ابن لهيعة ، عن أبي قبيل المعافري ، أن الشمس كسفت يومئذ حتى بدت النجوم وقت الظهر . وأن رأس الحسين لما دخلوا به قصر الإمارة جعلت الحيطان تسيل دما . وأن الأرض أظلمت ثلاثة أيام . ولم يمس زعفران ولا ورس مما كان معه يومئذ إلا احترق من مسه . ولم يرفع حجر من حجارة بيت المقدس إلا ظهر تحته دم عبيط . وأن الإبل التي غنموها من إبل الحسين حين طبخوها صار لحمها مثل العلقم . إلى غير ذلك من الأكاذيب والأحاديث الموضوعة التي لا يصح منها شيء .
وأما ما روي من الأمور والفتن التي أصابت من قتله فأكثرها صحيح ; فإنه قل من نجا منهم في الدنيا إلا أصيب بمرض ، وأكثرهم أصابه الجنون .
وللشيعة والرافضة في صفة مصرع الحسين ، رضي الله عنه ، كذب كثير وأخبار طويلة ، وفيما ذكرناه كفاية ، وفي بعض ما أوردناه نظر ، ولولا أن ابن جرير [ ص: 577 ] وغيره من الحفاظ الأئمة ذكروه ما سقته ، وأكثره من رواية ، وقد كان شيعيا ، وهو ضعيف الحديث عند الأئمة ، ولكنه أخباري حافظ ، عنده من هذه الأشياء ما ليس عند غيره ، ولهذا يترامى عليه كثير من المصنفين ممن بعده . والله أعلم . أبي مخنف لوط بن يحيى
وقد أسرف الرافضة في دولة بني بويه في حدود الأربعمائة وما حولها ، فكانت الدبادب تضرب ببغداد ونحوها من البلاد في يوم عاشوراء ، ويذر الرماد والتبن في الطرقات والأسواق ، وتعلق المسوح على الدكاكين ، ويظهر الناس الحزن والبكاء ، وكثير منهم لا يشرب الماء ليلتئذ موافقة للحسين ، لأنه قتل عطشان ، ثم تخرج النساء حاسرات عن وجوههن ينحن ويلطمن وجوههن وصدورهن ، حافيات في الأسواق ، إلى غير ذلك من البدع الشنيعة ، والأهواء الفظيعة ، والهتائك المخترعة ، وإنما يريدون بهذا وأشباهه أن يشنعوا على دولة بني أمية ; لأنه قتل في أيامهم .
وقد عاكس الرافضة والشيعة يوم عاشوراء النواصب من أهل الشام فكانوا في يوم عاشوراء يطبخون الحبوب ويغتسلون ويتطيبون ويلبسون أفخر ثيابهم ، ويتخذون ذلك اليوم عيدا ، يصنعون فيه أنواع الأطعمة ، ويظهرون السرور والفرح ; يريدون بذلك عناد الروافض ومعاكستهم .
وقد تأول عليه من قتله أنه جاء ليفرق كلمة المسلمين بعد [ ص: 578 ] اجتماعها ، وليخلع من بايعه الناس واجتمعوا عليه ، وقد ورد في " صحيح مسلم " الحديث بالزجر عن ذلك ، والتحذير منه ، والتوعد عليه ، وبتقدير أن تكون طائفة من الجهلة قد تأولوا عليه وقتلوه ، ولم يكن لهم قتله ، بل كان يجب عليهم إجابته إلى ما سأل من تلك الخصال الثلاثة المتقدم ذكرها ، فإذا ذمت طائفة من الجبارين لم تذم الأمة بكمالها وتتهم على نبيها صلى الله عليه وسلم ، فليس الأمر كما ذهبوا إليه ، ولا كما سلكوه ، بل أكثر الأمة قديما وحديثا كاره ما وقع من قتله وقتل أصحابه سوى شرذمة قليلة من أهل الكوفة ، قبحهم الله ، وأكثرهم كانوا قد كاتبوه ليتوصلوا به إلى أغراضهم ومقاصدهم الفاسدة ، فلما علم ذلك ابن زياد منهم بلغهم ما يريدون من الدنيا ، وأخذهم على ذلك ، وحملهم عليه بالرغبة والرهبة ، فانكفوا عن الحسين وخذلوه ثم قتلوه ، وليس كل ذلك الجيش كان راضيا بما وقع من قتله ، بل ولا يزيد بن معاوية رضي بذلك - والله أعلم - ولا كرهه ، والذي يكاد يغلب على الظن أن يزيد لو قدر عليه قبل أن يقتل لعفا عنه ، كما أوصاه بذلك أبوه ، وكما صرح هو به مخبرا عن نفسه بذلك .
وقد لعن ابن زياد على فعله ذلك وشتمه فيما يظهر ويبدو ، ولكن لم يعزله على ذلك ولا عاقبه ولا أرسل يعيب عليه ذلك . والله أعلم .
[ ص: 579 ] فكل مسلم ينبغي له أن يحزنه هذا الذي وقع من قتله ، رضي الله عنه ، فإنه من سادات المسلمين وعلماء الصحابة ، وابن بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم التي هي أفضل بناته ، وقد كان عابدا وشجاعا وسخيا ، ولكن لا يحسن ما يفعله الشيعة من إظهار الجزع والحزن الذي لعل أكثره تصنع ورياء ، وقد كان أبوه أفضل منه ، وهم لا يتخذون مقتله مأتما كيوم مقتل الحسين ، فإن أباه قتل يوم الجمعة وهو خارج إلى صلاة الفجر في السابع عشر من رمضان سنة أربعين ، وكذلك عثمان كان أفضل من علي ، عند أهل السنة والجماعة ، وقد قتل وهو محصور في داره في أيام التشريق من شهر ذي الحجة سنة ست وثلاثين ، وقد ذبح من الوريد إلى الوريد ، ولم يتخذ الناس يوم مقتله مأتما ، وكذلك عمر بن الخطاب ، وهو أفضل من عثمان وعلي ، قتل وهو قائم يصلي في المحراب صلاة الفجر ، وهو يقرأ القرآن ، ولم يتخذ الناس يوم قتله مأتما ، وكذلك الصديق كان أفضل منه ، ولم يتخذ الناس يوم وفاته مأتما ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم ، سيد ولد آدم في الدنيا والآخرة ، وقد قبضه الله إليه كما مات الأنبياء قبله ، ولم يتخذ أحد يوم موته مأتما يفعلون فيه ما يفعله هؤلاء الجهلة من الرافضة يوم مصرع الحسين ، ولا ذكر أحد أنه ظهر يوم موتهم وقبلهم شيء مما ادعاه هؤلاء يوم مقتل الحسين من الأمور المتقدمة ، مثل كسوف الشمس والحمرة التي تطلع في السماء وغير ذلك .
وأحسن ما يقال عند ذكر هذه المصائب وأمثالها ما رواه الحسين بن علي ، [ ص: 580 ] عن جده رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : " " . رواه ما من مسلم يصاب بمصيبة فيتذكرها وإن تقادم عهدها ، فيحدث لها استرجاعا ، إلا أعطاه الله من الأجر مثل يوم أصيب بها الإمام أحمد . وابن ماجه