الهادي
الخليفة أبو محمد موسى بن المهدي ، محمد بن المنصور عبد الله الهاشمي العباسي ، ولي عهد أبيه ، فلما مات أبوه ، تسلم الخلافة ، وكان بجرجان ، فأخذ له البيعة أخوه الرشيد ، وكان أبيض طويلا ، جسيما ، في شفته تقلص ، فوكل به في الصبا خادما ، كان كلما رآه يقلص شفته ، قال : موسى أطبق . فيفيق ، ويضم شفته . وعمل فيه مروان بن أبي حفصة قصيدة منها :
تشابه يوما بأسه ونواله فما أحد يدري لأيهما الفضل
فأمر له بمائة ألف وثلاثين ألفا . وقيل : إنه قال لإبراهيم الموصلي : إن أطربتني ، فاحتكم . فأطربه ، فأعطاه سبع مائة ألف درهم .وكان يشرب المسكر ، وفيه ظلم وشهامة ولعب ، وربما ركب حمارا فارها ، وكان شجاعا ، فصيحا ، لسنا ، أديبا ، مهيبا ، عظيم السطوة .
قال : كان سبب موته أنه دفع نديما له من جرف ، على أصول قصب قد قطع ، فتعلق به النديم ، فوقع معه ، فدخلت قصبة في دبره ، فكان ذلك سبب موته ، فهلكا جميعا ابن حزم
قلت : مات في شهر ربيع الآخر ، سنة سبعين ومائة وعمره ثلاث وعشرون سنة ، وكانت خلافته سنة وشهرا ، وقام بعده الرشيد ، وكان المهدي قد عزم على تقديم الرشيد في ولاية العهد ، وأن يؤخر الهادي فلما نفذ إلى الهادي فامتنع ، فطلبه ، فلم يأت ، فهم المهدي بالمضي إلى جرجان [ ص: 443 ] إليه ، فساق خلف صيد ، ففر إلى خربة ، وتبعه المهدي ، فدق ظهره بباب الخربة ، فانقطع ، وقيل : بل سم ، سقته سرية سما عملته لضرتها ، فمد يده إلى الطعام المسموم ، ففزعت ، ولم تخبره ، وكان لبئا ، فصاح : جوفي . وتلف بعد يوم وبعثوا بالخاتم والقضيب إلى الهادي ، فركب لوقته ، وقصد بغداد .
وكان كوالده في استئصال الزنادقة وتتبعهم ، فقتل عدة ، منهم : يعقوب بن الفضل بن عبد الرحمن بن العباس بن ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب بن هاشم ، وظهرت بنته حبلى منه ، أكرهها .
وخرج على الهادي ، حسين بن علي بن حسن بن حسن الحسني بالمدينة ، المقتول في وقعة فخ ، بظاهر مكة ، وكان قليل الخير ، وعسكره أوباش ، وهلك الهادي فيما قيل : من قرحة . ويقال : سمته أمه الخيزران ، لما أجمع على قتل أخيه الرشيد ، وكانت متصرفة في الأمور إلى الغاية ، وكانت من [ ص: 444 ] مولدات المدينة ، فقال لها : لئن وقف ببابك أمير ، لأقتلنك ، أما لك مغزل يشغلك ، أو مصحف يذكرك ، أو سبحة فقامت لا تعقل غضبا ويقال : خلف سبعة بنين ، وكان مولده بالري .