حاتم الأصم
الزاهد القدوة الرباني ، أبو عبد الرحمن ، حاتم بن عنوان بن يوسف [ ص: 485 ] البلخي الواعظ الناطق بالحكمة ، الأصم ، له كلام جليل في الزهد والمواعظ والحكم ، كان يقال له : لقمان هذه الأمة .
روى عن : ، وصحبه ، شقيق البلخي وسعيد بن عبد الله الماهياني ، وشداد بن حكيم ، ورجاء بن محمد وغيرهم ، ولم يرو شيئا مسندا فيما أرى .
روى عنه : عبد الله بن سهل الرازي ، وأحمد بن خضرويه البلخي ، ومحمد بن فارس البلخي ، وأبو عبد الله الخواص ، ، وأبو تراب النخشبي وحمدان بن ذي النون ، ومحمد بن مكرم الصفار ، وآخرون . واجتمع بالإمام أحمد ببغداد .
قيل له : على ما بنيت أمرك في التوكل ؟ قال : على خصال أربعة : علمت أن رزقي لا يأكله غيري ، فاطمأنت به نفسي ، وعلمت أن عملي لا يعمله غيري ، فأنا مشغول به ، وعلمت أن الموت يأتي بغتة ، فأنا أبادره ، وعلمت أني لا أخلو من عين الله ، فأنا مستحي منه .
وعنه : من أصبح مستقيما في أربع فهو بخير : التفقه ، ثم التوكل ، ثم الإخلاص ، ثم المعرفة .
وعنه : تعاهد نفسك في ثلاث : إذا عملت ، فاذكر نظر الله إليك ، وإذا تكلمت ، فاذكر سمع الله منك ، وإذا سكت ، فاذكر علم الله فيك .
قال أبو تراب : سمعت حاتما يقول : لي أربعة نسوة ، وتسعة أولاد ، ما طمع شيطان أن يوسوس إلي في أرزاقهم .
سمعت شقيقا يقول : الكسل عون على الزهد .
وقال أبو تراب : قال شقيق لحاتم : مذ صحبتني ، أي شيء تعلمت [ ص: 486 ] مني ؟ قال : ست كلمات : رأيت الناس في شك من أمر الرزق ، فتوكلت على الله . قال الله تعالى : وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها .
ورأيت لكل رجل صديقا يفشي إليه سره ، ويشكو إليه ، فصادقت الخير ليكون معي في الحساب ، ويجوز معي الصراط .
ورأيت كل أحد له عدو ، فمن اغتابني ليس بعدوي ، ومن أخذ مني شيئا ليس بعدوي ; بل عدوي من إذا كنت في طاعة ، أمرني بمعصية الله ، وذلك إبليس وجنوده ، فاتخذتهم عدوا وحاربتهم .
ورأيت الناس كلهم لهم طالب ، وهو ملك الموت ، ففرغت له نفسي .
ونظرت في الخلق ، فأحببت ذا ، وأبغضت ذا . فالذي أحببته لم يعطني ، والذي أبغضه لم يأخذ مني شيئا ، فقلت : من أين أتيت ؟ فإذا هو من الحسد فطرحته ، وأحببت الكل ، فكل شيء لم أرضه لنفسي لم أرضه لهم .
ورأيت الناس كلهم لهم بيت ومأوى ، ورأيت مأواي القبر ، فكل شيء قدرت عليه من الخير قدمته لنفسي لأعمر قبري .
فقال شقيق : عليك بهذه الخصال .
قال أبو عبد الله الخواص : دخلت مع حاتم الأصم الري ، ومعنا ثلاثمائة وعشرون رجلا نريد الحج ، عليهم الصوف والزربنانقات ، ليس معهم جراب ولا طعام . [ ص: 487 ]
قال الخطيب : أسند حاتم بن عنوان الأصم ، عن شقيق ، وسمى جماعة .
ويروى عنه قال : أفرح إذا أصاب من ناظرني ، وأحزن إذا أخطأ .
وقيل : إن خرج إلى أحمد بن حنبل حاتم ، ورحب به ، وقال له : كيف التخلص من الناس ؟ قال : أن تعطيهم مالك ، ولا تأخذ من مالهم ، وتقضي حقوقهم ، ولا تستقض أحدا حقك ، وتحتمل مكروههم ، ولا تكرههم على شيء ، وليتك تسلم .
وقال أبو تراب : سمعت حاتما يقول : المؤمن لا يغيب عن خمسة : عن الله ، والقضاء ، والرزق ، والموت ، والشيطان .
وعن حاتم قال : لو أن صاحب خبر جلس إليك ، لكنت تتحرز منه ، وكلامك يعرض على الله فلا تحترز ! .
قلت : هكذا كانت نكت العارفين وإشاراتهم ، لا كما أحدث المتأخرون من الفناء والمحو و الجمع الذي آل بجهلتهم إلى الاتحاد ، وعدم السوى .
قال ، أبو القاسم بن منده وأبو طاهر السلفي : توفي حاتم الأصم - رحمه الله - سنة سبع وثلاثين ومائتين .