أبو حمزة البغدادي
شيخ الشيوخ أبو حمزة ، محمد بن إبراهيم البغدادي الصوفي .
[ ص: 166 ] جالس بشرا الحافي ، . وصحب والإمام أحمد السري بن المغلس .
وكان بصيرا بالقراءات . وكان كثير الرباط والغزو .
حكى عنه : خير النساج ، ومحمد بن علي الكناني ، وغير واحد .
ومن كلامه : قال : علامة الصوفي الصادق أن يفتقر بعد الغنى ، ويذل بعد العز ، ويخفى بعد الشهرة ، وعلامة الصوفي الكاذب أن يستغني بعد الفقر ، ويعز بعد الذل ، ويشتهر بعد الخفاء .
قال إبراهيم بن علي المريدي : سمعت أبا حمزة يقول : من المحال أن تحبه ثم لا تذكره ، وأن تذكره ثم لا يوجدك طعم ذكره ، ويشغلك بغيره .
قلت : ولأبي حمزة انحراف وشطح له تأويل .
ففي " الحلية " : عن عبد الواحد بن بكر ، حدثنا محمد بن عبد العزيز ، سمعت أبا عبد الله الرملي يقول : تكلم أبو حمزة في جامع طرسوس ، فقبلوه ، فصاح غراب ، فزعق أبو حمزة : لبيك لبيك ، فنسبوه إلى الزندقة ، وقالوا : حلولي . وشهدوا عليه ، وطرد ، وبيع فرسه بالمناداة على باب الجامع : [ ص: 167 ] هذا فرس الزنديق .
قال أبو نصر السراج صاحب " اللمع " : بلغني أنه دخل على الحارث المحاسبي ، فصاحت شاة : ماع . فشهق ، وقال : لبيك لبيك يا سيدي . فغضب الحارث ، وأخذ السكين ، وقال : إن لم تتب أذبحك .
أبو نعيم : حدثنا أحمد بن محمد بن مقسم ، حدثنا أبو بدر الخياط سمعت أبا حمزة قال : بينا أنا أسير ، وقد غلبني النوم ، إذ وقعت في بئر ، فلم أقدر أطلع لعمقها . فبينا أنا جالس إذ وقف على رأسها رجلان ، فقال أحدهما : نجوز ونترك هذه في طريق السابلة ؟ قال : فما نصنع ؟ قال : نطمها . فهممت أن أقول : أنا فيها ، فتوقرت تتوكل علينا وتشكو بلاءنا إلى سوانا . فسكت ، فمضيا ، ورجعا بشيء جعلاه على رأس البئر غطوها به ، فقالت لي نفسي : أمنت طمها ، ولكن حصلت مسجونا فيها . فمكثت يومي وليلتي ، فلما كان من الغد ، ناداني شيء ، يهتف بي ولا أراه : تمسك بي شديدا ، فمددت يدي ، فوقعت على شيء خشن ، فتمسكت به ، فعلا ، وطرحني ، فتأملت فوق الأرض فإذا هو سبع ، فلما رأيته لحقني شيء ، فهتف بي هاتف : يا أبا حمزة ! استنقذناك من البلاء بالبلاء . وكفيناك ما تخاف بما تخاف . [ ص: 168 ]
وقيل : إن أبا حمزة تكلم يوما على كرسيه ببغداد ، وكان يذكر الناس ، فتغير عليه حاله وتواجد فسقط عن كرسيه ، فمات بعد أيام .
نقل الخطيب وفاته في سنة تسع وستين ومائتين .
وأما السلمي فقال : توفي سنة تسع وثمانين ومائتين .
قلت : تصحفت واحدة بالأخرى ، والصواب : ستين لا ثمانين .
وكذا ورخه ابن الأعرابي ، وقال : جاء من طرسوس ، فاجتمعوا عليه ببغداد ، وما زال مقبولا ، حضر جنازته أهل العلم والنسك ، وغسله جماعة من بني هاشم ، وقدم الجنيد في الصلاة عليه ، فامتنع ، فتقدم ولده ، وكنت بائتا في مسجده ليلة موته ، فأخبرت أنه كان يتلو حزبه ، حتى ختم تلك الليلة . وكان صاحب ليل ، مقدما في علم القرآن ، وخاصة في قراءة أبي عمرو ، وحملها عنه جماعة .
وكان سبب علته أن الناس كثروا ، فأتي بكرسي ، فجلس ، ومر في كلامه شيء أعجبه ، فردده وأغمي عليه ، فسقط ، وقد كان هذا يصيبه كثيرا ، فانصرف بين اثنين يوم الجمعة ، فتعلل ، ودفن في الجمعة الثانية بعد الصلاة ، وهو أول من تكلم في صفاء الذكر ، وجمع الهم والمحبة ، والشوق ، والقرب والأنس على رءوس الناس ، وهو مولى لعيسى بن أبان القاضي ، وقد سمعته غير مرة يقول : قال لي : يا صوفي! ما تقول في هذه المسألة . أحمد بن حنبل