[ ص: 43 ] المقتدر
الخليفة المقتدر بالله أبو الفضل جعفر بن المعتضد بالله أحمد بن أبي أحمد طلحة بن المتوكل على الله الهاشمي العباسي البغدادي .
بويع بعد أخيه
المكتفي في سنة خمس وتسعين ومائتين ، وهو ابن ثلاث عشرة سنة ، وما ولي أحد قبله أصغر منه وانخرم نظام الإمامة في أيامه ، وصغر منصب الخلافة ، وقد خلع في أوائل دولته ، وبايعوا
ابن المعتز ، ثم لم يتم ذلك ; وقتل ابن المعتز وجماعة ، ثم إنه خلع ثانيا في سنة سبع عشرة ، وبذل خطه بعزل نفسه ، وبايعوا أخاه
القاهر ، ثم بعد ثلاث أعيد
المقتدر ، ثم في المرة الثالثة قتل .
وكان ربعة ، مليح الوجه ، أبيض بحمرة ، نزل الشيب بعارضيه ، وعاش ثمانيا وثلاثين سنة .
قال
أبو علي التنوخي : كان جيد العقل ، صحيح الرأي ، ولكنه كان مؤثرا للشهوات ; لقد سمعت
علي بن عيسى الوزير يقول : ما هو إلا أن يترك هذا الرجل -يعني
المقتدر- النبيذ خمسة أيام ، فكان ربما يكون في أصالة الرأي
كالمأمون والمعتضد .
قلت : كان منهوما باللعب ، والجواري ، لا يلتفت إلى أعباء الأمور ،
[ ص: 44 ] فدخل عليه الداخل ، ووهن دسته ، وفارقه
مؤنس الخادم مغاضبا إلى
الموصل وتملكها ، وهزم عسكرها في صفر سنة عشرين . ووصلت
القرامطة إلى
الكوفة ، فهرب أهلها ، ودخلت
الديلم ، فاستباحوا
الدينور ، ووصل أهلها فرفعوا المصاحف على القصب ، وضجوا يوم الأضحى من سنة تسع عشرة وأقبلت جيوش
الروم وبدعوا وأسروا .
ثم تجهز
نسيم الخادم في عشرة آلاف فارس ، وعشرة آلاف راجل ، حتى بلغوا
عمورية ، فقتلوا وسبوا ، وتم
ببغداد الوباء الكبير ، والقحط حتى سود الشرفاء وجوههم ، وصاحوا : الجوع الجوع . وقطع الجلب عنهم
مؤنس والقرامطة .
ولم يحج أحد ، وتسلل الجيش إلى
مؤنس ، فتهيأ لقصد
المقتدر ، فبرز
المقتدر ، وتخاذل جنده ، فركب وبيده القضيب ، وعليه البرد النبوي ، والمصاحف حوله ، والقراء . وخلفه
الوزير الفضل بن الفرات ، فالتحم القتال ، وصار
المقتدر في الوسط ، فانكشف جمعه ، فيرميه بربري بحربة من خلفه ، فسقط وحز رأسه ، ورفع على قناة ، ثم سلب ثم طمر في موضعه ، وعفي أثره كأن لم يكن ، لثلاث بقين من شوال سنة عشرين وثلاثمائة .
وكان سمحا متلافا للأموال ، محق ما لا يعد ولا يحصى . ومات صافي وتفرد
مؤنس بأعباء الأمور .
[ ص: 45 ] قال
محمد بن يوسف القاضي : لما تم أمر
المقتدر استصباه
الوزير العباس ، وخاض الناس في صغره ، فعمل الوزير على خلعه ، وإقامة أخيه
محمد ثم إن
محمدا وصاحب الشرطة تنازعا في مجلس الوزير ، فاشتط صاحب الشرطة فاغتاظ
محمد كثيرا ، ففلج لوقته ، ومات بعد أيام ، ثم اتفق جماعة على تولية
ابن المعتز ، فأجابهم بشرط أن لا يسفك دم .
وكان رأسهم
محمد بن داود بن الجراح ،
وأبو المثنى أحمد بن يعقوب القاضي والحسين بن حمدان ، واتفقوا على الفتك
بالمقتدر ، ووزيره ،
وفاتك .
ففي العشرين من ربيع الأول سنة ست ركب الملأ ، فشد
الحسين على الوزير فقتله ، فأنكر
فاتك ، فعطف عليه
الحسين فقتله ، وساق إلى
المقتدر ، وهو يلعب بالصوالجة فسمع الضجة فدخل الدار ، فرد
ابن حمدان إلى المخرم فنزل بدار
سليمان بن وهب ، وأتى
ابن المعتز ، وحضر الأمراء والقضاة سوى حاشية
المقتدر وابن الفرات ، وبايعوا
عبد الله بن المعتز ، ولقبوه
الغالب بالله فوزر
ابن الجراح ونفذت الكتب ،
[ ص: 46 ] وبعثوا إلى
المقتدر ليتحول من دار الخلافة ، فأجاب ، ولم يبق معه سوى غريب خاله ،
ومؤنس الخازن ،
وباكر بن حمدان وطائفة ، وأحاطوا بالدار ثم اقتتلوا . فذهب
ابن حمدان إلى
الموصل ، واستظهر خواص
المقتدر ، وخارت قوى
ابن المعتز وأصحابه ، وانهزموا نحو سامرا .
ثم نزل
ابن المعتز عن فرسه ، وأغمد سيفه ، واختفى وزيره ، وقاضيه ، ونهبت دورهما .
وقتل
المقتدر جماعة من الأعيان ، ووزر له
أبو الحسن علي بن الفرات ، وأخذ
ابن المعتز ، فقتل سرا ، وصودر
ابن الجصاص فقيل : أخذ منه أزيد من ستة آلاف ألف دينار . وتضعضع حاله .
وساس
ابن الفرات الأمور وتمكن ، وانصلح أمر الرعية ، والتقى
الحسين بن حمدان وأخوه
أبو الهيجاء عبد الله ، فانكسر
أبو الهيجاء ، وقدم أخوهما
إبراهيم فأصلح حال
الحسين ، وكتب له
المقتدر أمانا وقدم فقلد
قم وقاشان .
وقدم صاحب أفريقية
زيادة الله الأغلبي وأخذها منه
الشيعي وبويع
المهدي بالمغرب ، وظهر أمره وعدل ، وتحبب إلى الرعية أولا ، ووقع بينه وبين داعييه الأخوين فوقع بينهما القتال ، وعظم الخطب ، وقتل
[ ص: 47 ] خلق ، حتى ظفر بهما وقتلهما وتمكن وبنى
المهدية .
وقدم
الحسين بن حمدان من
قم فولي
ديار بكر .
وفي سنة 299 ، أمسك
الوزير بن الفرات ، وادعى عليه أنه كاتب الأعراب أن يكبسوا
بغداد ، ووزر
أبو علي الخاقاني ووردت هدايا من
مصر منها : خمسمائة ألف دينار ، وضلع آدمي عرضه شبر ، وطوله أربعة عشر شبرا ، وتيس له بز يدر اللبن ، وقدمت هدايا صاحب
ما وراء النهر ، وهدايا
ابن أبي الساج منها : بساط رومي ، طوله سبعون ذراعا في ستين . نسجه الصناع في عشر سنين .
وفي سنة ثلاثمائة عظم الوباء
بالعراق ، ووزر
علي بن عيسى بن الجراح وولي القضاء
أبو عمر القاضي ، وفيها ضرب
الحلاج ، ونودي عليه : هذا أحد دعاة
القرامطة ثم سجن مدة ، وظهر عنه أنه حلولي .
وقلد جميع
المغرب ولد
المقتدر صغير له أربع سنين ، فاستناب
nindex.php?page=showalam&ids=16864مؤنسا الخادم .
[ ص: 48 ] وفي سنة إحدى وثلاثمائة أقبل
ابن المهدي صاحب
المغرب في أربعين ألفا برا وبحرا ليملك
مصر ، ووقع القتال غير مرة ، واستولى
العبيدي على
الإسكندرية ، ثم رجع إلى
برقة ومات
الراسبي أمير فارس فخلف ألف فرس ، وألف جمل ، وألف ألف دينار .
وفي سنة اثنتين وثلاثمائة أقبل
العبيدي ، فالتقاه جيش الخليفة فانكسر
العبيدي وقتل مقدم جيشه حباسة وغرم الخليفة على ختان أولاده الخمسة ستمائة ألف دينار .
وقلد
المقتدر الجزيرة أبا الهيجاء بن حمدان ، وأخذت
طيئ ركب
العراق ، وهلك الخلق جوعا وعطشا .
وفي سنة 303 راسل
الوزير ابن الجراح القرامطة ، وأطلق لهم ، وتألفهم وكان الجيش مشغولين مع
مؤنس بحرب
البربر ، فنزع الطاعة
الحسين بن حمدان فسار لحربه
رائق ، فكسره
ابن حمدان ، ثم أقبل
مؤنس فالتقى
الحسين ، فأسره ، وأدخل
بغداد على جمل ثم غزا
مؤنس بلاد
الروم ، وافتتح حصونا ، وعظم شأنه .
[ ص: 49 ] وفي سنة أربع عزل
ابن الجراح من الوزارة ، وخرج
بأذربيجان يوسف بن أبي الساج ، فأسره
مؤنس بعد حروب .
وفي سنة خمس قدمت رسل طاغية
الروم يطلب الهدنة ، فزينت دور الخلافة ، وعرض
المقتدر جيوشه ملبسين ، فكانوا مائة وستين ألفا ، وكان الخدام سبعة آلاف ، والحجاب سبعمائة ، والستور ثمانية وثلاثين ألف ستر ، ومائة أسد مسلسلة ، وفي الدهاليز عشرة آلاف جوشن مذهبة .
وفي سنة ست فتح مارستان
أم المقتدر ، أنفق عليه سبعمائة ألف دينار وذبح
الحسين بن حمدان في الحبس ، وأطلق أخوه
أبو الهيجاء ، وكان قد أعيد إلى الوزارة
ابن الفرات ، فقبض عليه ، ووزر
حامد بن العباس ، فقدم من
واسط وخلفه أربعمائة مملوك في السلاح . وولي نظر
مصر والشام المادرائي ، وقرر عليه خراجهما في السنة سوى رزق الجند ثلاثة آلاف ألف دينار ، واستقل بالأمر والنهي السيدة
أم المقتدر ، وأمرت
القهرمانة ثمل أن تجلس بدار العدل وتنظر في القصص ، فكانت تجلس ، ويحضر القضاة والأعيان ، وتوقع
ثمل على المراسم .
وفي سنة سبع ولى
المقتدر نازوك إمرة
دمشق ، ودخلت
القرامطة [ ص: 50 ] البصرة ، فقتلوا وسبوا وأخذ
القائم العبيدي الإسكندرية ثانيا ، ومرض ووقع الوباء في جنده .
وتجمع في سنة ثمان من الغوغاء
ببغداد عشرة آلاف ، وفتحوا السجون ، وقاتلوا الوزير وولاة الأمور ، ودام القتال أياما ، وقتل عدة ، ونهبت أموال الناس ، واختلت أحوال الخلافة جدا ، ومحقت بيوت الأموال .
واشتد البلاء
بالبربر ، وكادوا أن يملكوا إقليم
مصر ، وضج الخلق بالبكاء ، ثم هزمهم المسلمون ، وسار
ثمل الخادم من
طرسوس في البحر ، فأخذ
الإسكندرية من
البربر .
وفي سنة تسع قتل
الحلاج على الزندقة .
وفي سنة 311 عزل
حامد وأهلك ، ووزر
ابن الفرات الوزارة الثالثة .
وأخذت في سنة 312
القرامطة ركب
العراق ، وكان فيمن أسروا
أبو الهيجاء بن حمدان ، وعم السيدة والدة الخليفة ثم إن
[ ص: 51 ] المقتدر سلم
ابن الفرات إلى
مؤنس فصادره وأهلكه ، وكان جبارا ظالما وافتتح عسكر
خراسان فرغانة .
وفي سنة 313 نهب
القرمطي الكوفة ، وعزل
الخاقاني من الوزارة
بأحمد بن الخصيب .
وفي سنة 314 استباحت الروم
ملطية بالسيف ، وقبض على
أحمد بن الخصيب ، ووزر
علي بن عيسى وأخذت
الروم سميساط ، وجرت وقعة كبيرة بين
القرامطة والعسكر ، وأسرت
القرامطة قائد العسكر
يوسف بن أبي الساج ، ثم أقبل
أبو طاهر القرمطي في ألف فارس وسبعمائة راجل ، وقارب
بغداد ، وكاد أن يملك ، وضج الخلق بالدعاء ، وقطعت الجسور مع أن عسكر
بغداد كانوا أربعين ألفا ، وفيهم
مؤنس ،
وأبو الهيجاء بن حمدان وإخوته ، وقرب
القرمطي حتى بقي بينه وبين البلد فرسخان ، ثم أقبل وحاذى العسكر ، ونزل عبد يجس المخائض ، فبقي كالقنفد من النشاب ، وأقامت
القرامطة يومين ، وترحلوا نحو
الأنبار ، فما جسر العسكر أن يتبعوهم ، فانظر إلى هذا الخذلان .
قال
ثابت بن سنان : انهزم معظم عسكر
المقتدر إلى
بغداد قبل المعاينة لشدة رعبهم ، ونازل
القرمطي هيت مدة فرد إلى البرية .
[ ص: 52 ] وفي سنة 316 دخل
أبو طاهر القرمطي الرحبة بالسيف ، ثم قصد
الرقة ، وبدع وعمل العظائم ، واستعفى
علي بن عيسى من الوزارة ، فوزر
أبو علي بن مقلة وبنى
القرمطي دارا سماها دار الهجرة وكثر أتباعه ، وكاتبه
المهدي من
المغرب ، فدعا إليه ، وتفاقم البلاء وأقبل الدمستق في ثلاثمائة ألف من
الروم ، فقصد
أرمينية فقتل وسبى ، واستولى على خلاط .
وفي سنة 317 جرت خبطة
ببغداد ، واقتتل الجيش ، وتم ما لا يوصف ، وهموا بعزل
المقتدر ، واتفق على ذلك
مؤنس وأبو الهيجاء ونازوك ، وأتوا دار الخلافة ، فهرب الحاجب ، والوزير
ابن مقلة ، فأخرج
المقتدر وأمه وخالته وحرمه إلى دار
مؤنس ، فأحضروا
محمد بن المعتضد من الحريم -وكان محبوسا- وبايعوه ، ولقبوه بالقاهر .
وأشهد
المقتدر على نفسه بالخلع ، وجلس
القاهر في دست الخلافة ، وكتب إلى الأمصار ، ثم طلب الجيش رسم البيعة ، ورزق سنة ، وارتفعت الضجة ، وهجموا فقتلوا
نازوك والخادم عجيبا ، وصاحوا :
المقتدر يا
منصور فهرب الوزير والحجاب ، وصار الجند إلى دار
مؤنس ، وطلبوا
المقتدر ليعيدوه .
وأراد
أبو [ ص: 53 ] الهيجاء الخروج فتعلق به
القاهر ، وقال : تسلمني ؟ فأخذته الحمية ، وقال : لا والله . ودخلا الفردوس ، وخرجا إلى الرحبة . وذهب
أبو الهيجاء على فرسه ، فوجد
نازوك قتيلا ، وسدت المسالك عليه وعلى
القاهر ، وأقبلت خواص
المقتدر في السلاح ، فدخل
أبو الهيجاء كالجمل ، ثم صاح : يال يخلت ، أأقتل بين الحيطان ؟ أين الكميت ؟ أين الدهماء ؟ فرموه بسهم في ثديه ، وبآخر في ترقوته ، فنزع منه الأسهم ، وقتل واحدا منهم ، ثم قتلوه .
وجيء برأسه إلى
المقتدر ، فتأسف عليه ، وجيء إليه
بالقاهر فقبله ، وقال : يا أخي ، أنت -والله- لا ذنب لك ، وهو يبكي ويقول : الله في دمي يا أمير المؤمنين .
وطيف برأس
نازوك وأبي الهيجاء ، ثم أتى
مؤنس والقواد والقضاة وبايعوا
المقتدر ، وأنفق في الجند مالا عظيما .
وحج الناس فأقبل
أبو طاهر القرمطي ، ووضع السيف بالحرم في الوفد ، واقتلع
الحجر الأسود -وكان في سبعمائة راكب- فقتلوا في المسجد أزيد من ألف ، ولم يقف أحد بعرفة ، وصاح قرمطي : يا حمير ، أنتم قلتم :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=97ومن دخله كان آمنا فأين الأمن ؟
وأما
الروم فعاثوا في الثغور ، وفعلوا العظائم ، وبذل لهم المسلمون الإتاوة .
ووزر في سنة ثمان عشرة
للمقتدر سليمان بن الحسن ثم قبض عليه
[ ص: 54 ] في سنة تسع عشرة ، واستوزر
عبيد الله بن محمد الكلوذاني وظهر
مرداويج في
الديلم ، وملكوا الجبل بأسره إلى
حلوان ، وهزموا العساكر ثم عزل
الكلوذاني بالحسين بن القاسم بن عبيد الله وقلت الأموال على
المقتدر ، وفسد ما بينه وبين
مؤنس ، فذهب مغاضبا إلى الموصل وقبض الوزير على أمواله ، وهزم
مؤنس بني حمدان ، وتملك
الموصل في سنة عشرين وثلاثمائة والتقى والي
طرسوس الروم ، فهزمهم أولا ، ثم هزموه .
وفي سنة عشرين وثلاثمائة عزل الوزير
الحسين بأبي الفتح بن الفرات ، ولاطف
المقتدر الديلم ، وبعث بولاية
أذربيجان وأرمينية والعجم إلى
مرداويج وتسحب أمراء إلى
مؤنس ، وخاف
المقتدر ، وتهيأ للحرب ، فأقبل
مؤنس في جمع كبير .
وقيل
للمقتدر : إن جندك لا يقاتلون إلا بالمال ، وطلب منه مائتا ألف دينار ، فتهيأ للمضي إلى
واسط ، فقيل له : اتق الله ، ولا تسلم
بغداد بلا حرب ، فتجلد وركب في الأمراء والخاصة والقراء ، والمصاحف منشورة ، فشق
بغداد ، وخرج إلى الشماسية ، والخلق يدعون له . وأقبل
مؤنس ، والتحم الحرب ، ووقف
المقتدر على تل ، فألحوا عليه بالتقدم لينصح جمعه في القتال فاستدرجوه حتى توسط ،
[ ص: 55 ] وهو في طائفة قليلة ، فانكشف جمعه فيرميه بربري فسقط فذبح ، ورفع رأسه على رمح وسلبوه ، فسترت عورته بحشيش ، ثم طم وعفي أثره .
ونقل
الصولي أن قاتله غلام
لبليق كان من الأبطال ، تعجب الناس منه مما عمل يومئذ من فنون الفروسية ، ثم شد على
المقتدر بحربته أنفذها فيه ، فصاح الناس عليه ، فساق نحو دار الخلافة ليخرج
القاهر ، فصادفه حمل شوك ، فزحمته إلى قنار لحام ، فعلقه كلاب ، وخرج من تحته فرسه في مشواره ، فحطه الناس وأحرقوه بحمل الشوك .
وقيل : كان في دار
المقتدر أحد عشر ألف غلام خصيان غير
الصقالبة والروم ، وكان مبذرا للخزائن حتى احتاج ، وأعطى ذلك لحظاياه ، وأعطى واحدة الدرة اليتيمة التي كان زنتها ثلاثة مثاقيل ، وأخذت قهرمانة سبحة جوهر ما سمع بمثلها وفرق ستين حبا من الصيني مملوءة غالية .
قال
الصولي : كان
المقتدر يفرق يوم عرفة من الضحايا تسعين ألف رأس ، ويقال : إنه أتلف من المال ثمانين ألف ألف دينار ، عثر نفسه بيده .
[ ص: 56 ] وأولاده :
محمد الراضي ،
وإبراهيم المتقي وإسحاق ،
والمطيع فضل ،
وإسماعيل ،
وعيسى ،
وعباس ،
وطلحة .
وقال
ثابت بن سنان طبيبه : أتلف
المقتدر نيفا وسبعين ألف ألف دينار ، ولما قتل قدم رأسه إلى
مؤنس فندم وبكى ، وقال : والله لنقتلن كلنا . وهم بإقامة ولده ، ثم اتفقوا على أخيه
القاهر .
[ ص: 43 ] الْمُقْتَدِرُ
الْخَلِيفَةُ الْمُقْتَدِرُ بِاللَّهِ أَبُو الْفَضْلِ جَعْفَرُ بْنُ الْمُعْتَضِدِ بِاللَّهِ أَحْمَدَ بْنِ أَبِي أَحْمَدَ طَلْحَةَ بْنِ الْمُتَوَكِّلِ عَلَى اللَّهِ الْهَاشِمِيُّ الْعَبَّاسِيُّ الْبَغْدَادِيُّ .
بُويِعَ بَعْدَ أَخِيهِ
الْمُكْتَفِي فِي سَنَةِ خَمْسٍ وَتِسْعِينَ وَمِائَتَيْنِ ، وَهُوَ ابْنُ ثَلَاثَ عَشْرَةَ سَنَةً ، وَمَا وَلِيَ أَحَدٌ قَبْلَهُ أَصْغَرُ مِنْهُ وَانْخَرَمَ نِظَامُ الْإِمَامَةِ فِي أَيَّامِهِ ، وَصَغُرَ مَنْصِبُ الْخِلَافَةِ ، وَقَدْ خُلِعَ فِي أَوَائِلِ دَوْلَتِهِ ، وَبَايَعُوا
ابْنَ الْمُعْتَزِّ ، ثُمَّ لَمْ يَتِمَّ ذَلِكَ ; وَقُتِلَ ابْنُ الْمُعْتَزِّ وَجَمَاعَةٌ ، ثُمَّ إِنَّهُ خُلِعَ ثَانِيًا فِي سَنَةِ سَبْعَ عَشْرَةَ ، وَبَذَلَ خَطَّهُ بِعَزْلِ نَفْسِهِ ، وَبَايَعُوا أَخَاهُ
الْقَاهِرَ ، ثُمَّ بَعْدَ ثَلَاثٍ أُعِيدَ
الْمُقْتَدِرُ ، ثُمَّ فِي الْمَرَّةِ الثَّالِثَةِ قُتِلَ .
وَكَانَ رَبْعَةً ، مَلِيحَ الْوَجْهِ ، أَبْيَضَ بِحُمْرَةٍ ، نَزَلَ الشَّيْبُ بِعَارِضَيْهِ ، وَعَاشَ ثَمَانِيًا وَثَلَاثِينَ سَنَةً .
قَالَ
أَبُو عَلِيٍّ التَّنُوخِيُّ : كَانَ جَيِّدَ الْعَقْلِ ، صَحِيحَ الرَّأْيِ ، وَلَكِنَّهُ كَانَ مُؤْثِرًا لِلشَّهَوَاتِ ; لَقَدْ سَمِعْتُ
عَلِيَّ بْنَ عِيسَى الْوَزِيرَ يَقُولُ : مَا هُوَ إِلَّا أَنَّ يَتْرُكَ هَذَا الرَّجُلُ -يَعْنِي
الْمُقْتَدِرَ- النَّبِيذَ خَمْسَةَ أَيَّامٍ ، فَكَانَ رُبَّمَا يَكُونُ فِي أَصَالَةِ الرَّأْيِ
كَالْمَأْمُونِ وَالْمُعْتَضِدِ .
قُلْتُ : كَانَ مَنْهُومًا بِاللَّعِبِ ، وَالْجَوَارِي ، لَا يَلْتَفِتُ إِلَى أَعْبَاءِ الْأُمُورِ ،
[ ص: 44 ] فَدَخَلَ عَلَيْهِ الدَّاخِلُ ، وَوَهَنَ دَسْتُهُ ، وَفَارَقَهُ
مُؤْنِسٌ الْخَادِمُ مُغَاضِبًا إِلَى
الْمَوْصِلِ وَتَمَلَّكَهَا ، وَهَزَمَ عَسْكَرَهَا فِي صَفَرٍ سَنَةَ عِشْرِينَ . وَوَصَلَتِ
الْقَرَامِطَةُ إِلَى
الْكُوفَةِ ، فَهَرَبَ أَهْلُهَا ، وَدَخَلَتِ
الدَّيْلَمُ ، فَاسْتَبَاحُوا
الدِّينَوَرَ ، وَوَصَلَ أَهْلُهَا فَرَفَعُوا الْمَصَاحِفَ عَلَى الْقَصَبِ ، وَضَجُّوا يَوْمَ الْأَضْحَى مِنْ سَنَةِ تِسْعَ عَشْرَةَ وَأَقْبَلَتْ جُيُوشُ
الرُّومِ وَبَدَّعُوا وَأَسَرُوا .
ثُمَّ تَجَهَّزَ
نَسِيمٌ الْخَادِمُ فِي عَشَرَةِ آلَافِ فَارِسٍ ، وَعَشَرَةِ آلَافِ رَاجِلٍ ، حَتَّى بَلَغُوا
عَمُّورِيَةَ ، فَقَتَلُوا وَسَبَوْا ، وَتَمَّ
بِبَغْدَادَ الْوَبَاءُ الْكَبِيرُ ، وَالْقَحْطُ حَتَّى سَوَّدَ الشُّرَفَاءُ وُجُوهَهُمْ ، وَصَاحُوا : الْجُوعَ الْجُوعَ . وَقَطَعَ الْجَلْبَ عَنْهُمْ
مُؤْنِسٌ وَالْقَرَامِطَةُ .
وَلَمْ يَحُجَّ أَحَدٌ ، وَتَسَلَّلَ الْجَيْشُ إِلَى
مُؤْنِسٍ ، فَتَهَيَّأَ لِقَصْدِ
الْمُقْتَدِرِ ، فَبَرَزَ
الْمُقْتَدِرُ ، وَتَخَاذَلَ جُنْدُهُ ، فَرَكِبَ وَبِيَدِهِ الْقَضِيبُ ، وَعَلَيْهِ الْبُرْدُ النَّبَوِيُّ ، وَالْمَصَاحِفُ حَوْلَهُ ، وَالْقُرَّاءُ . وَخَلْفَهُ
الْوَزِيرُ الْفَضْلُ بْنُ الْفُرَاتِ ، فَالْتَحَمَ الْقِتَالُ ، وَصَارَ
الْمُقْتَدِرُ فِي الْوَسَطِ ، فَانْكَشَفَ جَمْعُهُ ، فَيَرْمِيهِ بَرْبَرِيٌّ بِحَرْبَةٍ مِنْ خَلْفِهِ ، فَسَقَطَ وَحُزَّ رَأْسُهُ ، وَرُفِعَ عَلَى قَنَاةٍ ، ثُمَّ سُلِبَ ثُمَّ طُمِرَ فِي مَوْضِعِهِ ، وَعُفِيَ أَثَرُهُ كَأَنْ لَمْ يَكُنْ ، لِثَلَاثٍ بَقِينَ مِنْ شَوَّالٍ سَنَةَ عِشْرِينَ وَثَلَاثِمِائَةٍ .
وَكَانَ سَمْحًا مِتْلَافًا لِلْأَمْوَالِ ، مَحَقَ مَا لَا يُعَدُّ وَلَا يُحْصَى . وَمَاتَ صَافِي وَتَفَرَّدَ
مُؤْنِسٌ بِأَعْبَاءِ الْأُمُورِ .
[ ص: 45 ] قَالَ
مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ الْقَاضِي : لَمَّا تَمَّ أَمْرُ
الْمُقْتَدِرِ اسْتَصْبَاهُ
الْوَزِيرُ الْعَبَّاسُ ، وَخَاضَ النَّاسُ فِي صِغَرِهِ ، فَعَمِلَ الْوَزِيرُ عَلَى خَلْعِهِ ، وَإِقَامَةِ أَخِيهِ
مُحَمَّدٍ ثُمَّ إِنَّ
مُحَمَّدًا وَصَاحِبَ الشُّرْطَةِ تَنَازَعَا فِي مَجْلِسِ الْوَزِيرِ ، فَاشْتَطَّ صَاحِبُ الشُّرْطَةِ فَاغْتَاظَ
مُحَمَّدٌ كَثِيرًا ، فَفُلِجَ لِوَقْتِهِ ، وَمَاتَ بَعْدَ أَيَّامٍ ، ثُمَّ اتَّفَقَ جَمَاعَةٌ عَلَى تَوْلِيَةِ
ابْنِ الْمُعْتَزِّ ، فَأَجَابَهُمْ بِشَرْطِ أَنْ لَا يُسْفَكَ دَمٌ .
وَكَانَ رَأْسَهُمْ
مُحَمَّدُ بْنُ دَاوُدَ بْنَ الْجَرَّاحِ ،
وَأَبُو الْمُثَنَّى أَحْمَدُ بْنُ يَعْقُوبَ الْقَاضِي وَالْحُسَيْنُ بْنُ حَمْدَانَ ، وَاتَّفَقُوا عَلَى الْفَتْكِ
بِالْمُقْتَدِرِ ، وَوَزِيرِهِ ،
وَفَاتِكٍ .
فَفِي الْعِشْرِينَ مِنْ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ سَنَةَ سِتٍّ رَكِبَ الْمَلَأُ ، فَشَدَّ
الْحُسَيْنُ عَلَى الْوَزِيرِ فَقَتَلَهُ ، فَأَنْكَرَ
فَاتَكٌ ، فَعَطَفَ عَلَيْهِ
الْحُسَيْنُ فَقَتَلَهُ ، وَسَاقَ إِلَى
الْمُقْتَدِرِ ، وَهُوَ يَلْعَبُ بِالصَّوَالِجَةِ فَسَمِعَ الضَّجَّةَ فَدَخَلَ الدَّارَ ، فَرُدَّ
ابْنُ حَمْدَانَ إِلَى الْمُخَرِّمِ فَنَزَلَ بِدَارِ
سُلَيْمَانَ بْنِ وَهْبٍ ، وَأَتَى
ابْنُ الْمُعْتَزِّ ، وَحَضَرَ الْأُمَرَاءُ وَالْقُضَاةُ سِوَى حَاشِيَةِ
الْمُقْتَدِرِ وَابْنِ الْفُرَاتِ ، وَبَايَعُوا
عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الْمُعْتَزِّ ، وَلَقَّبُوهُ
الْغَالِبَ بِاللَّهِ فَوَزَرَ
ابْنُ الْجَرَّاحِ وَنُفِّذَتِ الْكُتُبُ ،
[ ص: 46 ] وَبَعَثُوا إِلَى
الْمُقْتَدِرِ لِيَتَحَوَّلَ مِنْ دَارِ الْخِلَافَةِ ، فَأَجَابَ ، وَلَمْ يَبْقَ مَعَهُ سِوَى غَرِيبٍ خَالِهِ ،
وَمُؤْنِسٍ الْخَازِنِ ،
وَبَاكِرِ بْنِ حَمْدَانَ وَطَائِفَةٍ ، وَأَحَاطُوا بِالدَّارِ ثُمَّ اقْتَتَلُوا . فَذَهَبَ
ابْنُ حَمْدَانَ إِلَى
الْمَوْصِلِ ، وَاسْتَظْهَرَ خَوَاصُّ
الْمُقْتَدِرِ ، وَخَارَتْ قُوَى
ابْنِ الْمُعْتَزِّ وَأَصْحَابِهِ ، وَانْهَزَمُوا نَحْوَ سَامَرَّا .
ثُمَّ نَزَلَ
ابْنُ الْمُعْتَزِّ عَنْ فَرَسِهِ ، وَأَغْمَدَ سَيْفَهُ ، وَاخْتَفَى وَزِيرُهُ ، وَقَاضِيهِ ، وَنُهِبَتْ دُورُهُمَا .
وَقَتَلَ
الْمُقْتَدِرُ جَمَاعَةً مِنَ الْأَعْيَانِ ، وَوَزَرَ لَهُ
أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ الْفُرَاتِ ، وَأُخِذَ
ابْنُ الْمُعْتَزِّ ، فَقُتِلَ سِرًّا ، وَصُودِرَ
ابْنُ الْجَصَّاصِ فَقِيلَ : أُخِذَ مِنْهُ أَزْيَدَ مِنْ سِتَّةِ آلَافِ أَلْفِ دِينَارٍ . وَتَضَعْضَعَ حَالُهُ .
وَسَاسَ
ابْنُ الْفُرَاتِ الْأُمُورَ وَتَمَكَّنَ ، وَانْصَلَحَ أَمْرُ الرَّعِيَّةِ ، وَالْتَقَى
الْحُسَيْنُ بْنُ حَمْدَانَ وَأَخُوهُ
أَبُو الْهَيْجَاءِ عَبْدُ اللَّهِ ، فَانْكَسَرَ
أَبُو الْهَيْجَاءِ ، وَقَدِمَ أَخُوهُمَا
إِبْرَاهِيمُ فَأَصْلَحَ حَالَ
الْحُسَيْنِ ، وَكَتَبَ لَهُ
الْمُقْتَدِرُ أَمَانًا وَقَدِمَ فَقُلِّدَ
قُمَّ وَقَاشَانِ .
وَقِدَمَ صَاحِبُ أَفْرِيقِيَّةَ
زِيَادَةُ اللَّهِ الْأَغْلَبِيُّ وَأَخَذَهَا مِنْهُ
الشِّيعِيُّ وَبُويِعَ
الْمَهْدِيُّ بِالْمَغْرِبِ ، وَظَهَرَ أَمْرُهُ وَعَدَلَ ، وَتَحَبَّبَ إِلَى الرَّعِيَّةِ أَوَّلًا ، وَوَقَعَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ دَاعِيَيْهِ الْأَخَوَيْنِ فَوَقَعَ بَيْنَهُمَا الْقِتَالُ ، وَعَظُمَ الْخَطْبُ ، وَقُتِلَ
[ ص: 47 ] خَلْقٌ ، حَتَّى ظَفِرَ بِهِمَا وَقَتَلَهُمَا وَتَمَكَّنَ وَبَنَى
الْمَهْدِيَّةَ .
وَقَدِمَ
الْحُسَيْنُ بْنُ حَمْدَانَ مِنْ
قُمَّ فَوَلِيَ
دِيَارَ بَكْرٍ .
وَفِي سَنَةِ 299 ، أَمْسَكَ
الْوَزِيرَ بْنَ الْفُرَاتِ ، وَادَّعَى عَلَيْهِ أَنَّهُ كَاتَبَ الْأَعْرَابَ أَنْ يَكْبِسُوا
بَغْدَادَ ، وَوَزِرَ
أَبُو عَلِيٍّ الْخَاقَانِيُّ وَوَرَدَتْ هَدَايَا مِنْ
مِصْرَ مِنْهَا : خَمْسُمِائَةِ أَلْفِ دِينَارٍ ، وَضِلَعُ آدَمِيٍّ عَرْضُهُ شِبْرٌ ، وَطُولُهُ أَرْبَعَةَ عَشَرَ شِبْرًا ، وَتَيْسٌ لَهُ بِزٌّ يَدُرُّ اللَّبَنَ ، وَقَدِمَتْ هَدَايَا صَاحِبِ
مَا وَرَاءَ النَّهْرِ ، وَهَدَايَا
ابْنِ أَبِي السَّاجِ مِنْهَا : بِسَاطٌ رُومِيٌّ ، طُولُهُ سَبْعُونَ ذِرَاعًا فِي سِتِّينَ . نَسَجَهُ الصُّنَّاعُ فِي عَشْرِ سِنِينَ .
وَفِي سَنَةِ ثَلَاثِمِائَةٍ عَظُمَ الْوَبَاءُ
بِالْعِرَاقِ ، وَوَزَرَ
عَلِيُّ بْنُ عِيسَى بْنِ الْجَرَّاحِ وَوَلِيَ الْقَضَاءَ
أَبُو عُمَرَ الْقَاضِي ، وَفِيهَا ضُرِبَ
الْحَلَّاجُ ، وَنُودِيَ عَلَيْهِ : هَذَا أَحَدُ دُعَاةِ
الْقَرَامِطَةَ ثُمَّ سُجِنَ مُدَّةً ، وَظَهَرَ عَنْهُ أَنَّهُ حُلُولِيٌّ .
وَقُلِّدَ جَمِيعَ
الْمَغْرِبِ وَلَدُ
الْمُقْتَدِرِ صَغِيرٌ لَهُ أَرْبَعُ سِنِينَ ، فَاسْتَنَابَ
nindex.php?page=showalam&ids=16864مُؤْنِسًا الْخَادِمَ .
[ ص: 48 ] وَفِي سَنَةِ إِحْدَى وَثَلَاثِمِائَةٍ أَقْبَلَ
ابْنُ الْمَهْدِيِّ صَاحِبُ
الْمَغْرِبِ فِي أَرْبَعِينَ أَلْفًا بَرًّا وَبَحْرًا لِيَمْلِكَ
مِصْرَ ، وَوَقَعَ الْقِتَالُ غَيْرَ مَرَّةٍ ، وَاسْتَوْلَى
الْعُبَيْدِيُّ عَلَى
الْإِسْكَنْدَرِيَّةِ ، ثُمَّ رَجَعَ إِلَى
بَرْقَةَ وَمَاتَ
الرَّاسِبِيُّ أَمِيُرُ فَارِسَ فَخَلَّفَ أَلْفَ فَرَسٍ ، وَأَلْفَ جَمَلٍ ، وَأَلْفَ أَلْفِ دِينَارٍ .
وَفِي سَنَةِ اثْنَتَيْنِ وَثَلَاثِمِائَةٍ أَقْبَلَ
الْعُبَيْدِيُّ ، فَالْتَقَاهُ جَيْشُ الْخَلِيفَةِ فَانْكَسَرَ
الْعُبَيْدِيُّ وَقُتِلَ مُقَدَّمُ جَيْشِهِ حَبَاسَةُ وَغَرِمَ الْخَلِيفَةُ عَلَى خِتَانِ أَوْلَادِهِ الْخَمْسَةِ سِتَّمِائَةِ أَلْفِ دِينَارٍ .
وَقَلَّدَ
الْمُقْتَدِرُ الْجَزِيرَةَ أَبَا الْهَيْجَاءِ بْنَ حَمْدَانَ ، وَأَخَذَتْ
طَيِّئُ رَكْبَ
الْعِرَاقِ ، وَهَلَكَ الْخَلْقُ جُوعًا وَعَطَشًا .
وَفِي سَنَةِ 303 رَاسَلَ
الْوَزِيرُ ابْنُ الْجَرَّاحِ الْقَرَامِطَةَ ، وَأَطْلَقَ لَهُمْ ، وَتَأَلَّفَهُمْ وَكَانَ الْجَيْشُ مَشْغُولِينَ مَعَ
مُؤْنِسٍ بِحَرْبِ
الْبَرْبَرِ ، فَنَزَعَ الطَّاعَةَ
الْحُسَيْنُ بْنُ حَمْدَانَ فَسَارَ لِحَرْبِهِ
رَائِقٌ ، فَكَسَرَهُ
ابْنُ حَمْدَانَ ، ثُمَّ أَقْبَلَ
مُؤْنِسٌ فَالْتَقَى
الْحُسَيْنَ ، فَأَسَرَهُ ، وَأُدْخِلُ
بَغْدَادَ عَلَى جَمَلٍ ثُمَّ غَزَا
مُؤْنِسٌ بِلَادَ
الرُّومِ ، وَافْتَتَحَ حُصُونًا ، وَعَظُمَ شَأْنُهُ .
[ ص: 49 ] وَفِي سَنَةِ أَرْبَعٍ عُزِلَ
ابْنُ الْجَرَّاحِ مِنَ الْوِزَارَةِ ، وَخَرَجَ
بِأَذْرَبِيجَانَ يُوسُفُ بْنُ أَبِي السَّاجِ ، فَأَسَرَهُ
مُؤْنِسٌ بَعْدَ حُرُوبٍ .
وَفِي سَنَةِ خَمْسٍ قَدِمَتْ رُسُلُ طَاغِيَةِ
الرُّومِ يَطْلُبُ الْهُدْنَةَ ، فَزُيِّنَتْ دُورُ الْخِلَافَةِ ، وَعَرَضَ
الْمُقْتَدِرُ جُيُوشَهُ مُلْبَسِينَ ، فَكَانُوا مِائَةً وَسِتِّينَ أَلْفًا ، وَكَانَ الْخُدَّامُ سَبْعَةَ آلَافٍ ، وَالْحُجَّابُ سَبْعَمِائَةٍ ، وَالسُّتُورُ ثَمَانِيَةً وَثَلَاثِينَ أَلْفَ سِتْرٍ ، وَمِائَةُ أَسَدٍ مُسَلْسَلَةٌ ، وَفِي الدَّهَالِيزِ عَشَرَةُ آلَافِ جَوْشَنٍ مُذْهَبَةٌ .
وَفِي سَنَةِ سِتٍّ فُتِحَ مَارَسْتَانُ
أُمِّ الْمُقْتَدِرِ ، أَنْفَقَ عَلَيْهِ سَبْعَمِائَةِ أَلْفِ دِينَارٍ وَذُبِحَ
الْحُسَيْنُ بْنُ حَمْدَانَ فِي الْحَبْسِ ، وَأُطْلِقَ أَخُوهُ
أَبُو الْهَيْجَاءِ ، وَكَانَ قَدْ أُعِيدَ إِلَى الْوِزَارَةِ
ابْنُ الْفُرَاتِ ، فَقُبِضَ عَلَيْهِ ، وَوَزَرَ
حَامِدُ بْنُ الْعَبَّاسِ ، فَقَدِمَ مِنْ
وَاسِطَ وَخَلْفَهُ أَرْبَعُمِائَةِ مَمْلُوكٍ فِي السِّلَاحِ . وَوَلِيَ نَظَرَ
مِصْرَ وَالشَّامَ الْمَادَرَائِيُّ ، وَقُرِّرَ عَلَيْهِ خَرَاجُهُمَا فِي السَّنَةِ سِوَى رِزْقِ الْجُنْدِ ثَلَاثَةَ آلَافِ أَلْفِ دِينَارٍ ، وَاسْتَقَلَّ بِالْأَمْرِ وَالنَّهْيِ السَّيِّدَةُ
أُمُّ الْمُقْتَدِرِ ، وَأَمَرَتِ
الْقَهْرَمَانَةُ ثَمْلَ أَنْ تَجْلِسَ بِدَارِ الْعَدْلِ وَتَنْظُرَ فِي الْقِصَصِ ، فَكَانَتْ تَجْلِسُ ، وَيَحْضُرُ الْقُضَاةُ وَالْأَعْيَانُ ، وَتُوَقِّعُ
ثَمْلُ عَلَى الْمَرَاسِمِ .
وَفِي سَنَةِ سَبْعٍ وَلَّى
الْمُقْتَدِرُ نَازُوكَ إِمْرَةَ
دِمَشْقَ ، وَدَخَلَتِ
الْقَرَامِطَةُ [ ص: 50 ] الْبَصْرَةَ ، فَقَتَلُوا وَسَبَوْا وَأَخَذَ
الْقَائِمُ الْعُبَيْدِيُّ الْإِسْكَنْدَرِيَّةَ ثَانِيًا ، وَمَرِضَ وَوَقَعَ الْوَبَاءُ فِي جُنْدِهِ .
وَتَجَمَّعَ فِي سَنَةِ ثَمَانٍ مِنَ الْغَوْغَاءِ
بِبَغْدَادَ عَشَرَةُ آلَافٍ ، وَفَتَحُوا السُّجُونَ ، وَقَاتَلُوا الْوَزِيرَ وَوُلَاةَ الْأُمُورِ ، وَدَامَ الْقِتَالُ أَيَّامًا ، وَقُتِلَ عِدَّةٌ ، وَنُهِبَتْ أَمْوَالُ النَّاسِ ، وَاخْتَلَّتْ أَحْوَالُ الْخِلَافَةِ جِدًّا ، وَمُحِقَتْ بُيُوتُ الْأَمْوَالِ .
وَاشْتَدَّ الْبَلَاءُ
بِالْبَرْبَرِ ، وَكَادُوا أَنْ يَمْلِكُوا إِقْلِيمَ
مِصْرَ ، وَضَجَّ الْخَلْقُ بِالْبُكَاءِ ، ثُمَّ هَزَمَهُمُ الْمُسْلِمُونَ ، وَسَارَ
ثَمْلٌ الْخَادِمِ مِنْ
طَرَسُوسَ فِي الْبَحْرِ ، فَأَخَذَ
الْإِسْكَنْدَرِيَّةَ مِنَ
الْبَرْبَرِ .
وَفِي سَنَةِ تِسْعٍ قُتِلَ
الْحَلَّاجُ عَلَى الزَّنْدَقَةِ .
وَفِي سَنَةِ 311 عُزِلَ
حَامِدٌ وَأُهْلِكَ ، وَوَزَرَ
ابْنُ الْفُرَاتِ الْوِزَارَةَ الثَّالِثَةَ .
وَأَخَذَتْ فِي سَنَةِ 312
الْقَرَامِطَةُ رَكْبَ
الْعِرَاقِ ، وَكَانَ فِيمَنْ أُسِرُوا
أَبُو الْهَيْجَاءِ بْنُ حَمْدَانَ ، وَعَمُّ السَّيِّدَةِ وَالِدَةِ الْخَلِيفَةِ ثُمَّ إِنَّ
[ ص: 51 ] الْمُقْتَدِرَ سَلَّمَ
ابْنَ الْفُرَاتِ إِلَى
مُؤْنِسٍ فَصَادَرَهُ وَأَهْلَكَهُ ، وَكَانَ جَبَّارًا ظَالِمًا وَافْتَتَحَ عَسْكَرُ
خُرَاسَانَ فَرْغَانَةَ .
وَفِي سَنَةِ 313 نَهَبَ
الْقِرْمِطِيُّ الْكُوفَةَ ، وَعُزِلَ
الْخَاقَانِيُّ مِنَ الْوِزَارَةِ
بِأَحْمَدَ بْنِ الْخَصِيبِ .
وَفِي سَنَةِ 314 اسْتَبَاحَتِ الرُّومُ
مَلْطِيَةَ بِالسَّيْفِ ، وَقُبِضَ عَلَى
أَحْمَدَ بْنِ الْخَصِيبِ ، وَوَزَرَ
عَلِيُّ بْنُ عِيسَى وَأَخَذَتِ
الرُّومُ سُمَيْسَاطَ ، وَجَرَتْ وَقْعَةٌ كَبِيرَةٌ بَيْنَ
الْقَرَامِطَةِ وَالْعَسْكَرِ ، وَأَسَرَتِ
الْقَرَامِطَةُ قَائِدَ الْعَسْكَرِ
يُوسُفَ بْنَ أَبِي السَّاجِ ، ثُمَّ أَقْبَلَ
أَبُو طَاهِرٍ الْقِرْمِطِيُّ فِي أَلْفِ فَارِسٍ وَسَبْعِمِائَةِ رَاجِلٍ ، وَقَارَبَ
بَغْدَادَ ، وَكَادَ أَنْ يَمْلِكَ ، وَضَجَّ الْخَلْقُ بِالدُّعَاءِ ، وَقُطِعَتِ الْجُسُورُ مَعَ أَنَّ عَسْكَرَ
بَغْدَادَ كَانُوا أَرْبَعِينَ أَلْفًا ، وَفِيهِمْ
مُؤْنِسٌ ،
وَأَبُو الْهَيْجَاءِ بْنُ حَمْدَانَ وَإِخْوَتُهُ ، وَقَرُبَ
الْقِرْمِطِيُّ حَتَّى بَقِيَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْبَلَدِ فَرْسَخَانِ ، ثُمَّ أَقْبَلَ وَحَاذَى الْعَسْكَرَ ، وَنَزَلَ عَبْدٌ يَجُسُّ الْمَخَائِضَ ، فَبَقِيَ كَالقُنْفُدِ مِنَ النُّشَّابِ ، وَأَقَامَتِ
الْقَرَامِطَةُ يَوْمَيْنِ ، وَتَرَحَّلُوا نَحْوَ
الْأَنْبَارِ ، فَمَا جَسَرَ الْعَسْكَرُ أَنْ يَتْبَعُوهُمْ ، فَانْظُرْ إِلَى هَذَا الْخِذْلَانِ .
قَالَ
ثَابِتُ بْنُ سِنَانٍ : انْهَزَمَ مُعْظَمُ عَسْكَرِ
الْمُقْتَدِرِ إِلَى
بَغْدَادَ قَبْلَ الْمُعَايَنَةِ لِشِدَّةِ رُعْبِهِمْ ، وَنَازَلَ
الْقِرْمِطِيُّ هِيتَ مُدَّةً فَرُدَّ إِلَى الْبَرِيَّةِ .
[ ص: 52 ] وَفِي سَنَةِ 316 دَخَلَ
أَبُو طَاهِرٍ الْقِرْمِطِيُّ الرَّحْبَةَ بِالسَّيْفِ ، ثُمَّ قَصَدَ
الرَّقَّةَ ، وَبَدَّعَ وَعَمِلَ الْعَظَائِمَ ، وَاسْتَعْفَى
عَلِيُّ بْنُ عِيسَى مِنَ الْوِزَارَةِ ، فَوَزَرَ
أَبُو عَلِيِّ بْنُ مُقْلَةَ وَبَنَى
الْقِرْمِطِيُّ دَارًا سَمَّاهَا دَارَ الْهِجْرَةِ وَكَثُرَ أَتْبَاعُهُ ، وَكَاتَبَهُ
الْمَهْدِيُّ مِنَ
الْمَغْرِبِ ، فَدَعَا إِلَيْهِ ، وَتَفَاقَمَ الْبَلَاءُ وَأَقْبَلَ الدُّمُسْتُقُ فِي ثَلَاثِمِائَةِ أَلْفٍ مِنَ
الرُّومِ ، فَقَصَدَ
أَرْمِينِيَةَ فَقَتَلَ وَسَبَى ، وَاسْتَوْلَى عَلَى خِلَاطٍ .
وَفِي سَنَةِ 317 جَرَتْ خَبْطَةٌ
بِبَغْدَادَ ، وَاقْتَتَلَ الْجَيْشُ ، وَتَمَّ مَا لَا يُوصَفُ ، وَهَمُّوا بِعَزْلِ
الْمُقْتَدِرِ ، وَاتَّفَقَ عَلَى ذَلِكَ
مُؤْنِسٌ وَأَبُو الْهَيْجَاءِ وَنَازُوكُ ، وَأَتَوْا دَارَ الْخِلَافَةِ ، فَهَرَبَ الْحَاجِبُ ، وَالْوَزِيرُ
ابْنُ مُقْلَةَ ، فَأُخْرِجُ
الْمُقْتَدِرُ وَأُمُّهُ وَخَالَتُهُ وَحَرَمُهُ إِلَى دَارِ
مُؤْنِسٍ ، فَأَحْضَرُوا
مُحَمَّدَ بْنَ الْمُعْتَضِدِ مِنَ الْحَرِيمِ -وَكَانَ مَحْبُوسًا- وَبَايَعُوهُ ، وَلَقَّبُوهُ بِالْقَاهِرِ .
وَأَشْهَدَ
الْمُقْتَدِرَ عَلَى نَفْسِهِ بِالْخَلْعِ ، وَجَلَسَ
الْقَاهِرُ فِي دَسْتِ الْخِلَافَةِ ، وَكَتَبَ إِلَى الْأَمْصَارِ ، ثُمَّ طَلَبَ الْجَيْشُ رَسْمَ الْبَيْعَةِ ، وَرِزْقَ سَنَةٍ ، وَارْتَفَعَتِ الضَّجَّةُ ، وَهَجَمُوا فَقَتَلُوا
نَازُوكَ وَالْخَادِمَ عَجِيبًا ، وَصَاحُوا :
الْمُقْتَدِرُ يَا
مَنْصُورُ فَهَرَبَ الْوَزِيرُ وَالْحُجَّابُ ، وَصَارَ الْجُنْدُ إِلَى دَارِ
مُؤْنِسٍ ، وَطَلَبُوا
الْمُقْتَدِرَ لِيُعِيدُوهُ .
وَأَرَادَ
أَبُو [ ص: 53 ] الْهَيْجَاءِ الْخُرُوجَ فَتَعَلَّقَ بِهِ
الْقَاهِرُ ، وَقَالَ : تُسْلِمُنِي ؟ فَأَخَذَتْهُ الْحَمِيَّةُ ، وَقَالَ : لَا وَاللَّهِ . وَدَخَلَا الْفِرْدَوْسَ ، وَخَرَجَا إِلَى الرَّحْبَةِ . وَذَهَبَ
أَبُو الْهَيْجَاءِ عَلَى فَرَسِهِ ، فَوَجَدَ
نَازُوكَ قَتِيلًا ، وَسُدَّتِ الْمَسَالِكُ عَلَيْهِ وَعَلَى
الْقَاهِرِ ، وَأَقْبَلَتْ خَوَاصُّ
الْمُقْتَدِرِ فِي السِّلَاحِ ، فَدَخَلَ
أَبُو الْهَيْجَاءِ كَالْجَمَلِ ، ثُمَّ صَاحَ : يَالَ يَخْلِتُ ، أَأُقْتَلُ بَيْنَ الْحِيطَانِ ؟ أَيْنَ الْكُمَيْتُ ؟ أَيْنَ الدَّهْمَاءُ ؟ فَرَمَوْهُ بِسَهْمٍ فِي ثَدْيِهِ ، وَبِآخَرَ فِي تَرْقُوَتِهِ ، فَنَزَعَ مِنْهُ الْأَسْهُمَ ، وَقَتْلَ وَاحِدًا مِنْهُمْ ، ثُمَّ قَتَلُوهُ .
وَجِيءَ بِرَأْسِهِ إِلَى
الْمُقْتَدِرِ ، فَتَأَسَّفَ عَلَيْهِ ، وَجِيءَ إِلَيْهِ
بِالْقَاهِرِ فَقَبَّلَهُ ، وَقَالَ : يَا أَخِي ، أَنْتَ -وَاللَّهِ- لَا ذَنْبَ لَكَ ، وَهُوَ يَبْكِي وَيَقُولُ : اللَّهَ فِي دَمِي يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ .
وَطِيفَ بِرَأْسِ
نَازُوكَ وَأَبِي الْهَيْجَاءِ ، ثُمَّ أَتَى
مُؤْنِسٌ وَالْقُوَّادُ وَالْقُضَاةُ وَبَايَعُوا
الْمُقْتَدِرَ ، وَأَنْفَقَ فِي الْجُنْدِ مَالًا عَظِيمًا .
وَحَجَّ النَّاسُ فَأَقْبَلَ
أَبُو طَاهِرٍ الْقِرْمِطِيُّ ، وَوَضَعَ السَّيْفَ بِالْحَرَمِ فِي الْوَفْدِ ، وَاقْتَلَعَ
الْحَجَرَ الْأَسْوَدَ -وَكَانَ فِي سَبْعِمِائَةِ رَاكِبٍ- فَقَتَلُوا فِي الْمَسْجِدِ أَزْيَدَ مِنْ أَلْفٍ ، وَلَمْ يَقِفْ أَحَدٌ بِعَرَفَةَ ، وَصَاحَ قِرْمِطِيٌّ : يَا حَمِيرُ ، أَنْتُمْ قُلْتُمْ :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=97وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا فَأَيْنَ الْأَمْنُ ؟
وَأَمَّا
الرُّومُ فَعَاثُوا فِي الثُّغُورِ ، وَفَعَلُوا الْعَظَائِمَ ، وَبَذَلَ لَهُمُ الْمُسْلِمُونَ الْإِتَاوَةَ .
وَوَزَرَ فِي سَنَةِ ثَمَانِ عَشْرَةَ
لِلْمُقْتَدِرِ سُلَيْمَانُ بْنُ الْحَسَنِ ثُمَّ قُبِضَ عَلَيْهِ
[ ص: 54 ] فِي سَنَةِ تِسْعَ عَشْرَةَ ، وَاسْتُوزِرَ
عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْكَلْوَذَانِيُّ وَظَهَر
مَرْدَاوِيجُ فِي
الدَّيْلَمِ ، وَمَلَكُوا الْجَبَلَ بِأَسْرِهِ إِلَى
حُلْوَانَ ، وَهَزَمُوا الْعَسَاكِرَ ثُمَّ عُزِلَ
الْكَلْوَذَانِيُّ بِالْحُسَيْنِ بْنِ الْقَاسِمِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ وَقَلَّتِ الْأَمْوَالُ عَلَى
الْمُقْتَدِرِ ، وَفَسَدَ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ
مُؤْنِسٍ ، فَذَهَبَ مُغَاضِبًا إِلَى الْمَوْصِلِ وَقَبَضَ الْوَزِيرُ عَلَى أَمْوَالِهِ ، وَهَزَمَ
مُؤْنِسٌ بَنِي حَمْدَانَ ، وَتَمَلَّكَ
الْمَوْصِلَ فِي سَنَةِ عِشْرِينَ وَثَلَاثِمِائَةٍ وَالْتَقَى وَالِي
طَرَسُوسَ الرُّومَ ، فَهَزَمَهُمْ أَوَّلًا ، ثُمَّ هَزَمُوهُ .
وَفِي سَنَةِ عِشْرِينَ وَثَلَاثِمِائَةٍ عُزِلَ الْوَزِيرُ
الْحُسَيْنُ بِأَبِي الْفَتْحِ بْنِ الْفُرَاتِ ، وَلَاطَفَ
الْمُقْتَدِرُ الدَّيْلَمَ ، وَبَعَثَ بِوِلَايَةِ
أَذْرَبِيجَانَ وَأَرْمِينِيَةَ وَالْعَجَمِ إِلَى
مَرْدَاوِيجَ وَتَسَحَّبَ أُمَرَاءُ إِلَى
مُؤْنِسٍ ، وَخَافَ
الْمُقْتَدِرُ ، وَتَهَيَّأَ لِلْحَرْبِ ، فَأَقْبَلَ
مُؤْنِسٌ فِي جَمْعٍ كَبِيرٍ .
وَقِيلَ
لِلْمُقْتَدِرِ : إِنْ جُنْدَكَ لَا يُقَاتِلُونَ إِلَّا بِالْمَالِ ، وَطُلِبَ مِنْهُ مِائَتَا أَلْفِ دِينَارٍ ، فَتَهَيَّأْ لِلْمُضِيِّ إِلَى
وَاسِطَ ، فَقِيلَ لَهُ : اتَّقِ اللَّهَ ، وَلَا تُسَلِّمَ
بَغْدَادَ بِلَا حَرْبٍ ، فَتَجَلَّدَ وَرَكِبَ فِي الْأُمَرَاءِ وَالْخَاصَّةِ وَالْقُرَّاءِ ، وَالْمَصَاحِفُ مَنْشُورَةٌ ، فَشَقَّ
بَغْدَادَ ، وَخَرَجَ إِلَى الشَّمَّاسِيَّةِ ، وَالْخَلْقُ يَدْعُونَ لَهُ . وَأَقْبَلَ
مُؤْنِسٌ ، وَالْتَحَمَ الْحَرْبُ ، وَوَقَفَ
الْمُقْتَدِرُ عَلَى تَلٍّ ، فَأَلَحُّوا عَلَيْهِ بِالتَّقَدُّمِ لِيَنْصَحَ جَمْعَهُ فِي الْقِتَالِ فَاسْتَدْرَجُوهُ حَتَّى تَوَسَّطَ ،
[ ص: 55 ] وَهُوَ فِي طَائِفَةٍ قَلِيلَةٍ ، فَانْكَشَفَ جَمْعُهُ فَيَرْمِيهِ بَرْبَرِيٌّ فَسَقَطَ فَذُبِحَ ، وَرُفِعَ رَأَسُهُ عَلَى رُمْحٍ وَسَلَبُوهُ ، فَسُتِرَتْ عَوْرَتُهُ بِحَشِيشٍ ، ثُمَّ طُمَّ وَعُفِيَ أَثَرُهُ .
وَنَقَلَ
الصُّولِيُّ أَنَّ قَاتِلَهُ غُلَامٌ
لِبُلَيْقٍ كَانَ مِنَ الْأَبْطَالِ ، تَعَجَّبَ النَّاسُ مِنْهُ مِمَّا عَمِلَ يَوْمَئِذٍ مِنْ فُنُونِ الْفُرُوسِيَّةِ ، ثُمَّ شَدَّ عَلَى
الْمُقْتَدِرِ بِحَرْبَتِهِ أَنْفَذَهَا فِيهِ ، فَصَاحَ النَّاسُ عَلَيْهِ ، فَسَاقَ نَحْوَ دَارِ الْخِلَافَةِ لِيُخْرِجَ
الْقَاهِرَ ، فَصَادَفَهُ حِمْلُ شَوْكٍ ، فَزَحَمَتْهُ إِلَى قِنَّارِ لَحَّامٍ ، فَعَلَّقَهُ كُلَّابٌ ، وَخَرَجَ مِنْ تَحْتِهِ فَرَسُهُ فِي مِشْوَارِهِ ، فَحَطَّهُ النَّاسُ وَأَحْرَقُوهُ بِحِمْلِ الشَّوْكِ .
وَقِيلَ : كَانَ فِي دَارِ
الْمُقْتَدِرِ أَحَدَ عَشَرَ أَلْفَ غُلَامٍ خِصْيَانٍ غَيْرُ
الصَّقَالِبَةِ وَالرُّومِ ، وَكَانَ مُبَذِّرًا لِلْخَزَائِنِ حَتَّى احْتَاجَ ، وَأَعْطَى ذَلِكَ لِحَظَايَاهُ ، وَأَعْطَى وَاحِدَةً الدُّرَّةَ الْيَتِيمَةَ الَّتِي كَانَ زِنَتُهَا ثَلَاثَةَ مَثَاقِيلَ ، وَأَخَذَتْ قَهْرَمَانَةُ سُبْحَةَ جَوْهَرٍ مَا سُمِعَ بِمِثْلِهَا وَفَرَّقَ سِتِّينَ حُبًّا مِنَ الصِّينِيِّ مَمْلُوءَةً غَالِيَةً .
قَالَ
الصُّولِيُّ : كَانَ
الْمُقْتَدِرُ يُفَرِّقُ يَوْمَ عَرَفَةَ مِنَ الضَّحَايَا تِسْعِينَ أَلْفَ رَأْسٍ ، وَيُقَالُ : إِنَّهُ أَتْلَفَ مِنَ الْمَالِ ثَمَانِينَ أَلْفَ أَلْفِ دِينَارٍ ، عَثَّرَ نَفْسَهُ بِيَدِهِ .
[ ص: 56 ] وَأَوْلَادُهُ :
مُحَمَّدُ الرَّاضِي ،
وَإِبْرَاهِيمُ الْمُتَّقِي وَإِسْحَاقُ ،
وَالْمُطِيعُ فَضْلٌ ،
وَإِسْمَاعِيلُ ،
وَعِيسَى ،
وَعَبَّاسُ ،
وَطَلْحَةُ .
وَقَالَ
ثَابِتُ بْنُ سِنَانٍ طَبِيبُهُ : أَتْلَفَ
الْمُقْتَدِرُ نَيِّفًا وَسَبْعِينَ أَلْفَ أَلْفِ دِينَارٍ ، وَلَمَّا قُتِلَ قُدِّمَ رَأْسُهُ إِلَى
مُؤْنِسٍ فَنَدِمَ وَبَكَى ، وَقَالَ : وَاللَّهِ لَنُقْتَلَنَّ كُلُّنَا . وَهَمَّ بِإِقَامَةِ وَلَدِهِ ، ثُمَّ اتَّفَقُوا عَلَى أَخِيهِ
الْقَاهِرِ .