ابن الأعرابي 
أحمد بن محمد بن زياد بن بشر بن درهم ، الإمام المحدث القدوة الصدوق الحافظ ، شيخ الإسلام أبو سعيد بن الأعرابي البصري الصوفي ، نزيل مكة  ، وشيخ الحرم   . 
 [ ص: 408 ] وما هو بابن محمد بن زياد الأعرابي اللغوي   ; ذاك مات قبل أن يولد هذا بأعوام عدة . 
ولد سنة نيف وأربعين ومائتين . 
وسمع الحسن بن محمد بن الصباح الزعفراني  ، وعبد الله بن أيوب المخرمي  ، وسعدان بن نصر  ،  ومحمد بن عبد الملك الدقيقي  ، وأبا جعفر محمد بن عبيد الله المنادي  ، وعباسا الترقفي  ، وعباس بن محمد الدوري  ، وإبراهيم بن عبد الله العبسي  ، وأمما سواهم . 
خرج عنهم معجما كبيرا ورحل إلى الأقاليم ، وجمع وصنف ، صحب المشايخ ، وتعبد وتأله وألف مناقب الصوفية ، وحمل " السنن " عن أبي داود  ، وله في غضون الكتاب زيادات في المتن والسند . 
روى عنه : أبو عبد الله بن خفيف  ، وأبو بكر بن المقرئ  ،  وأبو عبد الله بن منده  ، والقاضي أبو عبد الله بن مفرج  ، وعبد الله بن يوسف الأصبهاني  ، ومحمد بن أحمد بن جميع الصيداوي  ، وعبد الله بن محمد الدمشقي القطان  ، وصدقة بن الدلم  ، وعبد الرحمن بن عمر بن النحاس  ، وعبد الوهاب بن منير المصريان  ، ومحمد بن عبد الملك بن ضيفون  شيخ  أبي عمر بن عبد البر  ، وأبو الفتح محمد بن إبراهيم الطرسوسي  وعدد كثير من الحجاج والمجاورين . 
وكان كبير الشأن ، بعيد الصيت ، عالي الإسناد . 
 [ ص: 409 ] قال أبو عبد الرحمن السلمي   : سمعت محمد بن الحسن الخشاب  ، سمعت ابن الأعرابي  يقول : المعرفة كلها الاعتراف بالجهل ، والتصوف كله ترك الفضول ، والزهد كله أخذ ما لا بد منه ، والمعاملة كلها استعمال الأولى فالأولى ، والرضا كله ترك الاعتراض ، والعافية كلها سقوط التكلف بلا تكلف . 
وكان -رحمه الله- قد صحب الجنيد  ، وأبا أحمد القلانسي   . 
وعمل تاريخا للبصرة  لم أره ، أما كتابه في " طبقات النساك " فنقلت منه . 
ومن كلامه في ترجمة أبي الحسين النوري  ، قال : مات وهم يتكلمون عنده في شيء ، سكوتهم عنه أولى ; لأنه شيء يتكهنون فيه ، ويتعسفون بظنونهم ، فإذا كان أولئك كذلك ، فكيف بمن حدث بعدهم ؟ . 
قال أيضا : إنما كانوا يقولون " جمع " ، وصورة الجمع عند كل أحد بخلافها عند الآخر ، وكذلك صورة الفناء ، وكانوا يتفقون في الأسماء ، ويختلفون في معناها ; لأن ما تحت الاسم غير محصور ، لأنها من المعارف . 
قال : وكذلك علم المعرفة غير محصور لا نهاية له ولا لوجوده ، ولا لذوقه . إلى أن قال : - ولقد أحسن في المقال - فإذا سمعت الرجل يسأل عن الجمع أو الفناء ، أو يجيب فيهما ، فاعلم أنه فارغ ، ليس من أهل ذلك إذ أهلهما لا يسألون عنه لعلمهم أنه لا يدرك بالوصف . 
قلت : إي والله ، دققوا وعمقوا ، وخاضوا في أسرار عظيمة ، ما  [ ص: 410 ] معهم على دعواهم فيها سوى ظن وخيال ، ولا وجود لتلك الأحوال من الفناء والمحو والصحو والسكر إلا مجرد خطرات ووساوس ، ما تفوه بعباراتهم صديق ، ولا صاحب ، ولا إمام من التابعين ، فإن طالبتهم بدعاويهم مقتوك ، وقالوا : محجوب ، وإن سلمت لهم قيادك تخبط ما معك من الإيمان ، وهبط بك الحال على الحيرة والمحال ، ورمقت العباد بعين المقت ، وأهل القرآن والحديث بعين البعد ، وقلت : مساكين محجوبون . فلا حول ولا قوة إلا بالله . 
فإنما التصوف والتأله والسلوك والسير والمحبة ما جاء عن أصحاب محمد   -صلى الله عليه وسلم- من الرضا عن الله ، ولزوم تقوى الله ، والجهاد في سبيل الله ، والتأدب بآداب الشريعة من التلاوة بترتيل وتدبر ، والقيام بخشية وخشوع ، وصوم وقت ، وإفطار وقت ، وبذل المعروف ، وكثرة الإيثار ، وتعليم العوام ، والتواضع للمؤمنين ، والتعزز على الكافرين ، ومع هذا فالله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم . 
والعالم إذا عري من التصوف والتأله ، فهو فارغ ، كما أن الصوفي إذا عري من علم السنة ، زل عن سواء السبيل . 
وقد كان ابن الأعرابي  من علماء الصوفية ، فتراه لا يقبل شيئا من اصطلاحات القوم إلا بحجة . 
توفي بمكة  في شهر ذي القعدة سنة أربعين وثلاثمائة وله أربع وتسعون سنة وأشهر . 
أخبرنا علي بن أحمد العلوي  ، ومحمد بن الحسين القرشي  ، قالا : أخبرنا محمد بن عماد  ، أخبرنا عبد الله بن رفاعة  ، أخبرنا علي بن الحسن  [ ص: 411 ] القاضي  ، أخبرنا  عبد الرحمن بن عمر  ، أخبرنا أحمد بن محمد بن زياد  ، أخبرنا سعدان بن نصر  ، حدثنا سفيان  ، عن عمرو بن يحيى بن عمارة  ، عن أبيه ، عن أبي سعيد الخدري  قال : قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- : ليس فيما دون خمسة أواق صدقة ، وليس فيما دون خمس ذود صدقة  . 
وبه أخبرنا أبو سعيد أحمد بن محمد  بمكة  ، حدثنا الحسن بن محمد بن الصباح  ، حدثنا سفيان  ، عن عمرو  ، عن  سالم بن أبي الجعد  ، عن عبد الله بن عمرو  ، قال : كان على ثقل النبي -صلى الله عليه وسلم- رجل ، يقال له : كركرة  ، فمات ، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- : هو في النار . فذهبوا ينظرون إليه ، فوجدوا عليه عباءة قد غلها  . 
قلت : الجمال حتى في الصحابة ليس بشيء كما ترى . 
وفيها مات الحسين بن أحمد بن أيوب الطوسي  ، والحسن بن يوسف بن فليح الطرائفي  ، وأبو جعفر محمد بن يحيى بن عمر بن علي بن حرب  ، وقاسم بن أصبغ محدث الأندلس  ، والحسين بن صفوان البرذعي  ، وعبد الله بن محمد بن يعقوب الأستاذ ببخارى   ،  وأبو القاسم عبد الرحمن بن إسحاق الزجاجي  صاحب " الجمل " ، وأبو بكر محمد بن أحمد بن بالويه   [ ص: 412 ] بنيسابور  ، وشيخ الحنفية أبو الحسن عبيد الله بن الحسين الكرخي  ، وشيخ الشافعية أبو إسحاق إبراهيم بن أحمد المروزي   . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					