الزهري : عن حمزة بن عبد الله قال : أقبل ابن عمر علينا ، فقال : ما وجدت في نفسي شيئا من أمر هذه الأمة ، ما وجدت في نفسي من أن أقاتل هذه الفئة الباغية كما أمرني الله .
قلنا : ومن ترى الفئة الباغية ؟ قال : ابن الزبير بغى على هؤلاء القوم ، فأخرجهم من ديارهم ، ونكث عهدهم .
أيوب : عن نافع ، قال : أصابت ابن عمر عارضة محمل بين أصبعيه عند الجمرة ، فمرض فدخل عليه الحجاج ، فلما رآه ابن عمر ، غمض عينيه ، فكلمه الحجاج ، فلم يكلمه فغضب ، وقال : إن هذا يقول إني على الضرب الأول ؟
عمرو بن يحيى بن سعيد بن عمرو : أخبرنا جدي ، أن ابن عمر قدم حاجا فدخل عليه الحجاج ، وقد أصابه زج رمح . فقال : من أصابك ؟ [ ص: 230 ] قال : أصابني من أمرتموه بحمل السلاح في مكان لا يحل فيه حمله .
أحمد بن يعقوب المسعودي : حدثنا إسحاق بن سعيد بن عمرو الأموي ، عن أبيه ، عن ابن عمر ، أنه قام إلى الحجاج ، وهو يخطب ، فقال : يا عدو الله ! استحل حرم الله ، وخرب بيت الله . فقال : يا شيخا قد خرف . فلما صدر الناس ، أمر الحجاج بعض مسودته ، فأخذ حربة مسمومة ، وضرب بها رجل ابن عمر فمرض ومات منها . ودخل عليه الحجاج عائدا ، فسلم فلم يرد عليه ، وكلمه فلم يجبه .
هشام ، عن ابن سيرين ; أن الحجاج خطب ، فقال : إن ابن الزبير بدل كلام الله . فعلم ابن عمر ، فقال : كذب ، لم يكن ابن الزبير يستطيع أن يبدل كلام الله ولا أنت ، قال : إنك شيخ قد خرفت الغد . قال : أما إنك لو عدت ، عدت .
قال الأسود بن شيبان : حدثنا خالد بن سمير قال : خطب الحجاج ، فقال : إن ابن الزبير حرف كتاب الله . فقال ابن عمر : كذبت كذبت ، ما يستطيع ذلك ولا أنت معه . قال : اسكت ، فقد خرفت وذهب عقلك ، يوشك شيخ أن يضرب عنقه ، فيخر قد انتفخت خصيتاه ، يطوف به صبيان البقيع .
[ ص: 231 ] الثوري ، عن ، قال : لما اجتمعوا على عبد الله بن دينار عبد الملك كتب إليه ابن عمر : أما بعد : فإني قد بايعت لعبد الله عبد الملك أمير المؤمنين بالسمع والطاعة على سنة الله وسنة رسوله فيما استطعت وإن بني قد أقروا بذلك .
شعبة : عن ابن أبي رواد : عن نافع : أن ابن عمر أوصى رجلا يغسله ، فجعل يدلكه بالمسك .
وعن : مات أبي سالم بن عبد الله بمكة ، ودفن بفخ سنة أربع وسبعين وهو ابن أربع وثمانين ، وأوصاني أن أدفنه خارج الحرم ، فلم نقدر ، فدفناه بفخ في الحرم في مقبرة المهاجرين .
حبيب بن أبي ثابت : عن سعيد بن جبير ، عن ابن عمر قال : ما آسى على شيء إلا أني لم أقاتل الفئة الباغية .
هكذا رواه الثوري عنه ، وقد تقدم نحوه مفسرا .
وأما عبد العزيز بن سياه ، فرواه عنه ثقتان ، عن حبيب بن أبي ثابت ، أن ابن عمر قال : ما آسى على شيء فاتني إلا أني لم أقاتل مع علي الفئة الباغية . فهذا منقطع .
وقال أبو نعيم : حدثنا عبد الله بن حبيب بن أبي ثابت ، عن أبيه : قال [ ص: 232 ] ابن عمر حين احتضر : ما أجد في نفسي شيئا إلا أني لم أقاتل الفئة الباغية مع . علي بن أبي طالب
وروى أبو أحمد الزبيري ; حدثنا عبد الجبار بن العباس ، عن أبي العنبس ، عن أبي بكر بن أبي الجهم ، عن ابن عمر ، فذكر نحوه .
أقوال وفتاوى يطول الكتاب بإيرادها ، وله قول ثالث في الفئة الباغية . ولابن عمر
فقال روح بن عبادة : حدثنا العوام بن حوشب ، عن عياش العامري ، عن سعيد بن جبير ، قال : لما احتضر ابن عمر ، قال : ما آسى على شيء من الدنيا إلا على ثلاث ; ظمأ الهواجر ، ومكابدة الليل ، وأني لم أقاتل الفئة الباغية التي نزلت بنا ، يعني الحجاج .
قال ضمرة بن ربيعة : مات ابن عمر سنة ثلاث وسبعين .
وقال مالك : بلغ ابن عمر سبعا وثمانين سنة .
وقال أبو نعيم ، ، والهيثم بن عدي ، وعدة : مات سنة ثلاث وسبعين . وأبو مسهر
وقال سعيد بن عفير وخليفة ، وغيرهما : مات سنة أربع وسبعين .
والظاهر أنه توفي في آخر سنة ثلاث .
قال أبو بكر بن البرقي : توفي بمكة ، ودفن بذي طوى . وقيل : بفخ مقبرة المهاجرين سنة أربع .
قلت : هو القائل : كنت يوم أحد ابن أربع عشرة سنة فعلى هذا [ ص: 233 ] يكون عمره خمسا وثمانين سنة - رضي الله عنه - وأرضاه .
أخبرنا أيوب بن طارق ، وأحمد بن محمد بقراءتي ، قالا : أخبرنا أبو القاسم بن رواحة ، أخبرنا أبو طاهر السلفي ، أخبرنا أحمد بن علي الطريثيثي وأبو ياسر محمد بن عبد العزيز ، وأبو القاسم الربعي ، وأبو منصور الخياط ، قالوا : أخبرنا عبد الملك بن محمد أخبرنا أبو محمد عبد الله بن محمد الفاكهي بمكة 353 ، حدثنا أبو يحيى عبد الله بن أبي مسرة حدثنا يعقوب بن إسحاق - وهو ابن بنت حميد الطويل - قال : سمعت عبد الله بن أبي عثمان يقول : رأيت ابن عمر يحفي شاربه ورأيته ينحر البدن قياما يجأ في لباتها .
أخبرنا إسحاق الأسدي ، أخبرنا ابن خليل ، أخبرنا اللبان ، أخبرنا أبو علي الحداد ، أخبرنا ، حدثنا أبو نعيم الحافظ ; أخبرنا أحمد بن جعفر عبد الله بن أحمد ، حدثنا أبو كامل ، حدثنا أبو عوانة ، عن هلال بن خباب ، عن قزعة ، قال : رأيت على ابن عمر ثيابا خشنة أو جشبة ، فقلت له : إني قد أتيتك بثوب لين مما يصنع بخراسان ، وتقر عيناي أن أراه عليك . قال : أرنيه ، فلمسه ، وقال : أحرير هذا ؟ قلت : لا ، إنه من قطن . قال : إني أخاف أن ألبسه ، أخاف أكون مختالا فخورا ، والله لا يحب كل مختال فخور .
[ ص: 234 ] قلت : كل لباس أوجد في المرء خيلاء وفخرا فتركه متعين ولو كان من غير ذهب ولا حرير . فإنا نرى الشاب يلبس الفرجية الصوف بفرو من أثمان أربعمائة درهم ونحوها ، والكبر والخيلاء على مشيته ظاهر ، فإن نصحته ولمته برفق كابر ، وقال : ما في خيلاء ولا فخر . وهذا السيد ابن عمر يخاف ذلك على نفسه . وكذلك ترى الفقيه المترف إذا ليم في تفصيل فرجية تحت كعبيه ، وقيل له : قد قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : ما أسفل من الكعبين من الإزار ففي النار يقول : إنما قال هذا فيمن جر إزاره خيلاء ، وأنا لا أفعل خيلاء . فتراه يكابر ، ويبرئ نفسه الحمقاء ، ويعمد إلى نص مستقل عام فيخصه بحديث آخر مستقل بمعنى الخيلاء ، ويترخص بقول الصديق : إنه يا رسول الله يسترخي إزاري ، فقال : لست يا أبا بكر ممن يفعله خيلاء فقلنا : أبو بكر - رضي الله عنه - لم يكن يشد إزاره مسدولا على كعبيه أولا ; بل كان يشده فوق الكعب ، ثم فيما بعد يسترخي .
وقد قال - عليه السلام - : إزرة المؤمن إلى أنصاف ساقيه ، لا جناح عليه فيما بين ذلك وبين الكعبين ومثل هذا في النهي لمن فصل سراويل مغطيا لكعابه . ومنه طول الأكمام زائدا ، وتطويل العذبة . وكل هذا من خيلاء كامن في النفوس . وقد يعذر الواحد منهم بالجهل ، والعالم لا عذر له في تركه الإنكار على الجهلة . فإن خلع على رئيس خلعة سيراء من ذهب وحرير وقندس ، يحرمه ما ورد في النهي عن جلود السباع ولبسها ، الشخص يسحبها ويختال فيها ، ويخطر بيده ويغضب ممن لا يهنيه بهذه المحرمات ، ولا سيما إن كانت خلعة وزارة وظلم ونظر مكس أو ولاية شرطة . فليتهيأ للمقت وللعزل والإهانة والضرب ، وفي [ ص: 235 ] الآخرة أشد عذابا وتنكيلا . فرضي الله عن ابن عمر وأبيه . وأين مثل ابن عمر في دينه ، وورعه وعلمه ، وتألهه وخوفه ، من رجل تعرض عليه الخلافة ، فيأباها ، والقضاء من مثل عثمان ، فيرده ، ونيابة الشام لعلي ، فيهرب منه . فالله يجتبي إليه من يشاء ويهدي إليه من ينيب .