صاحب الأندلس
الملك الملقب بأمير المؤمنين الناصر لدين الله ، أبو المطرف عبد الرحمن بن الأمير محمد بن صاحب الأندلس عبد الله بن صاحب الأندلس محمد بن صاحب الأندلس عبد الرحمن بن صاحبها الحكم بن صاحبها هشام ابن الأمير الداخل عبد الرحمن بن معاوية بن أمير المؤمنين هشام بن عبد الملك بن مروان ، المرواني الأندلسي .
باني مدينة الزهراء والذي دامت دولته خمسين سنة ، وصاحب الفتوحات الكثيرة ، والغزوات المشهورة ، وهو أول من تلقب بألقاب الخلافة ; وذلك لما بلغه قتل المقتدر ، ووهن الخلافة العباسية ، فقال : أنا أولى بالاسم والنعت .
قتل أبو هذا شابا ولهذا عشرون يوما ، فكفله جده ، فلما مات جده ، بويع هذا سنة ثلاثمائة مع وجود الأكابر من أعمامه وأعمام أبيه ، فولي وأمره اثنتان وعشرون سنة ، فضبط الممالك ، وخافته الأعداء ، وعمل الزهراء على بريد من قرطبة ، فشيدها وزخرفها ، وأنفق عليها قناطير من الذهب ، [ ص: 563 ] وكان لا يمل من الغزو ، فيه سؤدد وحزم وإقدام ، وسجايا حميدة ، أصابهم قحط ، فجاء رسول قاضيه منذر البلوطي يحركه للخروج ، فلبس ثوبا خشنا ، وبكى واستغفر ، وتذلل لربه ، وقال : ناصيتي بيدك ، لا تعذب الرعية بي ، لن يفوتك مني شيء . فبلغ القاضي ، فتهلل وجهه ، وقال : إذا خشع جبار الأرض ، يرحم جبار السماء ، فاستسقوا ورحموا .
وكان -رحمه الله- ينطوي على دين ، وحسن خلق ومزاح ، وكان دسته في وقته فوق دست ملوك الإسلام . ووزر له أبو مروان بن شهيد ، وغيره .
ونقل بعضهم أن وزيرا له قدم له هدية سنية منها : خمسمائة ألف دينار ، وأربعمائة رطل تبرا وألفا ألف درهم ، ومائة وثمانون رطلا من العود ، ومائة أوقية من المسك ، وخمسمائة أوقية عنبر ، وثلاثمائة أوقية كافور ، وثلاثون ثوبا خاما ، وست سرادقات وعشرة قناطير سمور وأربعة آلاف رطل حرير ، وألف ترس ، وثمانمائة تجفاف وخمسة عشر حصانا ، وعشرون بغلا ، وأربعون مملوكا ، ومائة فرس ، وعشرون [ ص: 564 ] سرية وضيعتان ، وألف جسر ، كل جسر قيمته ألف درهم ، فلقبه ذا الوزارتين ، ورفع قدره .
وقد توفي الناصر قبل تتمة زخرفة مدينة الزهراء ، فأتمها ابنه المستنصر ، وبها جامع عديم المثل ، وكذا منارته .
قال ابن عبد ربه : لي أرجوزة ذكرت فيها غزواته .
افتتح سبعين حصنا من أعظم الحصون ، وقد مدحته الشعراء .
قلت : توفي في شهر رمضان سنة خمسين وثلاثمائة وله اثنتان وسبعون عاما ، رحمه الله .
وقد كنت ذكرت ترجمته مع جدهم ، فأعدتها بزوائد وفوائد ، وإذا كان الرأس عالي الهمة في الجهاد ، احتملت له هنات ، وحسابه على الله ، أما إذا أمات الجهاد ، وظلم العباد ، وللخزائن أباد ، فإن ربك لبالمرصاد .