أنس بن مالك ( ع )
بن النضر بن ضمضم بن زيد بن حرام بن جندب بن عامر بن غنم بن عدي بن النجار . [ ص: 396 ]
الإمام ، المفتي ، المقرئ ، المحدث ، راوية الإسلام ، أبو حمزة الأنصاري الخزرجي النجاري المدني ، خادم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقرابته من النساء ، وتلميذه ، وتبعه ، وآخر أصحابه موتا .
روى عن النبي - صلى الله عليه وسلم - علما جما ، وعن أبي بكر ، وعمر ، وعثمان ، ومعاذ ، ، وأسيد بن الحضير وأبي طلحة ، وأمه ، وخالته أم سليم بنت ملحان ، وزوجها أم حرام عبادة بن الصامت ، وأبي ذر ، ومالك بن صعصعة ، ، وأبي هريرة وفاطمة النبوية ، وعدة .
وعنه خلق عظيم ، منهم ؛ الحسن ، ، وابن سيرين ، والشعبي وأبو قلابة ، ومكحول ، ، وعمر بن عبد العزيز وثابت البناني ، ، وبكر بن عبد الله المزني ، والزهري وقتادة ، ، وابن المنكدر وإسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة ، ، وعبد العزيز بن صهيب وشعيب بن الحبحاب ، وعمرو بن عامر الكوفي ، ، وسليمان التيمي ، وحميد الطويل ويحيى بن سعيد الأنصاري ، وكثير بن سليم ، وعيسى بن طهمان ، وعمر بن شاكر .
وبقي أصحابه الثقات إلى بعد الخمسين ومائة ، وبقي ضعفاء أصحابه إلى بعد التسعين ومائة ، وبقي بعدهم ناس لا يوثق بهم ، بل اطرح حديثهم جملة ؛ كإبراهيم بن هدبة . ودينار أبو مكيس ، وخراش بن عبد الله ، وموسى الطويل ، عاشوا مديدة بعد المائتين ، فلا اعتبار بهم . [ ص: 397 ]
وإنما كان بعد المائتين بقايا من سمع من ثقات أصحابه كيزيد بن هارون ، وعبد الله بن بكر السهمي ، ، ومحمد بن عبد الله الأنصاري ، وأبي عاصم النبيل وأبي نعيم . وقد سرد صاحب " التهذيب " نحو مائتي نفس من الرواة عن أنس . أنس يقول : قدم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المدينة وأنا ابن عشر ، ومات وأنا ابن عشرين . وكن أمهاتي يحثثنني على خدمة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - . وكان
فصحب أنس نبيه - صلى الله عليه وسلم - أتم الصحبة ، ولازمه أكمل الملازمة منذ هاجر ، وإلى أن مات ، وغزا معه غير مرة ، وبايع تحت الشجرة .
وقد روى محمد بن سعد في " طبقاته " : حدثنا الأنصاري ، عن أبيه ، عن مولى لأنس ؛ أنه قال لأنس : أشهدت بدرا ؟ فقال : لا أم لك ، وأين أغيب عن بدر . ثم قال الأنصاري : خرج مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى بدر ، وهو غلام يخدمه .
وقد رواه عمر بن شبة ، عن الأنصاري ، عن أبيه عن ثمامة ، قال : قيل لأنس : . . فذكر نحوه . .
قلت : لم يعده أصحاب المغازي في البدريين لكونه حضرها صبيا [ ص: 398 ] ما قاتل ، بل بقي في رحال الجيش . فهذا وجه الجمع .
وعن أنس ، قال : كناني النبي - صلى الله عليه وسلم - أبا حمزة ببقلة اجتنيتها .
وروى علي بن زيد - وفيه لين - عن ابن المسيب ، عن أنس ، قال : قدم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المدينة وأنا ابن ثمان سنين ، فأخذت أمي بيدي ، فانطلقت بي إليه ، فقالت : يا رسول الله ! لم يبق رجل ولا امرأة من الأنصار إلا وقد أتحفك بتحفة ، وإني لا أقدر على ما أتحفك به إلا ابني هذا ، فخذه ، فليخدمك ما بدا لك . قال : فخدمته عشر سنين ، فما ضربني ، ولا سبني ، ولا عبس في وجهي رواه الترمذي .
: حدثنا عكرمة بن عمار ، حدثنا إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة أنس قال : جاءت بي أم سليم إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد أزرتني بنصف خمارها ، وردتني ببعضه ، فقالت : يا رسول الله ! هذا أنيس ابني أتيتك به يخدمك ، فادع الله له . فقال : اللهم أكثر ماله وولده . فوالله إن مالي لكثير ، وإن ولدي وولد ولدي يتعادون على نحو من مائة اليوم .
روى نحوه جعفر بن سليمان ، عن ثابت .
وروى شعبة : عن قتادة ، أنس ؛ أن أم سليم قالت : يا رسول [ ص: 399 ] الله ! خادمك أنس ، ادع الله له . فقال : اللهم أكثر ماله ، وولده . فأخبرني بعض أهلي أنه دفن من صلبي أكثر من مائة . عن
: عن حسين بن واقد ثابت ، أنس ، قال : دعا لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال : اللهم أكثر ماله وولده ، وأطل حياته ، فالله أكثر مالي حتى إن كرما لي لتحمل في السنة مرتين ، وولد لصلبي مائة وستة . عن
أخبرنا إسماعيل بن عبد الرحمن المعدل في سنة اثنتين وتسعين وستمائة ، أخبرنا محمد بن خلف ، أخبرنا أحمد بن محمد الحافظ ، أخبرنا أحمد ومحمد ، أخبرنا عبد الله بن أحمد ، أخبرنا علي بن محمد القرظي ، حدثنا أبو عمرو بن حكيم ، أخبرنا ، حدثنا أبو حاتم الرازي الأنصاري ، حدثني حميد ، أنس ؛ أن النبي - صلى الله عليه وسلم - دخل على أم سليم ، فأتته بتمر وسمن ، فقال : أعيدوا تمركم في وعائكم ، وسمنكم في سقائكم ، فإني صائم . ثم قام في ناحية البيت ، فصلى بنا صلاة غير مكتوبة ، فدعا وأهل بيتها . فقالت : يا رسول الله ! إن لي خويصة . قال : وما هي ؟ قالت : خادمك لأم سليم أنس . فما ترك خير آخرة ولا دنيا إلا دعا لي به ، ثم قال : اللهم ارزقه مالا وولدا ، وبارك له فيه . قال : فإني لمن أكثر الأنصار مالا ، وحدثتني أمينة ابنتي : أنه دفن من صلبي إلى مقدم الحجاج البصرة تسعة وعشرون ومائة . [ ص: 400 ] عن
الطيالسي : أبي خلدة قلت : سمع لأبي العالية أنس من النبي - صلى الله عليه وسلم - ؟ قال : خدمه عشر سنين ، ودعا له ، وكان له بستان يحمل في السنة الفاكهة مرتين ، وكان فيها ريحان يجيء منه ريح المسك . عن
أبو خلدة ثقة .
عن موسى بن أنس : أن أنسا غزا ثمان غزوات .
وقال ثابت البناني : قال : ما رأيت أحدا أشبه بصلاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من أبو هريرة ابن أم سليم - يعني أنسا .
وقال : كان أنس بن سيرين أنس بن مالك أحسن الناس صلاة في الحضر والسفر .
وروى الأنصاري عن أبيه ، عن ثمامة ، قال : كان أنس يصلي حتى تفطر قدماه دما ، مما يطيل القيام - رضي الله عنه .
ثابت البناني قال : جاء قيم أرض أنس ، فقال : عطشت أرضوك ، فتردى أنس ، ثم خرج إلى البرية ، ثم صلى ، ودعا ، فثارت سحابة ، وغشيت أرضه ومطرت ، حتى ملأت صهريجه وذلك في الصيف ، فأرسل بعض أهله ، فقال : انظر أين بلغت ؟ فإذا هي لم تعد أرضه إلا يسيرا . [ ص: 401 ]
روى نحوه الأنصاري ، عن أبيه ، عن ثمامة .
قلت : هذه كرامة بينة ثبتت بإسنادين .
قال همام بن يحيى : حدثني من صحب أنس بن مالك قال : لما أحرم أنس ، لم أقدر أن أكلمه حتى حل من شدة إبقائه على إحرامه .
ابن عون : عن موسى بن أنس أن بعث إلى أبا بكر الصديق أنس ليوجهه على البحرين ساعيا ، فدخل عليه عمر ، فقال : إني أردت أن أبعث هذا على البحرين وهو فتى شاب . قال : ابعثه فإنه لبيب كاتب ، فبعثه . فلما قبض أبو بكر ، قدم أنس على عمر ، فقال : هات ما جئت به . قال : يا أمير المؤمنين ، البيعة أولا ، فبسط يده .
حماد بن سلمة : أخبرنا عبيد الله بن أبي بكر ، عن أنس ، قال : استعملني أبو بكر على الصدقة ، فقدمت ، وقد مات ، فقال عمر : يا أنس أجئتنا بظهر ؟ قلت : نعم . قال : جئنا به ، والمال لك . قلت : هو أكثر من ذلك . قال : وإن كان ، فهو لك . وكان أربعة آلاف .
روى ثابت ، عن أنس ، قال : صحبت ، فكان يخدمني ، وقال : إني رأيت جرير بن عبد الله الأنصار يصنعون برسول الله - صلى الله عليه وسلم - شيئا ، لا أرى أحدا منهم إلا خدمته . [ ص: 402 ]
وروي لأنس : يا ذا الأذنين . عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال
وقد كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يخصه ببعض العلم . فنقل أنس عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه طاف على تسع نسوة في ضحوة بغسل واحد .
قال خليفة بن خياط : كتب ابن الزبير بعد موت يزيد إلى أنس بن مالك ؛ فصلى بالناس بالبصرة أربعين يوما . وقد شهد أنس فتح تستر . فقدم على عمر بصاحبها الهرمزان فأسلم ، وحسن إسلامه - رحمه الله .
قال الأعمش : كتب أنس إلى - يعني لما آذاه عبد الملك بن مروان الحجاج - : إني خدمت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تسع سنين ، والله لو أن النصارى أدركوا رجلا خدم نبيهم ، لأكرموه .
قال جعفر بن سليمان : حدثنا علي بن زيد قال : كنت بالقصر ، والحجاج يعرض الناس ليالي ابن الأشعث ، فجاء أنس ، فقال الحجاج : يا خبيث ، جوال في الفتن ، مرة مع علي ، ومرة مع ابن الزبير ، ومرة مع ابن الأشعث ، أما والذي نفسي بيده ، لأستأصلنك كما تستأصل الصمغة ، ولأجردنك كما يجرد الضب . قال : يقول أنس : من يعني الأمير ؟ قال : إياك أعني ، أصم الله سمعك . قال : فاسترجع أنس ، وشغل الحجاج . فخرج أنس ، فتبعناه إلى الرحبة ، فقال : لولا أني ذكرت ولدي وخشيت [ ص: 403 ] عليهم بعدي ، لكلمته بكلام لا يستحييني بعده أبدا .
قال سلمة بن وردان : رأيت على أنس عمامة سوداء قد أرخاها من خلفه .
وقال أبو طالوت عبد السلام : رأيت على أنس عمامة .
حماد بن سلمة : عن حميد ، عن أنس : نهى عمر أن نكتب في الخواتيم عربيا . وكان في خاتم أنس ذئب أو ثعلب .
وقال ابن سيرين : كان نقش خاتم أنس ، أسد رابض .
قال ثمامة بن عبد الله : كان كرم أنس يحمل في السنة مرتين .
قال سليمان التيمي : سمعت أنسا يقول : ما بقي أحد صلى القبلتين غيري .
قال المثنى بن سعيد : سمعت أنسا يقول : ما من ليلة إلا وأنا أرى فيها حبيبي . ثم يبكي .
حماد بن سلمة : عن ثابت ، عن أنس - وقيل له : ألا تحدثنا ؟ - قال : يا بني إنه من يكثر يهجر . [ ص: 404 ]
همام : عن ، عن ابن جريج الزهري ، أنس أنه نقش في خاتمه : " محمد رسول الله " فكان إذا دخل الخلاء ، نزعه . عن
قال ابن عون : رأيت على أنس مطرف خز ، وعمامة خز ، وجبة خز .
روى عبد الله بن سالم الأشعري ، عن أزهر بن عبد الله ، قال : كنت في الخيل الذين بيتوا أنس بن مالك ، وكان فيمن يؤلب على الحجاج ، وكان مع ابن الأشعث ، فأتوا به الحجاج ، فوسم في يده : عتيق الحجاج .
قال الأعمش : كتب أنس إلى عبد الملك : قد خدمت رسول الله صلى الله عليه وسلم تسع سنين ، وإن الحجاج يعرض بي حوكة البصرة ، فقال : يا غلام ، اكتب إلى الحجاج : ويلك قد خشيت أن لا يصلح على يدي أحد ، فإذا جاءك كتابي ، فقم إلى أنس حتى تعتذر إليه ، فلما أتاه الكتاب ، قال للرسول : أمير المؤمنين كتب بما هنا ؟ قال : إي والله ؛ وما كان في وجهه أشد من هذا . قال : سمعا وطاعة ، وأراد أن ينهض إليه ، فقلت : إن شئت ، أعلمته . فأتيت أنس بن مالك ، فقلت : ألا ترى قد خافك ، وأراد أن يجيء إليك ، فقم إليه . فأقبل أنس يمشي حتى دنا منه ، فقال : يا أبا حمزة غضبت ؟ قال : نعم . تعرضني بحوكة البصرة ؟ قال : إنما مثلي ومثلك كقول الذي قال : " إياك أعني واسمعي يا جارة " أردت أن لا يكون لأحد علي منطق . [ ص: 405 ]
وروى ، عن عمرو بن دينار أبي جعفر قال : كان أنس بن مالك أبرص وبه وضح شديد ، ورأيته يأكل ، فيلقم لقما كبارا .
قال حميد عن أنس : يقولون : لا يجتمع حب علي وعثمان في قلب ، وقد جمع الله حبهما في قلوبنا .
وقال يحيى بن سعيد الأنصاري : عن أمه : أنها رأت أنسا متخلقا بخلوق ، وكان به برص ، فسمعني وأنا أقول لأهله : لهذا أجلد من سهل بن سعد ، وهو أسن من سهل ، فقال : إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - دعا لي .
قال أبو اليقظان : مات لأنس في طاعون الجارف ثمانون ابنا . وقيل : سبعون .
وروى معاذ بن معاذ ، حدثنا عمران ، عن أيوب ، قال : ضعف أنس عن الصوم ، فصنع جفنة من ثريد ، ودعا ثلاثين مسكينا ، فأطعمهم .
قلت : ثبت مولد أنس قبل عام الهجرة بعشر سنين [ ص: 406 ]
وأما موته فاختلفوا فيه ، فروى معمر ، عن حميد أنه مات سنة إحدى وتسعين وكذا أرخه قتادة ، ، والهيثم بن عدي وسعيد بن عفير ، وأبو عبيد .
وروى ، عن ابن معن بن عيسى : سنة اثنتين وتسعين وتابعه لأنس بن مالك الواقدي .
وقال عدة - وهو الأصح - : مات سنة ثلاث وتسعين قاله ، ابن علية ، وسعيد بن عامر والمدائني ، وأبو نعيم ، وخليفة ، ، والفلاس وقعنب ،
فيكون عمره على هذا مائة وثلاث سنين .
قال الأنصاري : اختلف علينا في سن أنس ، فقال بعضهم : بلغ مائة وثلاث سنين . وقال بعضهم : بلغ مائة وسبع سنين .
مسنده ألفان ومائتان وستة وثمانون ، اتفق له ومسلم على مائة وثمانين حديثا ، وانفرد البخاري بثمانين حديثا ، البخاري ومسلم بتسعين .