ابن منده 
الشيخ الإمام ، المحدث ، المفيد ، الكبير ، المصنف أبو القاسم ، عبد الرحمن ابن الحافظ الكبير أبي عبد الله محمد بن إسحاق بن محمد بن  [ ص: 350 ] يحيى بن منده العبدي الأصبهاني . 
ولد سنة إحدى وثمانين وثلاثمائة وهو أكبر إخوته . 
له إجازة زاهر السرخسي  ، وتفرد بها . 
وحدث عن أبيه ، فأكثر ، وعن أبي جعفر بن المرزبان  ، وإبراهيم بن خرشيد قولة  ، وإبراهيم بن محمد الجلاب  وأبي بكر بن مردويه  ، وأبي ذر بن الطبراني  وأبي عمر الطلحي  ، ومحمد بن إبراهيم الجرجاني  ، وخلق . 
وارتحل إلى بغداد  في سنة ست وأربعمائة ، فسمع أبا عمر بن مهدي  ، وأبا محمد بن البيع  ، وابن الصلت الأهوازي  ، والموجودين ، وسمع بواسط  من ابن خزفة  ، وبمكة  من أبي الحسن بن جهضم  ، وابن نظيف الفراء  ، وبنيسابور  من أبي بكر الحيري  ، ولكن ما روى عنه لا هو ولا أبو إسماعيل الأنصاري  لأشعريته . 
قال أبو عبد الله الدقاق   : ولد عبد الرحمن  في السنة التي مات فيها  أبو بكر بن المقرئ  ، ومناقبه أكثر من أن تعد . كان صاحب خلق وفتوة وسخاء وبهاء ، وكانت الإجازة عنده قوية ، وكان يقول : ما حدثت بحديث إلا على سبيل الإجازة كيلا أوبق . وله تصانيف كثيرة وردود على المبتدعة .  [ ص: 351 ] 
وقال  أبو سعد السمعاني   : له إجازة زاهر بن أحمد  ، وعبد الرحمن بن أبي شريح  ،  والجوزقي  ،  والحاكم  ، وحمد بن عبد الله الأصبهاني   . روى لنا عنه أبو نصر الغازي  ، وأبو سعد بن البغدادي  ، والحسين بن عبد الملك الخلال  ، وأبو بكر الباغبان  وأبو عبد الله الدقاق   . 
قال ابن طاهر   : حدثنا أبو علي الدقاق  بأصبهان   : سمعت أبا القاسم بن منده  يقول : قرأت على أبي أحمد الفرضي  ببغداد  جزءا ، فأردت خطه بذلك ، فقال : يا بني ! لو قيل لك بأصبهان   : ليس ذا خط فلان . بم كنت تجيبه ؟ ومن كان يشهد لك ؟ فبعدها لم أطلب من شيخ خطا . 
السمعاني   : سمعت الحسين بن عبد الملك الخلال  ، سمعت عبد الرحمن بن منده  يقول : قد عجبت من حالي ، فإني وجدت أكثر من لقيته إن صدقته فيما يقوله مداراة له سماني موافقا ، وإن وقفت في حرف من قوله أو في شيء من فعله سماني مخالفا ، وإن ذكرت في واحد منهما أن الكتاب والسنة بخلاف ذلك سماني خارجيا ، وإن قرئ علي حديث في التوحيد سماني مشبها ، وإن كان في الرؤية سماني سالميا . . . إلى أن قال : وأنا متمسك بالكتاب والسنة ، متبرئ إلى الله من الشبه والمثل والند والضد والأعضاء والجسم والآلات ، ومن كل ما ينسبه الناسبون إلي ، ويدعيه المدعون علي من أن أقول في الله - تعالى - شيئا من ذلك ، أو قلته ، أو أراه ، أو أتوهمه ، أو أصفه به  .  [ ص: 352 ] 
وقال يحيى بن منده   : كان عمي سيفا على أهل البدع ، وهو أكبر من أن يثني عليه مثلي ، كان - والله - آمرا بالمعروف ، ناهيا عن المنكر ، كثير الذكر ، قاهرا لنفسه ، عظيم الحلم ، كثير العلم ، قرأت عليه قول شعبة   : من كتبت عنه حديثا فأنا له عبد . فقال عمي : من كتب عني حديثا فأنا له عبد . 
وسمعت أبي يقول : أفطرنا في رمضان ليلة شديدة الحر ، فكنا نأكل ونشرب ، وكان أخي عبد الرحمن  يأكل ولا يشرب ، فخرجت وقلت : إن من عادة أخي أنه يأكل ليلة ولا يشرب ، ويشرب ليلة أخرى ولا يأكل . قال : فما شرب تلك الليلة ، وفي الليلة الآتية كان يشرب ولا يأكل ألبتة ، فلما كان في الليلة الثالثة قال : يا أخي : لا تلعب بعد هذا ، فإني ما اشتهيت أن أكذبك . 
قال الدقاق  في " رسالته " : أول من سمعت منه الشيخ الإمام السيد السديد الأوحد أبو القاسم عبد الرحمن  ، فرزقني الله ببركته وحسن نيته ، وجميل سيرته فهم الحديث . وكان جذعا في أعين المخالفين ، لا تأخذه في الله لومة لائم ، ووصفه أكثر من أن يحصى . 
وذكر أبو بكر أحمد بن هبة الله بن أحمد  ، أنه سمع من سعد الزنجاني  بمكة  يقول : حفظ الله الإسلام برجلين : أبي إسماعيل الأنصاري   [ ص: 353 ] وعبد الرحمن بن منده   . 
وقال السمعاني   : سمعت الحسن بن محمد بن الرضا العلوي  يقول : سمعت خالي أبا طالب بن طباطبا  يقول : كنت أشتم أبدا عبد الرحمن بن منده  ، فسافرت إلى جرباذقان  فرأيت أمير المؤمنين عمر  في النوم ، ويده في يد رجل عليه جبة زرقاء ، وفي عينه نكتة ، فسلمت عليه فلم يرد علي ، وقال : تشتم هذا ؟ فقيل لي في المنام : هذا عمر  ، وهذا عبد الرحمن بن منده   . فانتبهت ، ثم رجعت إلى أصبهان  ، وقصدت عبد الرحمن  ، فلما دخلت عليه ، صادفته كما رأيته في النوم ، فلما سلمت عليه ، قال : وعليك السلام يا أبا طالب   . وقبلها ما رآني ، ولا رأيته ، فقال لي قبل أن أكلمه : شيء حرمه الله ورسوله يجوز لنا أن نحله ؟ فقلت : اجعلني في حل . وناشدته الله ، وقبلت عينيه ، فقال : جعلتك في حل فيما يرجع إلي . 
قال السمعاني   : سألت إسماعيل بن محمد الحافظ  ، عن عبد الرحمن بن أبي عبد الله  ، فسكت ، وتوقف ، فراجعته ، فقال : سمع الكثير ، وخالف أباه في مسائل ، وأعرض عنه مشايخ الوقت ، ما تركني أبي أن أسمع منه . كان أخوه خيرا منه . 
قال المؤيد ابن الإخوة   : سمعت عبد اللطيف بن أبي سعد البغدادي  ،  [ ص: 354 ] سمعت أبي ، سمعت صاعد بن سيار  ، سمعت الإمام أبا إسماعيل الأنصاري  يقول في عبد الرحمن بن منده   : كانت مضرته أكثر من منفعته في الإسلام . 
قلت : أطلق عبارات بدعه بعضهم بها ، الله يسامحه . وكان زعرا على من خالفه ، فيه خارجية ، وله محاسن ، وهو في تواليفه حاطب ليل ; يروي الغث والسمين ، وينظم رديء الخرز مع الدر الثمين . 
قال يحيى   : مات عمي في سادس عشر شوال سنة سبعين وأربعمائة ، وصلى عليه أخوه عبد الوهاب  ، وشيعه عالم لا يحصون . 
وممن روى عنه أبو سعد بن البغدادي الحافظ  ، وأبو بكر الباغبان  ، وبالإجازة مسعود الثقفي  ، وأول ما حدث في سنة سبع وأربعمائة في حياة كبار مشايخه . 
أخبرنا قاسم بن مظفر  ، عن محمود بن إبراهيم  ، أخبرنا مسعود بن الحسن  ، أخبرنا عبد الرحمن بن محمد  إذنا ، أخبرنا أحمد بن محمد بن موسى الأهوازي  ، أخبرنا الحسين بن إسماعيل  ، حدثنا سلم بن جنادة  ، حدثنا أبو معاوية  وابن نمير  ، عن الأعمش  ، عن أبي صالح  ، عن  أبي هريرة  قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم : أيما مؤمن سببته أو لعنته أو جلدته ، فاجعلها له زكاة ورحمة  . 
أخرجه مسلم  عن  محمد بن عبد الله بن نمير  ، عن أبيه .  [ ص: 355 ] 
أخوه عبد الوهاب  سيأتي . 
				
						
						
