هو الفقيه أبو أمية ، شريح بن الحارث بن قيس بن الجهم الكندي ، قاضي الكوفة . ويقال : شريح بن شراحيل أو ابن شرحبيل . ويقال : هو من أولاد الفرس الذين كانوا باليمن . يقال : له صحبة ، ولم يصح ; بل هو ممن أسلم في حياة النبي -صلى الله عليه وسلم- وانتقل من اليمن زمن الصديق .
[ ص: 101 ] حدث عن عمر وعلي ، . وهو نزر الحديث . وعبد الرحمن بن أبي بكر
حدث عنه : ، قيس بن أبي حازم ، ومرة الطيب وتميم بن سلمة ، ، والشعبي ، وإبراهيم النخعي ، وغيرهم . وثقه وابن سيرين . يحيى بن معين
قال أبو إسحاق الشيباني ، عن الشعبي ، قال : كتب عمر إلى شريح : إذا أتاك أمر في كتاب الله ، فاقض به ، فإن لم يكن في كتاب الله وكان في سنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فاقض به ; فإن لم يكن فيهما ، فاقض بما قضى به أئمة الهدى ، فإن لم يكن فأنت بالخيار ، إن شئت تجتهد رأيك ، وإن شئت تؤامرني ، ولا أرى مؤامرتك إياي إلا أسلم لك .
صح أن عمر ولاه قضاء الكوفة . فقيل : أقام على قضائها ستين سنة . وقد قضى بالبصرة سنة ، وفد زمن معاوية إلى دمشق ، وكان يقال له : قاضي المصرين .
قال أحمد بن علي الأبار : حدثنا علي بن عبد الله بن معاوية بن ميسرة بن شريح القاضي ، حدثنا أبي عن أبيه معاوية ، عن شريح أنه جاء إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فأسلم وقال : يا رسول الله ، إن لي أهل بيت ذوي عدد باليمن . قال : جئ بهم فجاء بهم والنبي -صلى الله عليه وسلم- قد قبض .
روى عباس عن يحيى قال : شريح القاضي هو ابن شرحبيل ثقة .
أبو معشر البراء ، عن هشام ، عن محمد قلت لشريح : ممن أنت؟ قال : ممن أنعم الله عليه بالإسلام وعدادي في كندة .
وقيل : إنه إنما خرج من اليمن ; لأن أمه تزوجت بعد أبيه ، فاستحيا من ذلك ، فخرج وكان شاعرا قائفا .
[ ص: 102 ] قال أبو نعيم : حدثتنا أم داود الوابشية قالت : خاصمت إلى شريح وكان ليس له لحية .
روى أشعث ، عن ابن سيرين ، قال : أدركت الكوفة وبها أربعة ممن يعد بالفقه ، فمن بدأ بالحارث ، ثنى بعبيدة ، ومن بدأ بعبيدة ، ثنى بالحارث ، ثم علقمة ، ثم شريح . وإن أربعة أخسهم شريح لخيار .
وقال الشعبي : كان شريح أعلمهم بالقضاء ، وكان عبيدة يوازيه في علم القضاء .
قال أبو وائل : كان شريح يقل غشيان ابن مسعود للاستغناء عنه .
وقال الشعبي : بعث عمر بن سور على قضاء البصرة ، وبعث شريحا على قضاء الكوفة .
مجالد : عن الشعبي ، أن عمر رزق شريحا مائة درهم على القضاء .
الثوري : عن أبي إسحاق ، عن هبيرة بن يريم ، أن عليا جمع الناس في الرحبة ، وقال : إني مفارقكم ، فاجتمعوا في الرحبة ، فجعلوا يسألونه حتى نفد ما عندهم ولم يبق إلا شريح ، فجثا على ركبتيه ، وجعل يسأله . فقال له علي : اذهب فأنت أقضى العرب .
[ ص: 103 ] قال : كان إبراهيم النخعي شريح يقضي بقضاء عبد الله .
أخبرنا عمر بن محمد وجماعة سمعوا ابن اللتي أنبأنا أبو الوقت ، أنبأنا الداودي ، أنبأنا ابن حمويه أنبأنا عيسى بن عمر ، حدثنا أبو محمد الدارمي ، حدثنا يعلى بن عبيد ، حدثنا إسماعيل عن عامر ، قال : جاءت امرأة إلى علي -رضي الله عنه- تخاصم زوجها طلقها فقالت : قد حضت في شهرين ثلاث حيض . فقال علي لشريح : اقض بينهما : قال : يا أمير المؤمنين ، وأنت هاهنا؟ ! قال : اقض بينهما . قال : إن جاءت من بطانة أهلها من يرضى دينه وأمانته يزعم أنها حاضت ثلاث حيض تطهر عند كل قرء ، وتصلي ، جاز لها ، وإلا فلا . قال علي : قالون . وقالون بلسان الروم : أحسنت .
جرير : عن مغيرة ، قال : عزل ابن الزبير شريحا عن القضاء ، فلما ولي الحجاج رده .
الثوري : عن أبي هاشم ، أن فقيها جاء إلى شريح فقال : ما الذي أحدثت في القضاء؟ قال : إن الناس أحدثوا ، فأحدثت .
قال سفيان عن أبي حصين ، قال : قال خصم لشريح : قد علمت من أين أتيت ، فقال شريح : لعن الله الراشي والمرتشي والكاذب .
وقال ابن سيرين : كان شريح يقول للشاهدين : إنما يقضي على هذا الرجل أنتما ، وإني لمتق بكما فاتقيا .
[ ص: 104 ] واختصم إليه غزالون ، فقال بعضهم : إنه سنة بيننا ، قال : بل سنتكم بينكم .
زهير بن معاوية ، حدثنا عطاء بن السائب قال : مر علينا شريح فقلت : رجل جعل داره حبسا على قرابته ، قال : فأمر حبيبا ، فقال : أسمع الرجل : لا حبس عن فرائض الله .
قال الحسن بن حي ، عن : بلغنا أن ابن أبي ليلى عليا رزق شريحا خمس مائة .
قال واصل ، مولى أبي عيينة : كان نقش خاتم شريح : الخاتم خير من الظن .
قال ابن أبي خالد : رأيت شريحا يقضي ، وعليه مطرف خز وبرنس ، ورأيته معتما قد أرسلها من خلفه .
وروى الأعمش عن شريح قال : زعموا ، كنية الكذب .
وقال منصور : كان شريح إذا أحرم كأنه حية صماء .
تميم بن عطية : سمعت مكحولا يقول : اختلفت إلى شريح أشهرا لم أسأله عن شيء ، أكتفي بما أسمعه يقضي به .
[ ص: 105 ] حجاج بن أبي عثمان ، عن ابن سيرين : كان إذا قيل لشريح : كيف أصبحت؟ قال : أصبحت وشطر الناس علي غضاب .
حماد بن سلمة : حدثنا شعيب بن الحبحاب عن إبراهيم قال شريح : ما شددت لهواتي على خصم ، ولا لقنت خصما حجة قط .
ابن عيينة : عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد قال : اختصم إلى شريح في ولد هرة ، فقالت امرأة : هو ولد هرتي . وقالت الأخرى : بل هو ولد هرتي ، فقال شريح : ألقها مع هذه ، فإن هي قرت ودرت واسبطرت فهي لها ، وإن هي هرت وفرت واقشعرت ، فليس لها . وفي رواية : وازبأرت ، أي انتفشت ، وقوله اسبطرت ، أي امتدت للرضاع .
ابن عون عن إبراهيم ، قال : أقر رجل عند شريح ، ثم ذهب ينكر ، فقال : قد شهد عليك ابن أخت خالتك .
قال : خرجت قرحة بإبهام أبو إسحاق السبيعي شريح ، فقيل : ألا أريتها طبيبا؟ قال : هو الذي أخرجها .
وعن الشعبي ، قال شريح : إني لأصاب بالمصيبة ، فأحمد الله عليها أربع مرات ، أحمد إذ لم يكن أعظم منها ، وأحمد إذ رزقني الصبر عليها ، وأحمد إذ وفقني للاسترجاع لما أرجو من الثواب ، وأحمد إذ لم يجعلها في ديني .
قال مغيرة : كان لشريح بيت يخلو فيه يوم الجمعة ، لا يدري الناس ما يصنع فيه .
[ ص: 106 ] وقال : لبث ميمون بن مهران شريح في الفتنة -يعني فتنة ابن الزبير - تسع سنين لا يخبر ، فقيل له : قد سلمت . قال : كيف بالهوى .
وقيل : كان شريح قائفا عائفا ، أي : يزجر الطير ، ويصيب الحدس .
وروي لشريح :
رأيت رجالا يضربون نساءهم فشلت يميني حين أضرب زينبا وزينب شمس والنساء كواكب
إذا طلعت لم تبق منهن كوكبا
وقال أبو نعيم : عاش مائة وثماني سنين . وقال هو والمدائني والهيثم : توفي سنة ثمان وسبعين .
وقال خليفة وابن نمير : مات سنة ثمانين .
وقيل : إنه استعفى من القضاء قبل موته بسنة ، رحمه الله تعالى .