[ ص: 519 ] طغتكين
صاحب دمشق الملك أبو منصور طغتكين الأتابك ، من أمراء السلطان تتش بن ألب أرسلان السلجوقي ، فزوجه بأم ولده دقاق ، فقتل السلطان ، وتملك بعده ابنه دقاق ، وصار طغتكين مقدم عسكره ، ثم تملك بعد دقاق . وكان شهما شجاعا ، مهيبا مجاهدا في الفرنج ، مؤثرا للعدل ، يلقب ظهير الدين .
قال أبو يعلى بن القلانسي مرض ونحل ، ومات في صفر سنة اثنتين وعشرين وخمسمائة ، فأبكى العيون ، وأنكأ القلوب ، وفت في الأعضاد ، وفتت الأكباد ، وزاد في الأسف ، فرحمه الله ، وبرد مضجعه ، ثم ماتت زوجته الخاتون أم بوري بعده بأيام ، فدفنت بقبتها خارج باب الفراديس .
قلت : لولا أن الله أقام طغكين للإسلام بإزاء الفرنج ، وإلا كانوا غلبوا على دمشق ، فقد هزمهم غير مرة ، وأنجده عسكر الموصل ، مع مودود ، ومع البرسقي ، وسار إلى بغداد هو إلى خدمة السلطان محمد بن ملكشاه ، فبالغ في احترامه وإجلاله .
قال : تملك بعده ابنه الكبير ابن الأثير تاج الملوك بوري بعهد منه .
[ ص: 520 ] وقال : كان طغتكين شهما عادلا ، حزن عليه ابن الجوزي أهل دمشق ، فلم تبق محلة ولا سوق إلا والمأتم قائم فيه عليه لعدله ، وحسن سيرته ، حكم على الشام خمسا وثلاثين سنة ، وسار ابنه بسيرته مديدة ، ثم تغير وظلم .
قلت : قد كان طغتكين سيفا مسلولا على الفرنج ، ولكن له خرمة ، كان قد استفحل البلاء بداعي الإسماعيلية بهرام بالشام ، وكان يطوف المدائن والقلاع متخفيا ، ويغوي الأغتام والشطار ، وينقاد له الجهال ، إلى أن ظهر بدمشق بتقرير قرره صاحب ماردين إيلغازي مع طغتكين ، فأخذ يكرمه ، ويبالغ ، اتقاءا لشره ، فتبعه الغوغاء ، والسفهاء ، والفلاحون ، وكثروا ، ووافقه الوزير طاهر المزدقاني ، وبث إليه سره ، ثم التمس من الملك طغتكين قلعة يحتمي بها ، فأعطاه بانياس في سنة عشرين وخمسمائة ، فعظم الخطب ، وتوجع أهل الخير ، وتستروا من سبهم ، وكانوا قد قتلوا عدة من الكبار ، فما قصر تاج الملوك فقتل الوزير كمال الدين طاهر بن سعد المذكور في رمضان سنة ثلاث وعشرين بالقلعة ، ونصب رأسه ، وركب جنده ، فوضعوا السيف بدمشق في الملاحدة الإسماعيلية ، فسبكوا منهم في الحال نحوا من ستة آلاف نفس في الطرقات ، وكانوا قد تظاهروا ، وتفاقم أمرهم ، وراح في هذه الكائنة الصالح بالطالح .
وأما بهرام ، فتمرد وعتا ، وقتل شابا من أهل وادي التيم اسمه برق ، فقام عشيرته ، وتحالفوا على أخذ الثأر ، فحاربهم بهرام ، فكبسوه [ ص: 521 ] وذبحوه إلى اللعنة ، وسلمت الملاحدة بانياس للفرنج ، وذلوا .
وقيل : إن المزدقاني كاتب الفرنج ليسلم إليهم دمشق ، ويعطوه صور ، وأن يهجموا البلد يوم جمعة ، ووكل الملاحدة تغلق أبواب الجامع على الناس ، فقتله لهذا تاج الملوك رحمه الله ، وقد التقى الفرنج وهزمهم ، وكانت وقعة مشهودة .
وفي سنة عشرين أقبلت جموع الفرنج لأخذ دمشق ، ونزلوا بشقحب فجمع طغتكين التركمانيين وشطار دمشق ، والتقاهم في آخر العام ، وحمي القتال ، ثم فر طغتكين وفرسانه عجزا ، فعطفت الرجالة على خيام العدو ، وقتلوا في الفرنج ، وحازوا الأموال والغنائم ، فوقعت الهزيمة على الفرنج ، ونزل النصر .