أمير المؤمنين أبو جعفر منصور بن المسترشد بالله الفضل بن أحمد العباسي .
[ ص: 569 ] ولد سنة اثنتين وخمسمائة في رمضان فقيل : ولد بلا مخرج ، ففتق له مخرج بآلة من ذهب ، وأمه أم ولد .
خطب له بولاية العهد سنة ثلاث عشرة وخمسمائة ، واستخلف في ذي القعدة سنة تسع وعشرين .
وكان أبيض مليحا ، تام الشكل ، شديد الأيد ، يقال : إنه كان بدار الخلافة أيل عظيم اعترضه في البستان ، فأحجم الخدم ، فهجم على الأيل ، وأمسك بقرنيه ورماه ، وطلب منشارا ، فقطع قرنيه .
وكان حسن السيرة ، مؤثرا للعدل ، فصيحا عذب العبارة ، أديبا شاعرا ، جوادا ، لم تطل أيامه حتى خرج إلى الموصل ، ثم إلى أذربيجان ، وعاد إلى أصبهان ، فأقام على بابها مع السلطان داود ، محاصرا لها ، فقتلته الملاحدة هناك ، وكان بعد خروجه من بغداد مجيء السلطان مسعود بن محمد بن ملكشاه ، فاجتمع بالأعيان ، وخلعوا الراشد ، وبايعوا عمه المقتفي .
قال أبو طالب بن عبد السميع : من كلام الراشد : إنا نكره الفتن إشفاقا على الرعية ، ونؤثر العدل والأمن في البرية ، ويأبى المقدور إلا [ ص: 570 ] تصعب الأمور ، واختلاط الجمهور ، فنسأل الله العون على لم شعث الناس بإطفاء نائرة البأس .
قال أبو الحسن البيهقي في " وشاح دمية القصر " : أعطاه الله مع الخلافة صورة يوسفية ، وسيرة عمرية . الراشد بالله
أنشدني رسوله له :
زمان قد استنت فصال صروفه وذلل آساد الكرام لذي القرعى
أكولته تشكو صروف زمانه وليس لها مأوى وليس لها مرعى
فيا قلب لا تأسف عليه فربما ترى القوم في أكناف أفنائه صرعى
أقسم بالله وهل خليفه يحنث إن أقسم في اليمين
لاتزرن في الحروب صادقا لأكشف العار الذي يعلوني
مشمرا عن ساق عزمي طالبا ثأر الإمام الوالد الأمين
عمري عمري والذي قدر لي ما ينمحي المكتوب عن جبيني
قال : ثم بلغنا أن الراشد خرج من الموصل إلى بلاد أذربيجان إلى مراغة ، وكان معه جماعة ، فصادروا أهلها ، وعاثوا ، ثم ذهبوا إلى همذان ، فقتلوا بها ، وحلقوا لحى جماعة من الفقهاء ، وعتوا ، ومضوا إلى نواحي أصبهان ، فانتهبوا القرى ، وحاصروا البلد في جمع من أجناد داود بن محمود بن محمد ، فمرض الراشد مرضا أشفى منه ، بلغنا أن جماعة من العجم فراشين كانوا في خدمته ; اتصلوا به هناك ; دخلوا خركاهه في السابع والعشرين من رمضان سنة اثنتين وثلاثين فقتلوه [ ص: 572 ] بالسكاكين ، وقتلوا بعده كلهم .
وقيل : كان قد سقي سما ، ثم دفن بالمدينة العتيقة في حجرة من بناء نظام الملك ، وجاء الخبر إلى عمه المقتفي ، فعقدوا له العزاء يوما واحدا .
وقال عبد الجليل كوتاه : دفن بجنب الجامع بمدينة أصبهان . قال ابن النجار : زرت قبره بجي وهو خشب منقوش ، وعليه ستر أسود ، فيه كتابة من إبريسم ، وله فراشون وخدم ، وعقبه باق إلى آخر سنة ستمائة .
قلت : لما استخلف الراشد ، بعث إليه السلطان مسعود يتعنته ، ويطلب منه ذهبا كثيرا ، ثم قدم الأتابك زنكي وغيره ، فحسنوا له القتال لمسعود ، وكان شجاعا ، فخافوه ، ثم تغير عليه زنكي فقدم الملك داود بن محمود إلى الراشد ، وقصدوا السلطان مسعودا ، فسار مسعود من جهة أخرى ، فنازل بغداد يحاصرها ، ونهب عسكره واسط والنعمانية ، وتملك بغداد .
[ ص: 573 ] وقيل : إنه أخرج خط الراشد يقول : إني متى عسكرت أو خرجت ، انعزلت ، وبالغ في ذم علي بن طراد الوزير الراشد ، وخوف القضاة من غائلته ومن جوره ، فحكم القاضي ابن الكرخي بخلعه ، وعاش ثلاثين سنة ، رحمه الله وسامحه .