سنجر
السلطان ، ملك خراسان معز الدين ، سنجر بن السلطان ملكشاه بن ألب أرسلان بن جغريبك بن ميكائيل بن سلجوق الغزي التركي السلجوقي ، صاحب خراسان وغزنة وبعض ما وراء النهر .
خطب له بالعراق وأذربيجان والشام والجزيرة وديار بكر وأران والحرمين .
واسمه بالعربي أبو الحارث أحمد بن حسن بن محمد بن داود . كذا قال السمعاني ، لكن قال في أبيه : حسن إن شاء الله .
ولد بسنجار من الجزيرة في رجب سنة تسع وسبعين وأربعمائة ، إذ [ ص: 363 ] توجه أبوه لغزو الروم ، ونشأ ببلاد الخوز ، ثم سكن خراسان ، وتدير مرو .
قال ابن خلكان ولي نيابة عن أخيه السلطان بركياروق سنة تسعين وأربعمائة ، ثم استقل بالملك في سنة اثنتي عشرة وخمسمائة .
قال السمعاني : كان في أيام أخيه يلقب بالملك المظفر إلى أن توفي أخوه محمد بالعراق في آخر سنة إحدى عشرة ، فتسلطن ، ورث الملك عن آبائه ، وزاد عليهم ، وملك البلاد ، وقهر العباد ، وخطب له على أكثر منابر الإسلام .
وكان وقورا حييا ، كريما سخيا ، مشفقا ، ناصحا لرعيته ، كثير الصفح ، جلس على سرير الملك قريبا من ستين سنة .
قال : وحكى أنه دخل مع أخيه محمد على ، قال : فلما وقفنا ظنني السلطان ، فافتتح كلامه معي ، فخدمت ، وقلت : يا مولانا ، هو السلطان ، وأشرت إلى أخي ، ففوض إليه السلطنة ، وجعلني ولي عهده . أجاز المستظهر بالله أبو الحسن علي بن أحمد المديني لسنجر مسموعاته ، فقرأت عليه بها أحاديث ، وقد ثقل سمعه .
قال حارب ابن الجوزي سنجر الغز -يعني : قبل سنة خمسين وخمسمائة- فأسروه ، ثم تخلص بعد مدة .
وقال ابن خلكان كان من أعظم الملوك همة ، وأكثرهم عطاء ، [ ص: 364 ] ذكر أنه اصطبح خمسة أيام متوالية ذهب بها في الجود كل مذهب ، فبلغ ما وهب من العين سبعمائة ألف دينار سوى الخلع والخيل .
قال : وقال خازنه : اجتمع في خزائنه من الأموال ما لم يسمع أنه اجتمع في خزائن ملك ، قلت له يوما : حصل في خزائنك ألف ثوب ديباج أطلس ، وأحب أن تراها ، فسكت ، فأبرزت جميعها ، فحمد الله ، ثم قال : يقبح بمثلي أن يقال : مال إلى المال . وأذن للأمراء في الدخول ، وفرق عليهم الثياب . قال : واجتمع عنده من الجواهر ألف رطل ونيف ، ولم يسمع عند ملك ما يقارب هذا .
قال ابن خلكان لم يزل في ازدياد إلى أن ظهرت عليه الغز في سنة 548 وهي وقعة مشهورة استشهد فيها الفقيه محمد بن يحيى ، فكسروه ، وانحل نظام ملكه ، وملكوا نيسابور ، وقتلوا خلقا كثيرا ، وأخذوا السلطان وضربوا رقاب عدة من أمرائه ، ثم قبلوا الأرض ، وقالوا : أنت سلطاننا ، وبقي معهم مثل جندي يركب أكديشا ، ويجوع وقتا ، وأتوا به ، فدخلوا معه مرو ، فطلبها منه أميرهم بختيار إقطاعا ، فقال : كيف يصير هذا ؟! هذه دار الملك . فصفى له ، وضحكوا ، فنزل عن الملك ، ودخل إلى خانقاه مرو ، وعملت الغز ما لا تعمله الكفار من العظائم ، وانضمت العساكر ، فملكوا مملوك سنجر أيبه ، وجرت مصائب على خراسان ، فبقي في أسرهم ثلاث سنين وأربعة أشهر ، ثم أفلت منهم ، وعاد إلى خراسان ، [ ص: 365 ] وزال بموته ملك بني سلجوق عن خراسان ، واستولى على أكثر مملكته خوارزم شاه أتسز بن محمد بن نوشتكين ، ومات أتسز قبل سنجر .
قال السمعاني : مات في الرابع والعشرين من ربيع الأول سنة اثنتين وخمسين وخمسمائة ودفن في قبة بناها ، وسماها دار الآخرة .
قال لما جاء خبر موته إلى ابن الجوزي بغداد ، قطعت خطبته ، ولم يعقد له عزاء .
قال السمعاني : تسلطن بعده ابن أخته الخاقان محمود بن محمد بن بغراجان .
قلت : وقد عمل في أثناء دولته مصافا ما سمع بمثله أبدا مع كافر ترك ، انكسر سنجر فيها ، وقتل من جنده سبعون ألفا .