[ ص: 204 ] الخبوشاني
الفقيه الكبير ، الزاهد نجم الدين ، أبو البركات محمد بن موفق بن سعيد ، الخبوشاني الشافعي ، الصوفي .
تفقه على محمد بن يحيى وبرع .
قال ابن خلكان فكان يستحضر كتابه " المحيط " وهو ستة عشر مجلدا .
وقال المنذري ولد سنة عشر وخمسمائة وحدث عن هبة الرحمن ابن القشيري . وقدم مصر فأقام بمسجد مدة ، ثم بتربة [ ص: 205 ] الشافعي ، وتبتل لإنشائها ، ودرس بها ، وأفتى وصنف . وخبوشان من قرى نيسابور .
قال ابن خلكان كان السلطان صلاح الدين يقربه ، ويعتقد فيه ، ورأيت جماعة من أصحابه ، فكانوا يصفون فضله ودينه وسلامة باطنه .
وقال الموفق عبد اللطيف : سكن السميساطية ، وعرف الأمير نجم الدين أيوب ، وأخاه ، وكان قشفا في العيش ، يابسا في الدين ، وكان يقول : أصعد إلى مصر ، وأزيل ملك بني عبيد اليهودي ، إلى أن قال : فنزل بالقاهرة ، وصرح بثلب أهل القصر ، وجعل سبهم تسبيحه ، فحاروا فيه ، فنفذوا إليه بمال عظيم قيل : أربعة آلاف دينار ، فقال للرسول : ويلك ، ما هذه البدعة ؟! فأعجله ، فرمى الذهب بين يديه ، فضربه ، وصارت عمامته حلقا ، وأنزله من السلم .
ومات العاضد ، وتهيبوا الخطبة لبني العباس ، فوقف الخبوشاني بعصاه قدام المنبر ، وأمر الخطيب بذلك ، ففعل ، ولم يكن إلا الخير ، وزينت بغداد .
ولما بنى مكان ، نبش عظام الشافعي ابن الكيزاني ، وقال : لا يكون صديق وزنديق معا ، فشد الحنابلة عليه ، وتألبوا ، وصار بينهم حملات حربية وغلبهم .
وجاء العزيز إلى زيارته وصافحه ، فطلب ماء ، وغسل يده ، وقال : يا ولدي إنك تمس العنان ، ولا يتوقى الغلمان ، قال : فاغسل وجهك ، فإنك مسحت وجهك . قال : نعم ، وغسله .
[ ص: 206 ] وكان أصحابه يأكلون بسببه الدنيا ، ولا يسمع فيهم ، وهم عنده معصومون .
وكان متى رأى ذميا راكبا قصد قتله ، فظفر بواحد طبيب يعرف بابن شوعة ، فأندر عينه بعصاه ، فذهبت هدرا .
وقيل : التمس من السلطان إسقاط ضرائب لا يمكن إسقاطها ، وساء خلقه ، فقال : قم لا نصرك الله ! ووكزه بعصاه ، فوقعت قلنسوته ، فوجم لذلك ، ثم حضر وقعة ، فكسر ، فظن أنه بدعائه فجاء وقبل يديه ، وسأله العفو .
وجاءه حاجب نائب مصر المظفر تقي الدين عمر ، وقال له : تقي الدين يسلم عليك . [ فقال الخبوشاني ] قل : بل شقي الدين لا سلم الله عليه ، قال : إنه يعتذر ، ويقول : ليس له موضع لبيع المزر . قال : يكذب . قال : إن كان ثم مكان ، فأرناه . قال : ادن . فدنا ، فأمسك [ ص: 207 ] بشعره ، وجعل يلطم على رأسه ، ويقول : لست مزارا فأعرف مواضع المزر ، فخلصوه منه .
وعاش عمره لم يأخذ درهما لملك ، ولا من وقف ، ودفن في الكساء الذي صحبه من بلده ، وكان يأكل من تاجر صحبه من بلده .
وأتاه القاضي الفاضل لزيارة ، فرآه يلقي الدرس ، فجلس وجنبه إلى القبر ، فصاح : قم قم ، ظهرك إلى الإمام ؟ ! فقال : إن كنت مستدبره بقالبي ، فأنا مستقبله بقلبي . فصاح فيه ، وقال : ما تعبدنا بهذا ، فخرج وهو لا يعقل . الشافعي
قلت : مات الخبوشاني في ذي القعدة سنة سبع وثمانين وخمسمائة .