السهروردي
العلامة ، الفيلسوف السيماوي المنطقي شهاب الدين يحيى بن حبش بن أميرك السهروردي ، من كان يتوقد ذكاء ، إلا أنه قليل الدين .
وقال ابن أبي أصيبعة اسمه عمر ، وكان أوحد في حكمة الأوائل ، [ ص: 208 ] بارعا في أصول الفقه ، مفرط الذكاء ، فصيحا ، لم يناظر أحدا إلا أربى عليه .
قال الفخر المارديني ما أذكى هذا الشاب وأفصحه ، إلا أني أخشى عليه لكثرة تهوره واستهتاره .
قال : ثم إنه ناظر فقهاء حلب ، فلم يجاره أحد ، فطلبه الظاهر ، وعقد له مجلسا ، فبان فضله ، فقربه الظاهر واختص به ، فشنعوا ، وعملوا محاضر بكفره ، وبعثوها إلى السلطان ، وخوفوه أن يفسد اعتقاد ولده ، فكتب إلى ولده بخط الفاضل يأمره بقتله حتما ، فلما لم يبق إلا قتله ، اختار لنفسه أن يمات جوعا ، ففعل ذلك في أواخر سنة ست وثمانين بقلعة حلب ، وعاش ستا وثلاثين سنة .
قال ابن أبي أصيبعة : وحدثني إبراهيم بن صدقة الحكيم ، قال : خرجنا من باب الفرج معه ، فذكرنا السيمياء ، فقال : ما أحسن هذه المواضع ، فنظرنا من ناحية الشرق جواسق مبيضة كبيرة مزخرفة ، في طاقاتها نساء كالأقمار ومغاني ، فتعجبنا ، وانذهلنا ، فبقينا ساعة وعدنا إلى ما كنا نعهده ، إلا أني عند رؤية ذلك بقيت أحس من نفسي كأنني في سنة خفية ، ولم يكن إدراكي كالحالة التي أتحققها مني .
وحدثني عجمي قال : كنا مع السهروردي بالقابون فقلنا : يا مولانا ، نريد رأس غنم ، فأعطانا [ ص: 209 ] عشرة دراهم ، فاشترينا بها رأسا ، ثم تنازعنا نحن والتركماني فقال الشيخ : روحوا بالرأس ، أنا أرضيه ، ثم تبعنا الشيخ ، فقال التركماني أرضني ، فما كلمه ، فجاء وجذب يده ، فإذا بيد الشيخ قد انخلعت من كتفه ، وبقيت في يد ذاك ، ودمها يشخب ، فرماها ، وهرب ، فأخذ الشيخ يده باليد الأخرى ، وجاء ، فرأينا في يده منديله لا غير .
قال الضياء صقر في سنة تسع وسبعين قدم السهروردي ، ونزل في الحلاوية ومدرسها الافتخار الهاشمي ، فبحث ، وعليه دلق وله إبريق وعكاز ، فأخرج له الافتخار ثوب عتابي وبقيارا وغلالة ، ولباسا مع ابنه إليه ، فقال : اقض لي حاجة ، وأخرج فصا كالبيضة ، وقال : ناد لي عليه .
قال : فجاب خمسة وعشرين ألفا ، فطلع به العريف إلى الظاهر ، فدفع فيه ثلاثين ألفا ، فجاء وشاوره ، فغضب ، وأخذ الفص ، وضربه بحجر فتته ، وقال : خذ الثياب ، وقبل يد والدك ، وقل له : لو أردنا [ ص: 210 ] الملبوس ما غلبنا ، وأما السلطان ، فطلب العريف ، وقال : أريد الفص ، قال : هو لابن الافتخار ، فنزل السلطان إلى المدرسة ، ثم اجتمع بالسهروردي ، وأخذه معه ، وصار له شأن عظيم ، وبحث مع الفقهاء ، وعجزهم .
إلى أن قال : فأفتوا في دمه ، فقيل : خنق ، ثم بعد مدة حبس الظاهر جماعة ممن أفتى ، وصادرهم . وحدثني السديد محمود بن زقيقة قال : كنت أتمشى مع السهروردي في جامع ميافارقين ، وعليه جبة قصيرة ، وعلى رأسه فوطة ، وهو بزربول كأنه خربندا . وللشهاب شعر جيد .
وله كتاب " التلويحات اللوحية والعرشية " ، وكتاب " اللمحة " وكتاب " هياكل النور " ، وكتاب " المعارج والمطارحات " ، وكتاب " حكمة الإشراق " ، وسائرها ليست من علوم الإسلام .
وكان قد قرأ على المجد الجيلي بمراغة ، وكان شافعيا ، ويلقب بالمؤيد بالملكوت .
قال ابن خلكان وكان يتهم بالانحلال والتعطيل ، ويعتقد مذهب الأوائل اشتهر ذلك عنه ، وأفتى علماء حلب بقتله ، وأشدهم الزين [ ص: 211 ] والمجد ابنا جهبل .
قلت : أحسنوا وأصابوا .
قال الموفق يعيش النحوي لما تكلموا فيه ، قال له تلميذه : إنك تقول : النبوة مكتسبة ، فانزح بنا ، قال : حتى نأكل بطيخ حلب ، فإن بي طرفا من السل ، ثم خرج إلى قرية بها بطيخ ، فأقمنا أياما ، فجاء يوما إلى محفرة لتراب الرأس ، فحفر حتى ظهر له حصى ، فدهنه بدهن معه ، ولفه في قطن ، وحمله في وسطه أياما ، ثم ظهر كله ياقوتا أحمر ، فباع منه ، ووهب أصحابه ، ولما قتل كان معه منه .
قلت : كان أحمق طياشا منحلا .
حكى عنه أنه قال : لا بد لي أن أملك الدنيا . قلت من أين لك هذا ؟ قال : رأيت كأني شربت ماء البحر ، قلت : لعل يكون اشتهار علمك ، فلم يرجع عما في نفسه . ووجدته كثير العلم ، قليل العقل . له عدة مصنفات . السيف الآمدي
قلت : قتل في أوائل سنة سبع ثمانين وخمسمائة .