سعيد بن جبير ( ع ) 
ابن هشام ، الإمام الحافظ المقرئ المفسر الشهيد ، أبو محمد ، ويقال : أبو عبد الله الأسدي الوالبي ، مولاهم الكوفي ، أحد الأعلام . 
 [ ص: 322 ] روى عن ابن عباس  فأكثر وجود ، وعن عبد الله بن مغفل  ،  وعائشة  ،  وعدي بن حاتم  ،  وأبي موسى الأشعري  في سنن  النسائي  ،  وأبي هريرة  ،  وأبي مسعود البدري   - وهو مرسل - وعن ابن عمر  ، وابن الزبير  ،  والضحاك بن قيس  ، وأنس  ،  وأبي سعيد الخدري   . 
وروى عن التابعين ، مثل  أبي عبد الرحمن السلمي   . وكان من كبار العلماء . 
قرأ القرآن على ابن عباس   . قرأ عليه أبو عمرو بن العلاء  وطائفة . 
وحدث عنه أبو صالح السمان  ، وآدم بن سليمان والد يحيى  ، وأشعث بن أبي الشعثاء  ،  وأيوب السختياني  وبكير بن شهاب  ، وثابت بن عجلان  ، وأبو المقدام ثابت بن هرمز  ، وجعفر بن أبي المغيرة  ، وأبو بشر جعفر بن أبي وحشية  ،  وحبيب بن أبي ثابت  ، وحبيب بن أبي عمرة  ، وحسان بن أبي الأشرس  ، وحصين  ، والحكم  ، وحماد  ،  وخصيف الجزري  ، وزر الهمداني  ، وزيد العمي  ، وسالم الأفطس  ،  وسلمة بن كهيل  ، وسليمان بن أبي المغيرة  ، وسليمان الأحول  ، وسليمان الأعمش  ،  وسماك بن حرب  ، وأبو سنان ضرار بن مرة  ، وطارق بن عبد الرحمن  ،  وطلحة بن مصرف  ، وأبو سنان طلحة بن نافع  ، وأبو حريز عبد الله بن حسين  ، وابنه عبد الله بن سعيد  ، وعبد الله بن عثمان بن خثيم  ،  [ ص: 323 ] وعبد الله بن عيسى بن أبي ليلى  ، وعبد الأعلى بن عامر الثعلبي  ،  وعبد الكريم الجزري  ، وعبد الكريم أبو أمية البصري  ، وابنه عبد الملك بن سعيد  ،  وعبد الملك بن أبي سليمان  ، وعبد الملك بن ميسرة  ، وعثمان بن حكيم  ، وعثمان بن أبي سليمان  ، وعثمان بن قيس  ،  وعدي بن ثابت  ، وعزرة بن عبد الرحمن  ،  وعطاء بن السائب  ، وعكرمة بن خالد  ، وعلي بن بذيمة  ،  وعمار الدهني  ،  وعمرو بن دينار  ، وعمرو بن سعيد البصري  ، وعمرو بن عمرو المدني  ،  وعمرو بن مرة  ، وعمرو بن هرم  ، وفرقد السبخي  ، وفضيل بن عمرو الفقيمي  ، والقاسم بن أبي أيوب  ، والقاسم بن أبي بزة  ، وكثير بن كثير بن المطلب  ، وكلثوم بن جبر  ،  ومالك بن دينار  ، ومجاهد  رفيقه ،  ومحمد بن سوقة  ، ومحمد بن أبي محمد  ،  والزهري  ، ومحمد بن واسع  ، ومسعود بن مالك  ، ومسلم البطين  ، والمغيرة بن النعمان  ، ومنصور بن حيان  ،  ومنصور بن المعتمر  ،  والمنهال بن عمرو  ، وموسى بن أبي عائشة  ، وأبو شهاب الحناط الأكبر موسى بن نافع  ،  وميمون بن مهران  ،  وهشام بن حسان  ، وهلال بن خباب  ، ووبرة بن عبد الرحمن  ، ووهب بن مأنوس  ، وأبو هبيرة يحيى بن عباد  ، ويحيى بن ميمون أبو المعلى العطار  ، ويعلى بن حكيم  ، ويعلى بن مسلم  ،  وأبو إسحاق السبيعي  ، وأبو حصين الأسدي  ،  وأبو الزبير المكي  ، وأبو الصهباء الكوفي  ، وأبو عون الثقفي  ،  وأبو هاشم الرماني  ، وخلق كثير . 
روى ضمرة بن ربيعة  ، عن أصبغ بن زيد  ، قال : كان  لسعيد بن جبير  ديك ، كان يقوم من الليل بصياحه ، فلم يصح ليلة من الليالي حتى أصبح ، فلم يصل سعيد تلك الليلة ، فشق عليه ، فقال : ما له قطع الله صوته ؟ فما سمع له صوت بعد . فقالت له أمه : يا بني ، لا تدع على شيء بعدها  . 
 [ ص: 324 ] قال أبو الشيخ   : قدم سعيد  أصبهان  زمن الحجاج  ، وأخذوا عنه . 
وعن عمر بن حبيب  قال : كان سعيد بن جبير  بأصبهان  لا يحدث ، ثم رجع إلى الكوفة  فجعل يحدث ، فقلنا له في ذلك فقال : انشر بزك حيث تعرف  . 
قال عطاء بن السائب   : كان سعيد بن جبير  بفارس  ، وكان يتحزن ، يقول : ليس أحد يسألني عن شيء . وكان يبكينا ، ثم عسى أن لا يقوم حتى نضحك  . 
شعبة  ، عن القاسم بن أبي أيوب   : كان سعيد بن جبير  بأصبهان  ، وكان غلام مجوسي يخدمه ، وكان يأتيه بالمصحف في غلافه  . 
قال القاسم بن أبي أيوب   : سمعت سعيدا  يردد هذه الآية في الصلاة بضعا وعشرين مرة واتقوا يوما ترجعون فيه إلى الله   . 
أنبأنا أحمد بن أبي الخير  ، عن اللبان  ، أنبأنا الحداد  ، أنبأنا أبو نعيم  ، حدثنا  أحمد بن جعفر  ، حدثنا عبد الله بن أحمد  ، حدثنا سعيد بن أبي الربيع السمان  ، حدثنا أبو عوانة  ، عن إسحاق مولى عبد الله بن عمر  ، عن هلال بن يساف  ، قال : دخل سعيد بن جبير  الكعبة  فقرأ القرآن في ركعة  . 
الحسن بن صالح  ، عن وقاء بن إياس  ، قال : كان سعيد بن جبير  يختم القرآن فيما بين المغرب والعشاء في شهر رمضان ، وكانوا يؤخرون العشاء  . 
 [ ص: 325 ] قلت : هذا خلاف السنة ، وقد صح النهي عن قراءة القرآن في أقل من ثلاث . 
يزيد : أنبأنا عبد الملك بن أبي سليمان  ، عن سعيد بن جبير  ، أنه كان يختم القرآن في كل ليلتين  . 
يعقوب القمي  ، عن جعفر بن أبي المغيرة   : كان ابن عباس  إذا أتاه أهل الكوفة   يستفتونه ، يقول : أليس فيكم ابن أم الدهماء ؟  يعني سعيد بن جبير   . 
قال ابن مهدي  ، عن سفيان  ، عن عمرو بن ميمون  ، عن أبيه قال : لقد مات سعيد بن جبير  وما على ظهر الأرض أحد إلا وهو محتاج إلى علمه . 
وقال ضرار بن مرة  ، عن سعيد بن جبير  ، قال : التوكل على الله جماع الإيمان . 
وكان يدعو : اللهم إني أسألك صدق التوكل عليك ، وحسن الظن بك  . 
أبو عوانة  ، عن هلال بن خباب  ، قال : خرجت مع سعيد بن جبير  في رجب ، فأحرم من الكوفة  بعمرة ، ثم رجع من عمرته ، ثم أحرم بالحج في النصف من ذي القعدة ، وكان يحرم في كل سنة مرتين ، مرة للحج ، ومرة للعمرة  . 
 [ ص: 326 ] ابن لهيعة  ، عن عطاء بن دينار  ، عن سعيد بن جبير  ، قال : إن الخشية أن تخشى الله حتى تحول خشيتك بينك وبين معصيتك ، فتلك الخشية ، والذكر طاعة الله ، فمن أطاع الله فقد ذكره ، ومن لم يطعه فليس بذاكر وإن أكثر التسبيح وتلاوة القرآن . 
وروي عن حبيب بن أبي ثابت   : قال لي سعيد بن جبير   : لأن أنشر علمي أحب إلي من أن أذهب به إلى قبري  . 
قال هلال بن خباب   : قلت  لسعيد بن جبير   : ما علامة هلاك الناس ؟ قال : إذا ذهب علماؤهم  . 
وقال عمر بن ذر   : كتب سعيد بن جبير  إلى أبي كتابا أوصاه بتقوى الله وقال : إن بقاء المسلم كل يوم غنيمة ، فذكر الفرائض والصلوات وما يرزقه الله من ذكره  . 
أحمد  حدثنا معتمر  ، عن الفضيل بن ميسرة  ، عن أبي حريز  ، أن سعيد بن جبير  قال : لا تطفئوا سرجكم ليالي العشر . تعجبه العبادة ويقول : أيقظوا خدمكم يتسحرون لصوم يوم عرفة   . 
عباد بن العوام   : أنبأنا هلال بن خباب   : خرجنا مع سعيد بن جبير  في  [ ص: 327 ] جنازة ، فكان يحدثنا في الطريق ويذكرنا ، حتى بلغ ، فلما جلس ، لم يزل يحدثنا حتى قمنا ، فرجعنا ، وكان كثير الذكر لله  . 
وعن سعيد  ، قال : وددت الناس أخذوا ما عندي ; فإنه مما يهمني  . 
أبو بكر بن عياش  ، عن أبي حصين  ، قال : أتيت سعيد بن جبير  بمكة  ، فقلت : إن هذا الرجل قادم - يعني  خالد بن عبد الله   - ولا آمنه عليك ، فأطعني واخرج . فقال : والله لقد فررت حتى استحييت من الله . قلت : إني لأراك كما سمتك أمك سعيدا   . فقدم خالد  مكة  ، فأرسل إليه فأخذه  . 
أحمد   : حدثنا إبراهيم بن خالد  ، حدثنا أمية بن شبل  ، عن عثمان بن برذويه  قال : كنت مع وهب   وسعيد بن جبير  يوم عرفة  بنخيل ابن عامر ، فقال له وهب   : يا أبا عبد الله  ، كم لك منذ خفت من الحجاج  ؟ قال : خرجت عن امرأتي وهي حامل ، فجاءني الذي في بطنها وقد خرج وجهه . فقال وهب   : إن من قبلكم كان إذا أصاب أحدهم بلاء عده رخاء ، وإذا أصابه رخاء عده بلاء  . 
 [ ص: 328 ] قال سالم بن أبي حفصة  لما أتي الحجاج  بسعيد بن جبير  قال : أنا سعيد بن جبير  ، قال : أنت شقي بن كسير ، لأقتلنك . قال : فإذا أنا كما سمتني أمي ، ثم قال : دعوني أصل ركعتين . قال : وجهوه إلى قبلة النصارى   . قال : فأينما تولوا فثم وجه الله  وقال : إني أستعيذ منك بما عاذت به مريم   . قال : وما عاذت به ؟ قال : قالت : إني أعوذ بالرحمن منك إن كنت تقيا   . 
رواها ابن عيينة  ، عن سالم   . ثم قال ابن عيينة   : لم يقتل بعد سعيد  إلا رجلا واحدا . 
وعن عتبة مولى الحجاج  ، قال : حضرت سعيدا  حين أتي به الحجاج  بواسط ، فجعل الحجاج  يقول : ألم أفعل بك ؟ ! ألم أفعل بك ؟ ! فيقول : بلى . قال : فما حملك على ما صنعت من خروجك علينا ؟ قال : بيعة كانت علي - يعني لابن الأشعث   - فغضب الحجاج  وصفق بيديه ، وقال : فبيعة أمير المؤمنين كانت أسبق وأولى . وأمر به ، فضربت عنقه  . 
وقيل : لو لم يواجهه سعيد بن جبير  بهذا ، لاستحياه كما عفا عن الشعبي  لما لاطفه في الاعتذار . 
حامد بن يحيى البلخي   : حدثنا حفص أبو مقاتل السمرقندي  ، حدثنا عون بن أبي شداد   : بلغني أن الحجاج  لما ذكر له سعيد بن جبير  أرسل إليه قائدا يسمى المتلمس بن أحوص  في عشرين من أهل الشام    . فبينما هم يطلبونه إذا هم براهب في صومعته ، فسألوه عنه فقال : صفوه لي ، فوصفوه فدلهم عليه ، فانطلقوا فوجدوه ساجدا يناجي بأعلى صوته ، فدنوا وسلموا ،  [ ص: 329 ] فرفع رأسه ، فأتم بقية صلاته ، ثم رد السلام ، فقالوا : إنا رسل الحجاج  إليك ، فأجبه ، قال : ولا بد من الإجابة ؟ قالوا : لا بد . فحمد الله وأثنى عليه وقام معهم حتى انتهى إلى دير الراهب ، فقال الراهب : يا معشر الفرسان أصبتم صاحبكم ؟ قالوا : نعم . فقال : اصعدوا ، فإن اللبؤة والأسد يأويان حول الدير . ففعلوا وأبى سعيد  أن يدخل . فقالوا : ما نراك إلا وأنت تريد الهرب منا ، قال : لا ، ولكن لا أدخل منزل مشرك أبدا ، قالوا : فإنا لا ندعك ، فإن السباع تقتلك ، قال : لا ضير ، إن معي ربي يصرفها عني ويجعلها حرسا تحرسني ، قالوا : فأنت من الأنبياء ؟ قال : ما أنا من الأنبياء ، ولكن عبد من عبيد الله مذنب . قال الراهب : فليعطني ما أثق به على طمأنينة . فعرضوا على سعيد  أن يعطي الراهب ما يريد ، قال : إني أعطي العظيم الذي لا شريك له ، لا أبرح مكاني حتى أصبح إن شاء الله . فرضي الراهب بذلك ، فقال لهم : اصعدوا وأوتروا القسي لتنفروا السباع عن هذا العبد الصالح ; فإنه كره الدخول في الصومعة لمكانكم . فلما صعدوا وأوتروا القسي ، إذا هم بلبؤة قد أقبلت ، فلما دنت من سعيد  ، تحككت به وتمسحت به ، ثم ربضت قريبا منه . وأقبل الأسد يصنع كذلك . فلما رأى الراهب ذلك وأصبحوا ، نزل إليه ، فسأله عن شرائع دينه ، وسنن رسوله ، ففسر له سعيد  ذلك كله ، فأسلم . وأقبل القوم على سعيد  يعتذرون إليه ويقبلون يديه ورجليه ، ويأخذون التراب الذي وطئه فيقولون : يا سعيد  ، حلفنا الحجاج  بالطلاق والعتاق ، إن نحن رأيناك لا ندعك حتى نشخصك إليه ، فمرنا بما شئت ، قال : امضوا لأمركم ، فإني لائذ بخالقي ولا راد لقضائه ، فساروا حتى بلغوا واسطا فقال سعيد   : قد تحرمت بكم وصحبتكم ، ولست أشك أن أجلي قد حضر فدعوني الليلة آخذ أهبة الموت ، وأستعد لمنكر ونكير ، وأذكر عذاب القبر ، فإذا أصبحتم  [ ص: 330 ] فالميعاد بيننا المكان الذي تريدون . فقال بعضهم : لا تريدون أثرا بعد عين ، وقال بعضهم : قد بلغتم أمنكم واستوجبتم جوائز الأمير ، فلا تعجزوا عنه . وقال بعضهم : يعطيكم ما أعطى الراهب ، ويلكم أما لكم عبرة بالأسد ؟ ! ونظروا إلى سعيد  قد دمعت عيناه ، وشعث رأسه ، واغبر لونه ، ولم يأكل ولم يشرب ولم يضحك منذ يوم لقوه وصحبوه ، فقالوا : يا خير أهل الأرض ، ليتنا لم نعرفك ، ولم نسرح إليك ، الويل لنا ويلا طويلا ، كيف ابتلينا بك ! اعذرنا عند خالقنا يوم الحشر الأكبر ، فإنه القاضي الأكبر ، والعدل الذي لا يجور . قال : ما أعذرني لكم وأرضاني لما سبق من علم الله في . فلما فرغوا من البكاء والمجاوبة ، قال كفيله : أسألك بالله لما زودتنا من دعائك وكلامك ، فإنا لن نلقى مثلك أبدا . ففعل ذلك ، فخلوا سبيله ، فغسل رأسه ومدرعته وكساءه وهم محتفون الليل كله ، ينادون بالويل واللهف . فلما انشق عمود الصبح ، جاءهم سعيد  فقرع الباب ، فنزلوا وبكوا معه ، وذهبوا به إلى الحجاج  ، وآخر معه ، فدخلا ، فقال الحجاج   : أتيتموني بسعيد بن جبير  ؟ قالوا نعم ، وعاينا منه العجب . فصرف بوجهه عنهم . فقال : أدخلوه علي . فخرج المتلمس  فقال لسعيد  أستودعك الله ، وأقرأ عليك السلام . فأدخل عليه . فقال : ما اسمك ؟ قال : سعيد بن جبير  ، قال : أنت شقي بن كسير . قال : بل أمي كانت أعلم باسمي منك . قال : شقيت أنت وشقيت أمك . قال : الغيب يعلمه غيرك . قال : لأبدلنك بالدنيا نارا تلظى . قال : لو علمت أن ذلك  [ ص: 331 ] بيدك لاتخذتك إلها . قال : فما قولك في محمد  صلى الله عليه وسلم ؟ قال : نبي الرحمة ، إمام الهدى . قال : فما قولك في علي ، في الجنة هو أم في النار ؟ قال : لو دخلتها ، فرأيت أهلها عرفت . قال : فما قولك في الخلفاء ؟ قال : لست عليهم بوكيل . قال : فأيهم أعجب إليك ؟ قال : أرضاهم لخالقي . قال : فأيهم أرضى للخالق ؟ قال : علم ذلك عنده . قال : أبيت أن تصدقني . قال : إني لم أحب أن أكذبك . قال : فما بالك لم تضحك ؟ قال : لم تستو القلوب . 
قال : ثم أمر الحجاج  باللؤلؤ والياقوت والزبرجد فجمعه بين يدي سعيد  ، فقال : إن كنت جمعته لتفتدي به من فزع يوم القيامة فصالح ، وإلا ففزعة واحدة تذهل كل مرضعة عما أرضعت ، ولا خير في شيء جمع للدنيا ، إلا ما طاب وزكا . ثم دعا الحجاج  بالعود والناي ، فلما ضرب بالعود ونفخ في الناي بكى ، فقال الحجاج   : ما يبكيك ؟ هو اللهو . قال : بل هو الحزن ، أما النفخ ، فذكرني يوم نفخ الصور ، وأما العود ، فشجرة قطعت من غير حق ، وأما الأوتار فأمعاء شاة يبعث بها معك يوم القيامة . 
فقال الحجاج   : ويلك يا سعيد   . قال : الويل لمن زحزح عن الجنة وأدخل النار . قال : اختر أي قتلة تريد أن أقتلك ، قال : اختر لنفسك يا حجاج  ، فوالله ما تقتلني قتلة إلا قتلتك قتلة في الآخرة . قال : فتريد أن أعفو عنك ؟ قال : إن كان العفو ، فمن الله ، وأما أنت فلا براءة لك ولا عذر . قال : اذهبوا به فاقتلوه . فلما خرج من الباب ، ضحك ، فأخبر الحجاج  بذلك ، فأمر برده ، فقال : ما أضحكك ؟ قال : عجبت من جرأتك على الله وحلمه عنك ! فأمر بالنطع فبسط ، فقال : اقتلوه . فقال : إني وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض  قال : شدوا به لغير القبلة . قال : فأينما تولوا فثم وجه الله  قال : كبوه لوجهه . قال : منها خلقناكم وفيها نعيدكم  قال : اذبحوه قال : إني أشهد وأحاج أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له  [ ص: 332 ] وأن محمدا  عبده ورسوله ، خذها مني حتى تلقاني يوم القيامة . ثم دعا سعيد  الله وقال : اللهم لا تسلطه على أحد يقتله بعدي . فذبح على النطع . 
وبلغنا أن الحجاج  عاش بعده خمس عشرة ليلة ، وقعت في بطنه الأكلة فدعا بالطبيب لينظر إليه ، فنظر إليه ، ثم دعا بلحم منتن ، فعلقه في خيط ثم أرسله في حلقه ، فتركه ساعة ثم استخرجه وقد لزق به من الدم ، فعلم أنه ليس بناج  . 
هذه حكاية منكرة ، غير صحيحة . رواها أبو نعيم  في " الحلية " ، فقال : حدثنا أبي ، حدثنا خالي أحمد بن محمد بن يوسف  ، أخبرني أبو أمية محمد بن إبراهيم  كتابة ، حدثنا حامد بن يحيى   . 
هارون الحمال حدثنا محمد بن مسلمة المخزومي  ، حدثنا مالك  ، عن يحيى بن سعيد  ، عن كاتب الحجاج  قال مالك - هو أخ لأبي سلمة  الذي كان على بيت المال - قال : كنت أكتب  للحجاج  وأنا يومئذ غلام يستخفني ويستحسن كتابتي ، وأدخل عليه بغير إذن ، فدخلت عليه يوما بعدما قتل سعيد بن جبير  وهو في قبة له ، لها أربعة أبواب ، فدخلت عليه مما يلي ظهره ، فسمعته يقول : ما لي  ولسعيد بن جبير  ، فخرجت رويدا وعلمت أنه إن علم بي قتلني ، فلم ينشب إلا قليلا حتى مات  . 
أبو حذيفة النهدي   : حدثنا سفيان  ، عن عمر بن سعيد بن أبي حسين  ، قال : دعا سعيد بن جبير  حين دعي للقتل فجعل ابنه يبكي ، فقال : ما  [ ص: 333 ] يبكيك ؟ ما بقاء أبيك بعد سبع وخمسين سنة ؟ 
ابن حميد   : حدثنا يعقوب القمي  ، عن جعفر بن أبي المغيرة  ، عن سعيد  ، قال : قحط الناس في زمان ملك من ملوك بني إسرائيل  ثلاث سنين ، فقال الملك : ليرسلن علينا السماء أو لنؤذينه ، قالوا : كيف تقدر على أن تؤذيه ، وهو في السماء وأنت في الأرض ؟ قال : أقتل أولياءه من أهل الأرض فيكون ذلك أذى له . قال : فأرسل الله عليهم السماء  . 
وروى أصبغ بن زيد  ، عن القاسم الأعرج  ، قال : كان سعيد بن جبير  يبكي بالليل حتى عمش  . 
وروي عن ابن شهاب  ، قال : كان سعيد بن جبير  يؤمنا ، يرجع صوته بالقرآن . 
وروى الثوري  ، عن حماد  ، قال : قال سعيد   : قرأت القرآن في ركعتين في الكعبة   . 
جرير الضبي  ، عن أشعث بن إسحاق  ، قال : كان يقال : سعيد بن جبير  جهبذ العلماء . 
ابن عيينة  ، عن أبي سنان  ، عن سعيد بن جبير  ، قال : لدغتني عقرب ، فأقسمت علي أمي أن أسترقي ، فأعطيت الراقي يدي التي لم تلدغ ، وكرهت أن أحنثها  . 
 [ ص: 334 ] جرير بن حازم  ، عن يعلى بن حكيم  ، قال : قال سعيد بن جبير   : ما رأيت أرعى لحرمة هذا البيت  ، ولا أحرص عليه ، من أهل البصرة   ، لقد رأيت جارية ذات ليلة تعلقت بأستار الكعبة  تدعو وتضرع وتبكي حتى ماتت  . 
				
						
						
