المعظم
السلطان الملك المعظم ابن العادل المذكور هو شرف الدين عيسى بن محمد الحنفي الفقيه صاحب دمشق .
[ ص: 121 ] مولده بالقصر من القاهرة في سنة ست وسبعين وخمسمائة .
ونشأ بدمشق ، وحفظ القرآن ، وبرع في المذهب ، وعني " بالجامع الكبير " ، وصنف له شرحا كبيرا بمعاونة غيره ، ولازم التاج الكندي ، وتردد إليه إلى درب العجم من القلعة ، وتحت إبطه الكتاب ، فأخذ عنه " كتاب " ، وكتاب " الحجة في القراءات " ، و " الحماسة " ، وحفظ عليه " الإيضاح " ، وسمع " مسند سيبويه الإمام أحمد بن حنبل " وله " ديوان شعر " سمعه منه القوصي فيما زعم . وله مصنف في العروض ، وكان ربما لا يقيم الوزن ، وكان يتعصب لمذهبه ، قد جعل لمن عرض " المفصل " مائة دينار صورية ولمن عرض " الجامع الكبير " مائتي دينار .
وحج في سنة إحدى عشرة ، وأنشأ البرك ، وعمل بمعان دار مضيف وحماما . وكان يبحث ويناظر ، وفيه دهاء وحزم ، وكان يوصف بالشجاعة والكرم والتواضع ; ساق مرة إلى الإسكندرية في ثمانية أيام على فرس واحد ، واعد القصاد وأصحاب الأخبار ، وكان على كتفه الفرنج ، فكان يظلم ، ويدير ضمان الخمر ليستخدم بذلك ، وكان يركب وحده مرارا ثم يلحقه مماليكه يتطاردون ، وكان يصلي الجمعة في تربة عمه صلاح الدين ، ثم يمشي منها يزور قبر أبيه . قرأت بخط الضياء الحافظ : كان المعظم شجاعا فقيها يشرب المسكر ، وأسس ظلما كثيرا ، وخرب بيت المقدس .
وقال وكان عالما بعدة علوم ، نفق سوق العلم في أيامه ، [ ص: 122 ] وقصده الفقهاء ، فأكرمهم ، وأعطاهم ، ولم يسمع منه كلمة نزقة ، ويقول : اعتقادي في الأصول ما سطره ابن الأثير . وأوصى أن لا يبنى على قبره ، ولما مرض قال : لي في قضية الطحاوي دمياط ما أرجو به الرحمة .
وقال ابن واصل كان جنده ثلاثة آلاف فارس في نهاية التجمل ، وكان يقاوم بهم إخوته ، وكان الكامل يخافه ، مع أنه كان يخطب للكامل في بلاده ويضرب السكة باسمه . وكان لا يركب في غالب أوقاته بالعصائب ، ويلبس كلوتة صفراء بلا عمامة وربما مشى بين العوام حتى كان يضرب المثل بفعله ، فمن فعل شيئا بلا تكلف ، قيل : " هذا بالمعظمي " . وتردد مدة في الفقه إلى الحصيري حتى تأهل للفتيا .
توفي في سلخ ذي القعدة سنة أربع وعشرين وستمائة وكان له دمشق والكرك وغير ذلك ، وحلفوا بعده لابنه الناصر داود .