قال ذكر : أخبرني موسى بن عقبة سالم أنه سمع أباه يحدث زيد بن عمرو بن نفيل أسفل بلدح ، وذلك قبل الوحي ، فقدم إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم سفرة فيها لحم ، فأبى أن يأكل وقال : لا آكل مما يذبحون على أنصابهم ، أنا لا آكل إلا مما ذكر اسم الله عليه . رواه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أنه لقي . وزاد في آخره : فكان يعيب على البخاري قريش ذبائحهم ، ويقول : الشاة خلقها الله ، وأنزل لها من السماء الماء ، وأنبت لها من الأرض ، ثم تذبحونها على غير اسم الله ؟ إنكارا لذلك وإعظاما له . ثم قال : قال البخاري موسى : حدثني ولا أعلم إلا يحدث به عن سالم بن عبد الله ، ابن عمر : أن زيد بن عمرو بن نفيل خرج إلى الشام يسأل عن الدين ويتبعه ، فلقي عالما من اليهود ، فسأله عن دينهم ، فقال : إني لعلي أن أدين دينكم ، قال : إنك لا تكون على ديننا حتى تأخذ بنصيبك من غضب الله . قال زيد : ما أفر إلا من غضب الله ، ولا أحمل من غضب الله شيئا أبدا وأنا أستطيعه ، فهل تدلني على غيره ؟ قال : ما أعلمه إلا أن يكون حنيفا . قال : وما الحنيف ؟ قال : دين إبراهيم ، لم يكن يهوديا ولا نصرانيا ولا يعبد إلا الله . فخرج زيد فلقي عالما من النصارى ، فذكر له مثله فقال : لن تكون على ديننا ، حتى تأخذ بنصيبك من لعنة الله . قال : ما أفر إلا من لعنة الله ، فقال له كما قال اليهودي ، فلما رأى زيد قولهم في إبراهيم خرج ، فلما برز رفع يديه فقال : اللهم إني أشهدك أني على دين إبراهيم . وهكذا أخرجه . 50 [ ص: 77 ] وقال البخاري عبد الوهاب الثقفي : حدثنا محمد بن عمرو ، عن أبي سلمة ، ويحيى بن عبد الرحمن ، عن أسامة بن زيد ، عن أبيه ، قال : خرجت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما حارا وهو مردفي إلى نصب من الأنصاب ، وقد ذبحنا له شاة فأنضجناها ، فلقينا زيد بن عمرو بن نفيل ، فحيا كل واحد منهما صاحبه بتحية الجاهلية ، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : يا زيد ما لي أرى قومك قد شنفوا لك ؟ قال : والله يا محمد إن ذلك لبغير نائلة ترة لي فيهم ، ولكني خرجت أبتغي هذا الدين حتى أقدم على أحبار فدك فوجدتهم يعبدون الله ويشركون به فقلت : ما هذا بالدين الذي أبتغي ، فقدمت الشام فوجدتهم يعبدون الله ويشركون به ، فخرجت فقال لي شيخ منهم : إنك تسأل عن دين ما نعلم أحدا يعبد الله به إلا شيخ بالجزيرة ، فأتيته ، فلما رآني قال : ممن أنت ؟ قلت : من أهل بيت الله ، قال : من أهل الشوك والقرظ ؟ إن الذي تطلب قد ظهر ببلادك ، قد بعث نبي قد طلع نجمه ، وجميع من رأيتهم في ضلال . قال : فلم أحس بشيء ، قال : فقرب إليه السفرة فقال : ما هذا يا محمد ؟ قال : شاة ذبحت للنصب . قال : ما كنت لآكل مما لم يذكر اسم الله عليه قال : فتفرقا . وذكر باقي الحديث .
وقال الليث ، عن عن أبيه ، عن هشام بن عروة ، أسماء بنت أبي بكر ، قالت : لقد رأيت زيد بن عمرو بن نفيل قائما مسندا ظهره إلى الكعبة يقول : يا معشر قريش والله ما منكم أحد على دين إبراهيم غيري . وكان يحيي الموءودة ، يقول للرجل إذا أراد أن يقتل ابنته : مه ! لا تقتلها أنا أكفيك مئونتها ، فيأخذها ، فإذا ترعرعت قال لأبيها : إن شئت دفعتها إليك وإن شئت كفيتك مئونتها " . هذا حديث صحيح .
وقال محمد بن عمرو ، عن أبي سلمة ، عن أسامة بن زيد ، عن [ ص: 78 ] أبيه ، زيد بن عمرو بن نفيل مات ، ثم أنزل على النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " إنه يبعث يوم القيامة أمة وحده " . إسناده حسن . أن
أنبئت عن أبي الفخر أسعد ، قال : أخبرتنا فاطمة ، قالت : أخبرنا ابن ريذة ، قال : أخبرنا قال : أخبرنا الطبراني ، علي بن عبد العزيز ، قال : أخبرنا عبد الله بن رجاء ، قال : أخبرنا المسعودي ، عن نفيل بن هشام بن سعيد بن زيد ، عن أبيه ، عن جده ، قال : خرج أبي وورقة بن نوفل يطلبان الدين حتى مرا بالشام ، فأما ورقة فتنصر ، وأما زيد فقيل له : إن الذي تطلب أمامك ، فانطلق حتى أتى الموصل ، فإذا هو براهب ، فقال : من أين أقبل صاحب الراحلة ، قال : من بيت إبراهيم ، قال : ما تطلب ؟ قال : الدين ، فعرض عليه النصرانية ، فأبى أن يقبل ، وقال : لا حاجة لي فيه ، قال : أما إن الذي تطلب سيظهر بأرضك ، فأقبل وهو يقول : لبيك حقا ، تعبدا ورقا ، البر أبغي لا الخال ، وما مهجر كمن قال .
عذت بما عاذ به إبراهم مستقبل القبلة وهو قائم أنفي لك اللهم عان راغم
مهما تجشمني فإني جاشم ثم يخر فيسجد للكعبة . قال : فمر زيد بالنبي صلى الله عليه وسلم ويزيد بن حارثة ، وهما يأكلان من سفرة لهما ، فدعياه فقال : يا ابن أخي لا آكل مما ذبح على النصب ، قال : فما رؤي النبي صلى الله عليه وسلم يأكل مما ذبح على النصب من يومه ذاك حتى بعث .
قال : وجاء سعيد بن زيد إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال : يا رسول الله إن زيدا كان كما رأيت ، أو كما بلغك ، فاستغفر له ؟ قال : " نعم ، فاستغفروا [ ص: 79 ] له ، فإنه يبعث يوم القيامة أمة وحده "
وقال عن يونس بن بكير ، ابن إسحاق : كانت قريش حين بنوا الكعبة يتوافدون على كسوتها كل عام تعظيما لحقها ، وكانوا يطوفون بها ، ويستغفرون الله عندها ، ويذكرونه مع تعظيم الأوثان والشرك في ذبائحهم ودينهم كله .
وقد كان نفر من قريش : زيد بن عمرو بن نفيل ، وورقة بن نوفل ، وعثمان بن الحويرث بن أسد ، وهو ابن عم ورقة ، وعبيد الله بن جحش بن رئاب ، وأمه حضروا أميمة بنت عبد المطلب بن هاشم قريشا عند وثن لهم كانوا يذبحون عنده لعيد من أعيادهم ، فلما اجتمعوا خلا بعض أولئك النفر إلى بعض وقالوا : تصادقوا وليكتم بعضكم على بعض ، فقال قائلهم : تعلمن والله ما قومكم على شيء ، لقد أخطئوا دين إبراهيم وخالفوه ، وما وثن يعبد لا يضر ولا ينفع ؟ فابتغوا لأنفسكم ، فخرجوا يطلبون ويسيرون في الأرض يلتمسون أهل الكتاب من اليهود والنصاري والملل كلها ، يتبعون الحنيفية دين إبراهيم ، فأما ورقة فتنصر ، ولم يكن منهم أعدل شأنا من زيد بن عمرو ، اعتزل الأوثان وفارق الأديان إلا دين إبراهيم .
وقال الباغندي : حدثنا أبو سعيد الأشج ، قال : حدثنا أبو معاوية ، عن هشام ، عن أبيه ، عن عائشة ، قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " دخلت الجنة فرأيت لزيد بن عمرو بن نفيل دوحتين " .
وقال البكائي ، عن ابن إسحاق : حدثني هشام ، عن أبيه ، عن أسماء بنت أبي بكر ، قالت : لقد رأيت زيد بن عمرو بن نفيل شيخا كبيرا [ ص: 80 ] مسندا ظهره إلى الكعبة ، وهو يقول : يا معشر قريش ، والذي نفسي بيده ، ما أصبح منكم أحد على دين إبراهيم غيري ، ثم يقول : اللهم لو أعلم أي الوجوه أحب إليك عبدتك به ، ثم يسجد على راحلته " .
قال ابن إسحاق : فقال زيد في فراق دين قومه :
أربا واحدا أم ألف رب
أدين إذا تقسمت الأمور عزلت اللات والعزى جميعا
كذلك يفعل الجلد الصبور
قال ابن إسحاق : وكان الخطاب بن نفيل عمه وأخوه لأمه يعاتبه ويؤذيه حتى أخرجه إلى أعلى مكة ، فنزل حراء مقابل مكة ، فإذا دخل مكة سرا آذوه ، وأخرجوه ، كراهية أن يفسد عليهم دينهم ، وأن يتابعه أحد . ثم خرج يطلب دين إبراهيم ، فجال الشام والجزيرة ، إلى أن قال ابن إسحاق : فرد إلى مكة حتى إذا توسط بلاد لخم عدوا عليه فقتلوه .