[ عبد الله بن جحش ] بعث
قال عروة : ثم بعث النبي صلى الله عليه وسلم في رجب عبد الله بن جحش الأسدي ، ومعه ثمانية ، وكتب معه كتابا ، وأمره أن لا ينظر فيه حتى يسير يومين . فلما قرأ الكتاب وجده : إذا نظرت في كتابي هذا فامض حتى تنزل بين نخلة والطائف ، فترصد لنا قريشا ، وتعلم لنا من أخبارهم . فلما نظر عبد الله في الكتاب قال لأصحابه : قد أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن [ ص: 300 ] أمضي إلى نخلة ، ونهاني أن أستكره أحدا منكم . فمن كان يريد الشهادة فلينطلق ، ومن كره الموت فليرجع ، فأما أنا فماض لأمر رسول الله . فمضى ومضى معه الثمانية ، وهم : أبو حذيفة بن عتبة ، وعكاشة بن محصن ، وعتبة بن غزوان ، وسعد بن أبي وقاص ، وعامر بن ربيعة ، وواقد بن عبد الله التميمي ، وسهيل بن بيضاء الفهري ، وخالد بن البكير .
فسلك بهم على الحجاز ، حتى إذا كان بمعدن فوق الفرع يقال له بحران ، أضل سعد بن أبي وقاص ، بعيرا لهما ، فتخلفا في طلبه . ومضى وعتبة بن غزوان عبد الله بمن بقي حتى نزل بنخلة . فمرت بهم عير لقريش تحمل زبيبا وأدما ، وفيها عمرو بن الحضرمي وجماعة . فلما رآهم القوم هابوهم . فأشرف لهم عكاشة ، وكان قد حلق رأسه ، فلما رأوه آمنوا ، وقالوا : عمار لا بأس عليكم منهم .
وتشاور القوم فيهم ، وذلك في آخر رجب ، فقالوا : والله لئن تركتموهم هذه الليلة ليدخلن الحرم فليمتنعن منكم به ، ولئن قتلتموهم لتقتلنهم في الشهر الحرام . وترددوا ، ثم أجمعوا على قتلهم وأخذ تجارتهم ، فرمى واقد بن عبد الله عمرو بن الحضرمي فقتله ، واستأسروا عثمان بن عبد الله ، والحكم بن كيسان . وأفلت نوفل بن عبد الله .
وأقبل ابن جحش وأصحابه بالعير والأسيرين ، حتى قدموا المدينة . وعزلوا خمس ما غنموا للنبي صلى الله عليه وسلم ، فنزل القرآن كذلك . وأنكر النبي صلى الله عليه وسلم قتل ابن الحضرمي ، فنزلت : ( يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه قل قتال فيه كبير ( 217 ) ) [ البقرة ] الآية ، وقبل النبي صلى الله عليه وسلم الفداء في الأسيرين . فأما [ ص: 301 ] عثمان فمات بمكة كافرا ، وأما الحكم فأسلم واستشهد ببئر معونة .
وصرفت القبلة في رجب ، أو قريبا منه . والله أعلم .