قال ابن إسحاق : فحدثني أبي ، عن رجال ، عن أبي داود المازني ، قال : إني لأتبع رجلا من المشركين يوم بدر لأضربه بالسيف ، إذ وقع رأسه قبل أن يصل إليه سيفي ، فعرفت أنه قتله غيري .
وعن ابن عباس قال : لم تقاتل الملائكة إلا يوم بدر .
وأما أبو جهل بن هشام فاحتمى في مثل الحرجة وهو الشجر الملتف ، وبقي أصحابه يقولون : أبو الحكم لا يوصل إليه . قال : فلما سمعتها جعلته من شأني ، فصمدت نحوه ، فلما أمكنني حملت عليه فضربته ضربة أطنت قدمه بنصف ساقه . فوالله ما أشبهها حين طاحت إلا بالنواة تطيح من تحت مرضخة النوى حين يضرب بها . فضربني ابنه معاذ بن عمرو بن الجموح عكرمة على عاتقي فطرح يدي ، فتعلقت بجلدة من جنبي ، فلما آذتني وضعت عليها قدمي ، ثم تمطيت بها عليها حتى طرحتها . قال : ثم عاش بعد ذلك إلى زمن عثمان .
ثم مر بأبي جهل فضربه حتى أثبته ، وتركه وبه رمق ، وقاتل معوذ بن عفراء ، معوذ حتى قتل ، وقتل أخوه عوف قبله . واسم أبيهما : الحارث بن رفاعة بن الحارث الزرقي .
[ ص: 311 ] ثم مر عبد الله بن مسعود بأبي جهل حين أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالتماسه ، وقال فيما بلغنا : إن خفي عليكم في القتلى فانظروا إلى أثر جرح في ركبته ، فإني ازدحمت أنا وهو يوما على مأدبة لعبد الله بن جدعان ، ونحن غلامان ; وكنت أشف منه بيسير ، فدفعته ، فوقع على ركبته فجحش فيها . قال ابن مسعود : فوجدته بآخر رمق ، فوضعت رجلي على عنقه . وقد كان ضبث بي مرة بمكة ، فآذاني ولكزني . فقلت له : هل أخزاك الله يا عدو الله ؟ قال : وبماذا أخزاني ، وهل فوق رجل قتلتموه ؟ أخبرني لمن الدائرة اليوم ؟ قلت : لله ولرسوله ، ثم قال : لقد ارتقيت ، يا رويعي الغنم مرتقى صعبا . قال : فاحتززت رأسه وجئت به رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت : يا رسول الله ، هذا رأس عدو الله أبي جهل . قال : آلله الذي لا إله غيره ؟ قلت : نعم . وألقيت رأسه بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم
ثم أمر بالقتلى أن يطرحوا في قليب هناك . فطرحوا فيه إلا ما كان من أمية بن خلف ، فإنه انتفخ في درعه فملأها ، فذهبوا ليخرجوه فتزايل ، فأقروه به ، وألقوا عليه التراب فغيبوه .
فلما ألقوا في القليب ، وقف عليهم النبي صلى الله عليه وسلم فقال : . " يا أهل القليب هل وجدتم ما وعدكم ربكم حقا فإني وجدت ما وعدني ربي حقا " . فقالوا : يا رسول الله أتنادي قوما قد جيفوا ؟ فقال : " ما أنتم بأسمع لما أقول منهم ، ولكن لا يستطيعون أن يجيبوا "
[ ص: 312 ] وفي رواية : فناداهم في جوف الليل : يا عتبة بن ربيعة ، ويا شيبة بن ربيعة ، ويا أمية بن خلف ، ويا أبا جهل بن هشام . فعدد من كان في القليب .
زاد ابن إسحاق : وحدثني بعض أهل العلم أنه صلى الله عليه وسلم قال : يا أهل القليب ، بئس عشيرة النبي كنتم لنبيكم ; كذبتموني وصدقني الناس ، وأخرجتموني وآواني الناس ، وقاتلتموني ونصرني الناس .
وعن أنس : لما سحب عتبة بن ربيعة إلى القليب نظر رسول الله صلى الله عليه وسلم في وجه أبي حذيفة ابنه ، فإذا هو كئيب متغير . فقال : لعلك قد دخلك من شأن أبيك شيء ؟ قال : لا والله ما شككت في أبي ولا في مصرعه ، ولكني كنت أعرف منه رأيا وحلما ، فكنت أرجو أن يسلم ، فلما رأيت ما أصابه وما مات عليه أحزنني ذلك . فدعا له النبي صلى الله عليه وسلم وقال له خيرا .
وكان الحارث بن ربيعة بن الأسود ، وأبو قيس بن الفاكه بن المغيرة ، وأبو قيس بن الوليد بن المغيرة ، وعلي بن أمية بن خلف ، والعاص بن منبه بن الحجاج قد أسلموا ، فلما هاجر النبي صلى الله عليه وسلم حبسهم آباؤهم وعشائرهم ، وفتنوهم عن الدين فافتتنوا نعوذ بالله من فتنة الدين ثم ساروا مع قومهم يوم بدر ، فقتلوا جميعا . وفيهم نزلت ( إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم ( 97 ) ) [ النساء ] الآية .
وعن عبادة بن الصامت ، قال : فينا أهل بدر نزلت الأنفال حين تنازعنا في الغنيمة وساءت فيها أخلاقنا ، فنزعه الله من أيدينا وجعله إلى رسوله ، فقسمه بين المسلمين على السواء .
ثم بعث النبي صلى الله عليه وسلم عبد الله بن رواحة ، بشيرين إلى [ ص: 313 ] وزيد بن حارثة ، المدينة . قال أسامة : أتانا الخبر حين سوينا على صلى الله عليه وسلم قبرها ، كان رسول الله صلى الله عليه وسلم خلفني عليها مع رقية بنت رسول الله عثمان .
ثم قفل رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه الأسارى ; فيهم : عقبة بن أبي معيط والنضر بن الحارث . فلما خرج من مضيق الصفراء قسم النفل ، فلما أتى الروحاء لقيه المسلمون يهنئونه بالفتح ، فقال لهم سلمة بن سلامة : ما الذي تهنئونا به ؟ فوالله إن لقينا إلا عجائز ضلعا كالبدن المعقلة فنحرناها . فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال : أي ابن أخي ، أولئك الملأ . يعني الأشراف والرؤساء .
ثم قتل النضر بن الحارث العبدري بالصفراء ، وقتل بعرق الظبية عقبة بن أبي معيط ، فقال عقبة حين أمر النبي صلى الله عليه وسلم بقتله : فمن للصبية يا محمد ؟ قال : النار . فقتله عاصم بن ثابت بن أبي الأقلح ، وقيل : علي .
وقال حماد بن سلمة ، عن عطاء بن السائب ، عن الشعبي ، قال : لما أمر النبي صلى الله عليه وسلم بقتل عقبة قال : أتقتلني يا محمد من بين قريش ؟ قال : نعم ، أتدرون ما صنع هذا بي ؟ جاء وأنا ساجد خلف المقام فوضع رجله على عنقي وغمزها ، فما رفع حتى ظننت أن عيني ستندران ، وجاء مرة أخرى بسلي شاة فألقاه على رأسي وأنا ساجد ، فجاءت فاطمة فغسلته عن رأسي .