[ ص: 344 ] ذكر بدر
" من مغازي غزوة فإنها من أصح المغازي " موسى بن عقبة
قد قال : حدثني إبراهيم بن المنذر الحزامي مطرف ومعن وغيرهما أن كان إذا سئل عن المغازي قال : عليك بمغازي الرجل الصالح مالكا فإنه أصح المغازي . موسى بن عقبة ،
قال محمد بن فليح ، عن قال : قال موسى بن عقبة ابن شهاب . ( ح ) وقال : حدثنا إسماعيل بن أبي أويس إسماعيل بن إبراهيم بن عقبة - وهذا لفظه - عن عمه قال : مكث رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد قتل موسى بن عقبة ، ابن الحضرمي شهرين ، ثم أقبل أبو سفيان في عير لقريش ، ومعه سبعون راكبا من بطون قريش ; منهم : مخرمة بن نوفل ، وكانوا تجارا وعمرو بن العاص ، بالشام ، ومعهم خزائن أهل مكة ، ويقال : كانت عيرهم ألف بعير . ولم يكن لقريش أوقية فما فوقها إلا بعثوا بها مع أبي سفيان ; إلا فلذلك تخلف عن حويطب بن عبد العزى ، بدر فلم يشهدها . فذكروا لرسول الله وأصحابه ، وقد كانت الحرب بينهم قبل ذاك ، فبعث عدي بن أبي الزغباء الأنصاري ، وبسبس بن عمرو ، إلى العير ، عينا له ، فسارا ، حتى أتيا حيا من جهينة ، قريبا من ساحل البحر ، فسألوهم عن العير ، فأخبروهما بخبر القوم . فرجعا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم [ ص: 345 ] فأخبراه . فاستنفر المسلمين للعير ، في رمضان .
وقدم أبو سفيان على الجهنيين وهو متخوف من المسلمين ، فسألهم فأخبروه خبر الراكبين ، فقال أبو سفيان : خذوا من بعر بعيريهما . ففته فوجد النوى فقال : هذه علائف أهل يثرب . فأسرع وبعث رجلا من بني غفار يقال له : ضمضم بن عمرو ، إلى قريش أن انفروا فاحموا عيركم من محمد وأصحابه . وكانت عاتكة قد رأت قبل قدوم ضمضم ; فذكر رؤيا عاتكة ، إلى أن قال : فقدم ضمضم فصاح : يا آل غالب بن فهر انفروا فقد خرج محمد وأهل يثرب يعترضون لأبي سفيان . ففزعوا ، وأشفقوا من رؤيا عاتكة ، ونفروا على كل صعب وذلول ، وقال أبو جهل : أيظن محمد أن يصيب مثل ما أصاب بنخلة ؟ سيعلم أنمنع عيرنا أم لا ؟ فخرجوا بخمسين وتسعمائة مقاتل ، وساقوا مائة فرس ، ولم يتركوا كارها للخروج . فأشخصوا العباس بن عبد المطلب ، ونوفل بن الحارث ، وطالب بن أبي طالب ، وأخاه عقيلا ، إلى أن نزلوا الجحفة .
فوضع جهيم بن الصلت بن مخرمة المطلبي رأسه فأغفى ، ثم نزع فقال لأصحابه : هل رأيتم الفارس الذي وقف علي آنفا . قالوا : لا ، إنك مجنون . فقال : قد وقف علي فارس فقال : قتل أبو جهل ، وعتبة ، وشيبة ، وزمعة ، وأبو البختري ، وأمية بن خلف ، فعد جماعة . فقالوا : إنما لعب بك الشيطان . فرفع حديثه إلى أبي جهل ، فقال : قد جئتمونا بكذب بني المطلب مع كذب بني هاشم ، سترون غدا من يقتل .
وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في طلب العير ، فسلك على نقب بني دينار ورجع حين رجع من ثنية الوداع ، فنفر في ثلاثمائة وثلاثة عشر [ ص: 346 ] رجلا ، وأبطأ عنه كثير من أصحابه وتربصوا . وكانت أول وقعة أعز الله فيها الإسلام .
فخرج في رمضان ومعه المسلمون على النواضح يعتقب النفر منهم على البعير الواحد . وكان زميل رسول الله صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب ، ومرثد بن أبي مرثد الغنوي حليف حمزة بن عبد المطلب ، ليس مع الثلاثة إلا بعير واحد . فساروا ، حتى إذا كانوا بعرق الظبية لقيهم راكب من قبل تهامة ، فسألوه عن أبي سفيان فقال : لا علم لي به . فقالوا : سلم على رسول الله صلى الله عليه وسلم . قال : وفيكم رسول الله ؟ قالوا : نعم . وأشاروا إليه . فقال له : أنت رسول الله ؟ قال : نعم . قال : إن كنت رسول الله فحدثني بما في بطن ناقتي هذه . فغضب سلمة بن سلامة بن وقش الأنصاري ، فقال : وقعت على ناقتك فحملت منك . فكره رسول الله صلى الله عليه وسلم ما قال سلمة فأعرض عنه .
ثم سار لا يلقاه خبر ولا يعلم بنفرة قريش ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أشيروا علينا . فقال أبو بكر : أنا أعلم بمسافة الأرض ، أخبرنا عدي بن أبي الزغباء : أن العير كانت بوادي كذا .
وقال عمر : يا رسول الله ، إنها قريش وعزها ، والله ما ذلت منذ عزت ولا آمنت منذ كفرت ، والله لتقاتلنك ، فتأهب لذلك .
. فقال : أشيروا علي
قال المقداد بن عمرو : إنا لا نقول لك كما قال أصحاب موسى ( فاذهب أنت وربك فقاتلا إنا هاهنا قاعدون ( 24 ) ) [ المائدة ] ولكن اذهب أنت وربك فقاتلا إنا معكم متبعون .
[ ص: 347 ] فقال : أشيروا علي .
فلما رأى كثرة استشارته ظن سعد بن معاذ سعد أنه يستنطق الأنصار شفقا أن لا يستحوذوا معه ، أو قال : أن لا يستجلبوا معه على ما يريد ، فقال : لعلك يا رسول الله صلى الله عليه وسلم تخشى أن لا تكون الأنصار يريدون مواساتك ، ولا يرونها حقا عليهم ، إلا بأن يروا عدوا في بيوتهم وأولادهم ونسائهم ، وإني أقول عن الأنصار وأجيب عنهم ، فاظعن حيث شئت ، وصل حبل من شئت ، وخذ من أموالنا ما شئت ، وأعطنا ما شئت ، وما أخذته منا أحب إلينا مما تركته علينا ، فوالله لو سرت حتى تبلغ البرك من غمد ذي يمن لسرنا معك .
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : سيروا على اسم الله عز وجل فإني قد رأيت مصارع القوم . فعمد لبدر .
وخفض أبو سفيان فلصق بساحل البحر ، وأحرز ما معه ، فأرسل إلى قريش ، فأتاهم الخبر بالجحفة . فقال أبو جهل : والله لا نرجع حتى نقدم بدرا فنقيم بها . فكره ذلك الأخنس بن شريق وأشار بالرجعة ، فأبوا وعصوه ، فرجع ببني زهرة فلم يحضر أحد منهم بدرا . وأرادت بنو هاشم الرجوع فمنعهم أبو جهل .
ونزل رسول الله صلى الله عليه وسلم على أدنى شيء من بدر ، ثم بعث عليا والزبير وجماعة يكشفون الخبر ، فوجدوا وارد قريش عند القليب ، فوجدوا غلامين فأخذوهما فسألوهما عن العير ، فطفقا يحدثانهم عن قريش ، فضربوهما . وذكر الحديث ، إلى أن قال : فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال :
فقام الحباب بن المنذر السلمي : أنا يا رسول الله عالم بها وبقلبها ; [ ص: 348 ] إن رأيت أن تسير إلى قليب منها قد عرفتها كثيرة الماء عذبة ، فتنزل عليها وتسبق القوم إليها ونغور ما سواها .
فقال : سيروا ، فإن الله قد وعدكم إحدى الطائفتين . فوقع في قلوب ناس كثير الخوف . فتسارع المسلمون والمشركون إلى الماء ، فأنزل الله تلك الليلة مطرا واحدا ; فكان على المشركين بلاء شديدا منعهم أن يسيروا ، وكان على المسلمين ديمة خفيفة لبد لهم الأرض ، فسبقوا إلى الماء فنزلوا عليه شطر الليل ، فاقتحم القوم في أشيروا علي في المنزل . القليب فماحوها حتى كثر ماؤها ، وصنعوا حوضا عظيما ، ثم غوروا ما سواه من المياه .
ويقال : كان مع رسول الله فرسان ; على أحدهما : وعلى الآخر : مصعب بن عمير ، . ومرة سعد بن خيثمة الزبير بن العوام ، . والمقداد
ثم صف رسول الله صلى الله عليه وسلم على الحياض ، فلما طلع المشركون قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما زعموا : " اللهم هذه قريش قد جاءت بخيلائها وفخرها تحادك وتكذب رسولك " . واستنصر المسلمون الله واستغاثوه ، فاستجاب الله لهم .
فنزل المشركون وتعبؤوا للقتال ، ومعهم إبليس في صورة سراقة المدلجي يحدثهم أن بني كنانة وراءه قد أقبلوا لنصرهم .
قال : فسعى حكيم بن حزام إلى عتبة بن ربيعة فقال : هل لك أن تكون سيد قريش ما عشت ؟ قال : فأفعل ماذا ؟ قال : تجير بين الناس وتحمل دية ابن الحضرمي ، وبما أصاب محمد في تلك العير ، فإنهم لا يطلبون من محمد غير هذا . قال عتبة : نعم قد فعلت ، ونعما قلت ، [ ص: 349 ] فاسع في عشيرتك فأنا أتحمل بها . فسعى حكيم في أشراف قريش بذلك . وركب عتبة جملا له ، فسار عليه في صفوف المشركين فقال : يا قوم أطيعوني ودعوا هذا الرجل ; فإن كان كاذبا ولي قتله غيركم من العرب فإن فيهم رجالا لكم فيهم قرابة قريبة ، وإنكم إن تقتلوهم لا يزال الرجل ينظر إلى قاتل أخيه أو ابنه أو ابن أخيه أو ابن عمه ، فيورث ذلك فيكم إحنا وضغائن . وإن كان هذا الرجل ملكا كنتم في ملك أخيكم . وإن كان نبيا لم تقتلوا النبي فتسبوا به . ولن تخلصوا إليهم حتى يصيبوا أعدادكم ، ولا آمن أن تكون لهم الدبرة عليكم .
فحسده أبو جهل على مقالته : وأبى الله إلا أن ينفذ أمره ، وعتبة يومئذ سيد المشركين .
فعمد أبو جهل إلى ابن الحضرمي وهو أخو المقتول فقال : هذا عتبة يخذل بين الناس ، وقد تحمل بدية أخيك ، يزعم أنك قابلها ، أفلا تستحيون من ذلك أن تقبلوا الدية ؟ وقال لقريش : إن عتبة قد علم أنكم ظاهرون على هذا الرجل ومن معه ، وفيهم ابنه وبنو عمه ، وهو يكره صلاحكم . وقال لعتبة : انتفخ سحرك . وأمر النساء أن يعولن عمرا ، فقمن يصحن : واعمراه واعمراه ; تحريضا على القتال .
وقام رجال فتكشفوا ; يعيرون بذلك قريشا ، فأخذت قريش مصافها للقتال . فذكر الحديث إلى أن قال : فأسر نفر ممن أوصى بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن لا يقتلوهم إلا أبا البختري ، فإنه أبى أن يستأسر ، فذكروا له أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أمرهم أن لا يقتلوه إن استأسر ، فأبى . ويزعم ناس أن [ ص: 350 ] أبا اليسر قتل أبا البختري ، ويأبى عظم الناس إلا أن المجذر هو الذي قتله . بل قتله أبو داود المازني .
قال : ووجد ابن مسعود أبا جهل مصروعا ، بينه وبين المعركة غير كثير ، مقنعا في الحديد واضعا سيفه على فخذيه ليس به جرح ، ولا يستطيع أن يحرك منه عضوا ، وهو منكب ينظر إلى الأرض . فلما رآه ابن مسعود أطاف حوله ليقتله وهو خائف أن يثور إليه ، وأبو جهل مقنع بالحديد ، فلما أبصره لا يتحرك ظن أنه مثبت جراحا ، فأراد أن يضربه بسيفه ، فخشي أن لا يغني سيفه شيئا ، فأتاه من ورائه ، فتناول قائم سيفه فاستله وهو منكب ، فرفع عبد الله سابغة البيضة عن قفاه فضربه ، فوقع رأسه بين يديه ثم سلبه . فلما نظر إليه إذا هو ليس به جراح ، وأبصر في عنقه خدرا ، وفي يديه وفي كتفيه كهيئة آثار السياط ، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ذلك ضرب الملائكة .
قال : وأذل الله بوقعة بدر رقاب المشركين والمنافقين ، فلم يبق بالمدينة منافق ولا يهودي إلا وهو خاضع عنقه لوقعة بدر . وكان ذلك يوم الفرقان ; يوم فرق الله بين الشرك والإيمان .
وقالت اليهود : تيقنا أنه النبي صلى الله عليه وسلم الذي نجد نعته في التوراة ، والله لا يرفع راية بعد اليوم إلا ظهرت .
وأقام أهل مكة على قتلاهم النوح بمكة شهرا .
ثم رجع النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة ، فدخل من ثنية الوداع .
ونزل القرآن فعرفهم الله نعمته فيما كرهوا من خروج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بدر ، فقال : ( كما أخرجك ربك من بيتك بالحق وإن فريقا من المؤمنين لكارهون ( 5 ) ) [ الأنفال ] ، وثلاث آيات معها .
[ ص: 351 ] ثم ذكر الآيات التي نزلت في سورة الأنفال في هذه الغزوة وآخرها . موسى بن عقبة
وقال رجال ممن أسر : يا رسول الله إنا كنا مسلمين ، وإنما أخرجنا كرها ، فعلام يؤخذ منا الفداء ؟ فنزلت : ( قل لمن في أيديكم من الأسرى إن يعلم الله في قلوبكم خيرا يؤتكم خيرا مما أخذ منكم ويغفر لكم ( 70 ) ) [ الأنفال ] .
حذفت من هذه القصة كثيرا مما سلف من الأحاديث الصحيحة استغناء بما تقدم .
وقد ذكر هذه القصة بنحو قول موسى بن عقبة ابن لهيعة عن أبي الأسود ، عن عروة ، ولم يذكر أبا داود المازني في قتل أبي البختري ، وزاد يسيرا .
وقال هو : إن عدد من قتل من المسلمين ستة من وابن عقبة قريش ، وثمانية من الأنصار . وقتل من المشركين تسعة وأربعون رجلا ، وأسر تسعة وثلاثون رجلا . كذا قالا .
وقال ابن إسحاق : استشهد أربعة من قريش وسبعة من الأنصار . وقتل من المشركين بضعة وأربعون ، وكانت الأسارى أربعة وأربعين أسيرا .
وقال الزهري عن عروة : هزم المشركون وقتل منهم زيادة على سبعين ، وأسر مثل ذلك .
ويشهد لهذا القول حديث البراء الذي في قال : البخاري ،
[ ص: 352 ] بدر أربعين ومائة ; سبعين أسيرا وسبعين قتيلا ، وأصابوا منا يوم أحد سبعين . أصاب النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه من المشركين يوم
وقال حماد بن سلمة ، عن عن أبيه ، عن هشام بن عروة ، أسامة بن زيد ، أن النبي صلى الله عليه وسلم خلف عثمان على بنته وأسامة بن زيد رقية أيام بدر . فجاء على العضباء ، ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم بالبشارة . قال زيد بن حارثة أسامة : فسمعت الهيعة ، فخرجت فإذا أبي قد جاء بالبشارة ، فوالله ما صدقت حتى رأينا الأسارى ، فضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم لعثمان بسهمه .
وقال : حدثنا عبدان بن عثمان ابن المبارك ، قال : أخبرنا عن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر ، عبد الرحمن -رجل من أهل صنعاء قال : أرسل النجاشي إلى وأصحابه ، فدخلوا عليه وهو في بيت ، عليه خلقان جالس على التراب . قال جعفر بن أبي طالب جعفر : فأشفقنا منه حين رأيناه على تلك الحال . فقال : أبشركم بما يسركم ; إنه جاءني من نحو أرضكم عين لي فأخبرني أن الله قد نصر نبيه صلى الله عليه وسلم وأهلك عدوه ، وأسر فلان وفلان ، التقوا بواد يقال له بدر ، كثير الأراك ، كأني أنظر إليه ، كنت أرعى به لسيدي رجل من بني ضمرة إبله . فقال له جعفر : ما بالك جالس على التراب ، ليس تحتك بساط ، وعليك هذه الأخلاق ؟ قال : إنا نجد فيما أنزل الله على عيسى عليه السلام أن حقا على عباد الله أن يحدثوا تواضعا عندما أحدث لهم من نعمته . فلما أحدث الله لي نصر نبيه أحدثت له هذا التواضع .
ذكر مثل هذه الحكاية الواقدي في مغازيه بلا سند .