[ ص: 353 ] فصل
في بدر والأسرى غنائم
قال خالد الطحان ، عن داود ، عن عكرمة ، عن ابن عباس ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم بدر : من فعل كذا وكذا ، فله من النفل كذا وكذا . قال : فتقدم الفتيان ، ولزم المشيخة الرايات . فلما فتح الله عليهم قالت المشيخة : كنا ردءا لكم ، لو انهزمتم ، فئتم إلينا ، فلا تذهبوا بالمغنم ونبقى . فأبى الفتيان وقالوا : جعله رسول الله صلى الله عليه وسلم لنا . فأنزل الله تعالى : ( يسئلونك عن الأنفال ( 1 ) ) إلى قوله : ( وإن فريقا من المؤمنين لكارهون ( 5 ) ) [ الأنفال ] . يقول : فكان ذلك خيرا لهم . فكذلك أيضا : أطيعوني فإني أعلم بعاقبة هذا منكم . أخرجه أبو داود .
ثم ساقه من وجه آخر عن داود بإسناده . وقال : فقسمها رسول الله صلى الله عليه وسلم بالسواء .
وقال عن أبيه ، عن عبد الرحمن بن أبي الزناد ، عبيد الله بن عبد الله ، عن ابن عباس ، بدر . أن النبي صلى الله عليه وسلم تنفل سيفه ذا الفقار يوم
وقال عمر بن يونس : حدثني قال : حدثني عكرمة بن عمار ، أبو زميل ، قال : حدثني ابن عباس ، قال : حدثني عمر قال : لما كان يوم بدر ، فذكر القصة .
ابن عباس : فلما أسروا الأسارى قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ما ترون في هؤلاء ؟ فقال أبو بكر : هم بنو العم والعشيرة ، أرى أن تأخذ منهم [ ص: 354 ] فدية فتكون لنا قوة على الكفار ، فعسى الله أن يهديهم إلى الإسلام . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ما ترى يا ابن الخطاب ؟ قلت : لا والله يا رسول الله لا أرى الذي رأى أبو بكر ، ولكن أرى أن تمكنا فنضرب أعناقهم ; فتمكن عليا من عقيل فيضرب عنقه ، وتمكني من فلان ; نسيب لعمر ; فأضرب عنقه ، فإن هؤلاء أئمة الكفر وصناديدها . فهوى رسول الله ما قال أبو بكر ، ولم يهو ما قلت . فلما كان من الغد جئت ، فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر يبكيان . قلت : يا رسول الله أخبرني من أي شيء تبكي ، فإن وجدت بكاء بكيت ، وإلا تباكيت لبكائكما . فقال : أبكي للذي عرض على أصحابك من أخذهم الفداء ، لقد عرض علي عذابهم أدنى من هذه الشجرة ، شجرة قريبة من نبي الله صلى الله عليه وسلم ، وأنزل الله تعالى : ( ما كان لنبي أن يكون له أسرى حتى يثخن في الأرض ( 67 ) ) إلى قوله : ( فكلوا مما غنمتم حلالا طيبا ( 69 ) ) [ الأنفال ] ، فأحل الله لهم الغنيمة . أخرجه قال مسلم .
وقال جرير ، عن الأعمش ، عن عمرو بن مرة ، عن عن أبيه قال : أبي عبيدة بن عبد الله ، بدر قال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم : ما تقولون في هؤلاء الأسارى ؟ فقال عبد الله بن رواحة : أنت في واد كثير الحطب فأضرم نارا ثم ألقهم فيها . فقال العباس : قطع الله رحمك . فقال عمر : قادتهم ورؤوسهم قاتلوك وكذبوك ، فاضرب أعناقهم . فقال أبو بكر : عشيرتك وقومك .
ثم دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم لبعض حاجته . فقالت طائفة : القول ما قال عمر . فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : ما تقولون في هؤلاء ؟ إن مثل هؤلاء كمثل إخوة لهم كانوا من قبلهم ; قال نوح : ( رب لا تذر على الأرض من الكافرين ديارا ( 26 ) ) [ ص: 355 ] [ نوح ] ، وقال موسى : ( ربنا اطمس على أموالهم واشدد على قلوبهم ( 88 ) ) [ يونس ] ، وقال إبراهيم : ( فمن تبعني فإنه مني ومن عصاني فإنك غفور رحيم ( 36 ) ) [ إبراهيم ] ، وقال عيسى : ( إن تعذبهم فإنهم عبادك ( 118 ) ) [ المائدة ] الآية . وأنتم قوم بكم عيلة ، فلا ينفلتن أحد منهم إلا بفداء أو بضربة عنق . فقلت : إلا فإنه لا يقتل ، قد سمعته يتكلم بالإسلام . فسكت . فما كان يوم أخوف عندي أن يلقي الله علي حجارة من السماء من يومي ذلك ، حتى قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إلا سهيل بن بيضاء . سهيل بن بيضاء لما كان يوم
وقال أبو إسحاق ، عن البراء أو غيره ، قال : الأنصار بالعباس قد أسره إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال العباس : ليس هذا أسرني ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لقد آزرك الله بملك كريم . جاء رجل من
وقال ابن إسحاق : حدثني من سمع عكرمة ، عن ابن عباس ، قال : العباس أبو اليسر كعب بن عمرو السلمي ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : كيف أسرته ؟ فقال : لقد أغلق عليه رجل ما رأيته قبل ولا بعد ، هيئته كذا وكذا . فقال : لقد أعانك عليه ملك كريم . وقال للعباس : افد نفسك وابن أخيك عقيل بن أبي طالب ، . فأبى وقال : إني كنت مسلما وإنما استكرهوني . قال : الله أعلم بشأنك إن يك ما تدعي حقا فالله يجزيك بذلك ، وأما ظاهر أمرك فقد كان علينا ، فافد نفسك . ونوفل بن الحارث
وكان قد أخذ معه عشرون أوقية ذهبا ، فقال : يا رسول الله احسبها لي من فدائي . قال : لا ، ذاك شيء أعطانا الله منك . كان الذي أسر
وقال عبد العزيز بن عمران الزهري ، وهو ضعيف : حدثني محمد بن [ ص: 356 ] موسى ، عن عمارة بن عمار بن أبي اليسر ، عن أبيه ، عن جده قال : نظرت إلى العباس يوم بدر ، وهو قائم كأنه صنم وعيناه تذرفان ، فقلت : جزاك الله من ذي رحم شرا ، تقاتل ابن أخيك مع عدوه ؟ قال : ما فعل ، أقتل ؟ قلت : الله أعز له وأنصر من ذلك . قال : ما تريد إلي ؟ قلت : إسار ، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن قتلك . قال : ليست بأول صلته . فأسرته .
وروى ابن إسحاق ، عن رجل ، عن عكرمة ، عن ابن عباس ، قال : فبعثت قريش في فداء أسراهم . وقال العباس : إني كنت مسلما . فنزل فيه ( إن يعلم الله في قلوبكم خيرا يؤتكم خيرا مما أخذ منكم ويغفر لكم ( 70 ) ) [ الأنفال ] ، قال العباس : فأعطاني الله مكان العشرين أوقية عشرين عبدا كلهم في يده مال يضرب به ، مع ما أرجو من المغفرة .
وقال أزهر السمان ، عن ابن عون ، عن محمد ، عن عبيدة ، عن علي ، وبعضهم يرسله ، قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم في الأسارى يوم بدر : إن شئتم قتلتموهم ، وإن شئتم فاديتموهم واستمتعتم بالفداء ، واستشهد منكم بعدتهم .
وكان آخر السبعين قتل يوم ثابت بن قيس ، اليمامة .
هذا الحديث داخل في معجزاته ، وإخباره عن حكم الله فيمن يستشهد ، فكان كما قال .
وقال عن يونس بن بكير ، ابن إسحاق : حدثني نبيه بن وهب العبدري ، قال : لما أقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم بالأسارى فرقهم على المسلمين ، وقال : استوصوا بهم خيرا . قال نبيه : فسمعت من يذكر عن أبي عزيز ، قال : كنت في الأسارى يوم بدر ، فسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : استوصوا بالأسارى خيرا . فإن كان ليقدم إليهم الطعام فما تقع [ ص: 357 ] بيد أحدهم كسرة إلا رمى بها إلى أسيره ، ويأكلون التمر . فكنت أستحيي فآخذ الكسرة فأرمي بها إلى الذي رمى بها إلي ، فيرمي بها إلي .
أبو عزيز هو أخو يقال : إنه أسلم . وقال مصعب بن عمير ، ابن الكلبي وغيره : إنه قتل يوم أحد كافرا .
وعن ابن عباس ، قال : بدر أربعمائة . جعل النبي صلى الله عليه وسلم فداء أهل الجاهلية يوم
أخرجه أبو داود من حديث شعبة ، عن أبي العنبس ، عن أبي الشعثاء عنه .
وقال أسباط ، عن إسماعيل السدي : كان فداء أهل بدر : العباس ، وعقيل ابن أخيه ، ونوفل ، كل رجل أربعمائة دينار .
وقال يونس ، عن ابن إسحاق : حدثني العباس بن عبد الله بن معبد ، عن بعض أهله ، عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يوم بدر : إني قد عرفت أن ناسا من بني هاشم وغيرهم قد أخرجوا كرها ، لا حاجة لهم بقتالنا ، فمن لقي منكم أحدا منهم فلا يقتله ، ومن لقي أبا البختري بن هشام فلا يقتله ، ومن لقي العباس فلا يقتله ، فإنه إنما أخرج مستكرها . فقال أبو حذيفة بن عتبة : : أنقتل آباءنا وإخواننا ونترك العباس ؟ والله لئن لقيته لألحمنه بالسيف . فبلغت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : يا لعمر بن الخطاب أبا حفص ، أيضرب وجه عم رسول الله بالسيف ؟ فقال عمر : يا رسول الله ائذن لي فأضرب عنقه ، فوالله لقد نافق .
فكان أبو حذيفة بعد يقول : والله ما آمن من تلك الكلمة التي قلت ، ولا أزال منها خائفا ، إلا أن يكفرها الله عني بشهادة . فاستشهد يوم اليمامة .
[ ص: 358 ] قال ابن إسحاق : إنما نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قتل أبي البختري لأنه كان أكف القوم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بمكة .
وكان العباس أكثر الأسرى فداء لكونه موسرا ، فافتدى نفسه بمائة أوقية ذهب .
وقال ابن شهاب : حدثني أنس الأنصار استأذنوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا : ائذن لنا فلنترك لابن أختنا فداءه . فقال : لا والله لا تذرن درهما . أخرجه أن رجالا من . البخاري
وقال إسرائيل ، عن سماك ، عن عكرمة ، عن ابن عباس ، بدر ، عليك بالعير ليس دونها شيء . فقال العباس وهو في وثاقه : لا يصلح . قال : ولم ؟ قال : لأن الله وعدك إحدى الطائفتين ، وقد أعطاك ما وعدك . قالوا : يا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، بعدما فرغ من
وقد ذكر إرسال صلى الله عليه وسلم بقلادتها في فداء زينب بنت رسول الله أبي العاص زوجها رضي الله عنهما .
وقال : حدثنا سعيد بن أبي مريم يحيى بن أيوب ، قال : حدثنا ابن الهاد ، قال : حدثني عمر بن عبد الله بن عروة بن الزبير ، عن عروة ، عن عائشة : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما قدم المدينة خرجت ابنته زينب من مكة مع كنانة أو ابن كنانة فخرجوا في أثرها . فأدركها هبار بن الأسود ، فلم يزل يطعن بعيرها برمحه حتى صرعها ، وألقت ما في بطنها وأهريقت دما . فتحملت . فاشتجر فيها بنو هاشم وبنو أمية . فقالت بنو أمية : نحن أحق بها . وكانت تحت أبي العاص ، فكانت عند هند بنت عتبة بن ربيعة ، وكانت تقول لها هند : هذا من سبب أبيك . قالت : فقال رسول [ ص: 359 ] الله صلى الله عليه وسلم : ألا تنطلق فتأتي لزيد بن حارثة ! فقال : بلى يا رسول الله . قال : فخذ خاتمي فأعطها إياه . فانطلق بزينب زيد ، فلم يزل يتلطف حتى لقي راعيا فقال له : لمن ترعى ؟ قال : . قال : فلمن هذه الغنم ؟ قال : لأبي العاص لزينب بنت محمد . فسار معه شيئا ثم قال له : هل لك أن أعطيك شيئا تعطيها إياه ، ولا تذكره لأحد ؟ قال : نعم . فأعطاه الخاتم . وانطلق الراعي حتى دخل فأدخل غنمه وأعطاها الخاتم ، فعرفته ، فقالت : من أعطاك هذا ؟ قال : رجل . قالت : فأين تركته ؟ قال : بمكان كذا وكذا . فسكتت ، حتى إذا كان الليل خرجت إليه ، فقال لها : اركبي بين يدي على بعيره . فقالت : لا ، ولكن اركب أنت بين يدي . وركبت وراءه حتى أتت المدينة .
فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : هي أفضل بناتي ، أصيبت في .
قال : فبلغ ذلك علي بن الحسين ، فانطلق إلى عروة فقال : ما حديث بلغني عنك أنك تحدثه تتنقص به فاطمة ؟ فقال عروة : والله ما أحب أن لي ما بين المشرق والمغرب وأني أتنقص فاطمة حقا هو لها ، وأما بعد فلك أن لا أحدثه أبدا .