قال معمر ، عن الزهري ، عن عروة : كانت غزوة بني النضير ، وهم طائفة من اليهود ، على رأس ستة أشهر من وقعة بدر . وكانت منازلهم ونخلهم بناحية المدينة ، فحاصرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى نزلوا على الجلاء ، وعلى أن لهم ما أقلت الإبل إلا السلاح ، فأنزلت ( هو الذي أخرج الذين كفروا من أهل الكتاب من ديارهم لأول الحشر ( 2 ) ) [ الحشر ] الآيات .
فأجلاهم إلى الشام ، وكانوا من سبط لم يصبهم جلاء . وكان الله قد كتب عليهم الجلاء ، ولولا ذلك لعذبهم في الدنيا بالقتل والسبي .
[ ص: 379 ] وقوله : ( لأول الحشر ( 2 ) ) ، فكان جلاؤهم ذلك أول حشر في الدنيا إلى الشام .
ويرويه عقيل عن الزهري ، قوله . وأسنده زيد بن المبارك الصنعاني ، قال : حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن الزهري ، عن عروة ، عن عائشة . وذكر عائشة فيه غير محفوظ .
وقال عن ابن جريج ، عن موسى بن عقبة ، نافع ، عن ابن عمر : يهود بني النضير ، وقريظة حاربوا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأجلى بني النضير ، وأقر قريظة ومن عليهم ، حتى حاربوا بعد ذلك . أخرجه أن . البخاري
وقال معمر ، عن الزهري ، عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك ، عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ، أن كفار قريش كتبوا إلى ابن أبي ومن كان يعبد معه الأوثان من الأوس والخزرج قبل وقعة بدر : إنكم آويتم صاحبنا ، وإنا نقسم بالله لتقاتلنه أو لتخرجنه أو لنسيرن إليكم بجمعنا حتى نقتل مقاتلكم ونستبيح نساءكم . فلما بلغ ذلك عبد الله بن أبي وأصحابه ، اجتمعوا لقتال رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فبلغه ذلك فلقيهم فقال : لقد بلغ وعيد قريش منكم المبالغ ، ما كانت تكيدكم بأكثر مما تريدون أن تكيدوا به أنفسكم ، تريدون أن تقاتلوا أبناءكم وإخوانكم ؟ فلما سمعوا ذلك تفرقوا . فبلغ ذلك كفار قريش ، فكتبوا بعد بدر إلى اليهود : إنكم أهل الحلقة والحصن وإنكم لتقاتلن صاحبنا أو لنفعلن كذا وكذا ، ولا يحول بيننا وبين خدم نسائكم شيء . وهي الخلاخيل .
فلما بلغ كتابهم للنبي صلى الله عليه وسلم ، أجمعت بنو النضير بالغدر ، وأرسلوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم : اخرج إلينا في ثلاثين رجلا من أصحابك ، وليخرج منا [ ص: 380 ] ثلاثون حبرا ، حتى نلتقي بمكان المنصف ، فيسمعوا منك ، فإن صدقوا وآمنوا بك آمنا بك . فقص خبرهم .
فلما كان الغد ، غدا عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بالكتائب فحصرهم ، فقال لهم : إنكم والله لا تأمنون عندي إلا بعهد تعاهدوني عليه . فأبوا أن يعطوه عهدا ، فقاتلهم يومهم ذلك .
ثم غدا على بني قريظة بالكتائب ، وترك بني النضير ، ودعاهم إلى أن يعاهدوه ، فعاهدوه ، فانصرف عنهم .
وغدا إلى بني النضير بالكتائب ، فقاتلهم حتى نزلوا على الجلاء . فجلت بنو النضير ، واحتملوا ما أقلت الإبل من أمتعتهم وأبوابهم وخشبهم . فكان نخل بني النضير لرسول الله صلى الله عليه وسلم خاصة ، أعطاه الله إياها ، فقال : ( وما أفاء الله على رسوله منهم فما أوجفتم عليه من خيل ولا ركاب ( 6 ) ) [ الحشر ] ، يقول : بغير قتال . فأعطى النبي صلى الله عليه وسلم أكثرها المهاجرين وقسمها بينهم ، وقسم منها لرجلين من الأنصار كانوا ذوي حاجة . وبقي منها صدقة رسول الله صلى الله عليه وسلم التي في أيدي بني فاطمة رضي الله عنها .
وذهب موسى بن عقبة ، إلى أن غزوة وابن إسحاق بني النضير كانت بعد أحد ، وكذلك قال غيرهما . ورواه ابن لهيعة ، عن أبي الأسود ، عن عروة . وهذا حديث موسى وحديث عروة : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج إلى بني النضير يستعينهم في عقل الكلابيين . وكانوا يزعمون قد دسوا إلى قريش حين نزلوا بأحد لقتال رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فحضوهم على القتال ودلوهم على العورة . فلما كلمهم رسول الله صلى الله عليه وسلم في عقل الكلابيين ، [ ص: 381 ] قالوا : اجلس يا أبا القاسم حتى تطعم وترجع بحاجتك ونقوم فنتشاور . فجلس بأصحابه ، فلما خلوا والشيطان معهم ، ائتمروا بقتل رسول الله صلى الله عليه وسلم وقالوا : لن تجدوه أقرب منه الآن ، فاستريحوا منه تأمنوا . فقال رجل : إن شئتم ظهرت فوق البيت الذي هو تحته فدليت عليه حجرا فقتلته . فأوحى الله إليه فأخبره بشأنهم وعصمه ، فقام كأنه يقضي حاجة . وانتظره أعداء الله ، فراث عليه . فأقبل رجل من المدينة فسألوه عنه فقال : لقيته قد دخل أزقة المدينة . فقالوا لأصحابه : عجل أبو القاسم أن نقيم أمرنا في حاجته . ثم قام أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فرجعوا ونزلت ( يأيها الذين آمنوا اذكروا نعمت الله عليكم إذ هم قوم أن يبسطوا إليكم أيديهم ( 11 ) ) [ المائدة ] الآية .
وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بإجلائهم ، وأن يسيروا حيث شاءوا . وكان النفاق قد كثر بالمدينة . فقالوا : أين تخرجنا ؟ قال : أخرجكم إلى الحشر . فلما سمع المنافقون ما يراد بأوليائهم أرسلوا إليهم : إنا معكم محيانا ومماتنا ، إن قوتلتم فلكم علينا النصر ، وإن أخرجتم لم نتخلف عنكم . وسيد اليهود أبو صفية حيي بن أخطب . فلما وثقوا بأماني المنافقين عظمت غرتهم ومناهم الشيطان الظهور ، فنادوا النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه : إنا والله لا نخرج ولئن قاتلتنا لنقاتلنك .
فمضى النبي صلى الله عليه وسلم لأمر الله فيهم ، وأمر أصحابه فأخذوا السلاح ثم مضى إليهم ، وتحصنت اليهود في دورهم وحصونهم . فلما انتهى النبي صلى الله عليه وسلم إلى أزقتهم وحصونهم كره أن يمكنهم من القتال في دورهم وحصونهم ، وحفظ الله له أمره وعزم له على رشده ، فأمر أن يهدم الأدنى فالأدنى من دورهم ، وبالنخل أن تحرق وتقطع ، وكف الله أيديهم وأيدي المنافقين فلم ينصروهم ، وألقى في قلوب الفريقين الرعب . ثم جعلت اليهود كلما خلص رسول الله صلى الله عليه وسلم من هدم ما يلي مدينتهم ، ألقى الله في [ ص: 382 ] قلوبهم الرعب ، فهدموا الدور التي هم فيها من أدبارها ، ولم يستطيعوا أن يخرجوا على النبي صلى الله عليه وسلم ، وأصحابه يهدمون شيئا فشيئا . فلما كادت اليهود أن يبلغ آخر دورها ، وهم ينتظرون المنافقين وما كانوا منوهم ، فلما يئسوا مما عندهم ، سألوا النبي صلى الله عليه وسلم الذي كان عرض عليهم قبل ذلك ، فقاضاهم على أن يجليهم ، ولهم أن يحملوا ما استقلت به الإبل إلا السلاح . وطاروا كل مطير ، وذهبوا كل مذهب . ولحق بنو أبي الحقيق بخيبر ومعهم آنية كثيرة من فضة ، فرآها النبي صلى الله عليه وسلم والمسلمون . وعمد حيي بن أخطب حتى قدم مكة على قريش ، فاستغواهم على رسول الله صلى الله عليه وسلم . وبين الله لرسوله حديث أهل النفاق ، وما بينهم وبين اليهود ، وكانوا قد عيروا المسلمين حين قطعوا النخل وهدموا . فقالوا : ما ذنب الشجرة وأنتم تزعمون أنكم مصلحون ؟ فأنزل الله " سبح لله " سورة الحشر . ثم جعلها نفلا لرسوله ، فقسمها فيمن أراه الله من المهاجرين . وأعطى منها أبا دجانة سماك بن خرشة ، الأنصاريين . وأعطى - زعموا - وسهل بن حنيف ، سيف سعد بن معاذ ابن أبي الحقيق .
وكان بني النضير في المحرم سنة ثلاث . إجلاء
وأقامت بنو قريظة في المدينة في مساكنهم ، لم يؤمر فيهم النبي صلى الله عليه وسلم بقتل ولا إخراج حتى فضحهم الله بحيي بن أخطب وبجموع الأحزاب .
هذا لفظ وحديث موسى بن عقبة ، عروة بمعناه ، إلى إعطاء سعد السيف .
وقال وغيره ، عن موسى بن عقبة نافع ، عن عبد الله بني النضير وحرق ، ولها يقول حسان بن ثابت :
وهان على سراة بني لؤي حريق بالبويرة مستطير
وفي ذلك نزلت هذه الآية : ( ما قطعتم من لينة أو تركتموها قائمة على أصولها فبإذن الله ( 5 ) ) [ الحشر ] . متفق عليه . أن رسول الله صلى الله عليه وسلم [ ص: 383 ] قطع نخلوقال عن عمرو بن دينار ، الزهري ، عن مالك بن أوس ، عمر ، أن أموال بني النضير كانت مما أفاء الله على رسول الله صلى الله عليه وسلم مما لم يوجف المسلمون عليه بخيل ، ولا ركاب ، فكانت لرسول الله صلى الله عليه وسلم خالصة ينفق منها على أهله نفقة سنة ، وما بقي جعله في الكراع والسلاح عدة في سبيل الله . أخرجاه . عن