وقال ابن إسحاق : حدثني يحيى بن عباد بن عبد الله بن الزبير ، عن أبيه ، عن جده ، أن الزبير قال : والله لقد رأيتني أنظر إلى خدم سوق هند وصواحباتها مشمرات هوارب ، ما دون أخذهن قليل ولا كثير ، إذ مالت الرماة إلى العسكر حين كشفنا القوم عنه يريدون النهب ، وخلوا ظهورنا للخيل ، فأتينا من أدبارنا ، وصرخ صارخ : ألا إن محمدا قد قتل ، فانكفأنا وانكفأ علينا القوم بعد أن أصبنا أصحاب لوائهم ، حتى ما يدنو [ ص: 404 ] منه أحد من القوم .
قال ابن إسحاق : لم يزل لواؤهم صريعا حتى أخذته عمرة بنت علقمة الحارثية ، فرفعته لقريش فلاذوا به .
وقال ورقاء ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد قوله تعالى : ( إذ تحسونهم بإذنه ( 152 ) ) أي : تقتلونهم ، ( حتى إذا فشلتم وتنازعتم في الأمر وعصيتم ( 152 ) ) يعني : إقبال من أقبل منهم على الغنيمة ، ( والرسول يدعوكم في أخراكم ( 153 ) ) ، ( من بعد ما أراكم ما تحبون ( 152 ) ) [ آل عمران ] يعني النصر . ثم أديل للمشركين عليهم بمعصيتهم الرسول حتى حصبهم النبي صلى الله عليه وسلم .
وروى عن السدي ، عبد خير ، عن عبد الله ، قال : ما كنت أرى أن أحدا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يريد الدنيا حتى نزلت فينا : ( منكم من يريد الدنيا ومنكم من يريد الآخرة ( 152 ) ) [ آل عمران ] .
وقال عن أبيه ، عن هشام بن عروة ، عائشة : هزم المشركون يوم أحد هزيمة بينة ، فصرخ إبليس : أي عباد الله أخراكم ، فرجعت أولاهم واجتلدوا هم وأخراهم . فنظر حذيفة فإذا هو بأبيه اليمان ، فقال : أبي ، أبي ، فوالله ما انحجزوا عنه حتى قتلوه . فقال حذيفة : غفر الله لكم . قال عروة : فوالله ما زالت في حذيفة بقية حتى لقي الله . أخرجه . البخاري
وقال ابن عون ، عن عمير بن إسحاق ، عن قال : كان سعد بن أبي وقاص ، حمزة يقاتل يوم أحد بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم بسيفين ، ويقول : أنا أسد الله . رواه عن يونس بن بكير ، ابن عون ، عن عمير مرسلا ، وزاد : فعثر فصرع مستلقيا وانكشفت الدرع عن بطنه ، فزرقه الحبشي [ ص: 405 ] العبد ، فبقره .
وقال عبد العزيز بن أبي سلمة ، عم عبد الله بن الفضل الهاشمي ، عن سليمان بن يسار ، عن جعفر بن عمرو بن أمية الضمري ، قال : خرجت مع إلى عبيد الله بن عدي بن الخيار الشام . فلما أن قدمنا حمص قال لي عبيد الله : هل لك في وحشي نسأله عن قتل حمزة ؟ قلت : نعم . وكان وحشي يسكن حمص ، فسألنا عنه ، فقيل لنا : هو ذاك في ظل قصره كأنه حميت . فجئنا حتى وقفنا عليه يسيرا فسلمنا ، فرد علينا السلام . وكان عبيد الله معتجرا بعمامته ، ما يرى وحشي إلا عينيه ورجليه . فقال عبيد الله : يا وحشي ، تعرفني ؟ فنظر إليه فقال : لا والله إلا أني أعلم أن عدي بن الخيار تزوج امرأة يقال لها أم فثال بنت أبي العيص ، فولدت غلاما بمكة فاسترضعته ، فحملت ذلك الغلام مع أمه فناولتها إياه ، لكأني نظرت إلى قدميك . قال : فكشف عبيد الله عن وجهه ، ثم قال : ألا تخبرنا بقتل حمزة ؟ قال : نعم . إن حمزة قتل طعيمة بن عدي ابن الخيار ببدر . فقال لي مولاي جبير بن مطعم : إن قتلت حمزة بعمي فأنت حر . فلما خرج الناس عن عينين وعينون جبل تحت أحد ، بينه وبين أحد واد خرجت مع الناس إلى القتال . فلما أن اصطفوا للقتال خرج سباع ، فقال : هل من مبارز ؟ فخرج إليه حمزة ، فقال : يا سباع يا ابن مقطعة البظور ، تحاد الله ورسوله ؟ ثم شد عليه ، فكان كأمس الذاهب . قال فكمنت لحمزة تحت صخرة حتى مر علي ، فرميته بحربتي فأضعها في ثنته حتى خرجت من وركه ، فكان ذاك العهد به .
[ ص: 406 ] فلما رجع الناس رجعت معهم ، فأقمت بمكة حتى فشا فيها الإسلام ، ثم خرجت إلى الطائف . قال : وأرسلوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم رسلا ، وقيل : إنه لا يهيج الرسل ، فخرجت معهم . فلما رآني قال : أنت وحشي ؟ قلت : نعم . قال : الذي قتل حمزة ؟ قلت : نعم ، قد كان الأمر الذي بلغك . قال : ما تستطيع أن تغيب عني وجهك ؟ قال : فرجعت . فلما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وخرج مسيلمة ، قلت : لأخرجن إليه لعلي أقتله فأكافئ به حمزة . فخرجت مع الناس وكان من أمرهم ما كان ، فإذا رجل قائم في ثلمة جدار كأنه جمل أورق ثائر رأسه . قال : فأرميه بحربتي فأضعها بين ثدييه حتى خرجت من بين كتفيه ، ووثب إليه رجل من الأنصار فضربه بالسيف على هامته .
قال سليمان بن يسار : فسمعت ابن عمر يقول : قالت جارية على ظهر بيت : وا أمير المؤمنين ، قتله العبد الأسود . أخرجه . البخاري