وقال  يونس بن بكير ،  عن  هشام بن عروة ،  عن أبيه ، قال : جاءت صفية  يوم أحد  ومعها ثوبان لحمزة ،  فلما رآها رسول الله صلى الله عليه وسلم كره أن ترى حمزة  على حاله ، فبعث إليها الزبير  يحبسها وأخذ الثوبين . وكان إلى جنب حمزة  قتيل من الأنصار ،  فكرهوا أن يتخيروا لحمزة ،  فقال : أسهموا بينهما ، فأيهما طار له أجود الثوبين فهو له . فأسهموا بينهما ، فكفن حمزة  في ثوب والأنصاري في ثوب  . 
وقال يونس ،  عن ابن إسحاق   : حدثني الزهري ،  عن  عبد الله بن ثعلبة بن صعير ،  قال : لما أشرف رسول الله صلى الله عليه وسلم على قتلى أحد ،  قال : أنا الشهيد على هؤلاء ، ما من جريح يجرح في الله إلا بعث يوم القيامة وجرحه يثعب دما ، اللون لون الدم والريح ريح المسك ، انظروا أكثرهم جمعا للقرآن فاجعلوه أمام صاحبه في القبر ، فكانوا يدفنون الاثنين والثلاثة في القبر  . 
قال ابن إسحاق   : وحدثني والدي ، عن رجال من بني سلمة ،  أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال حين أصيب  عمرو بن الجموح ،   وعبد الله بن عمرو بن حرام   : اجمعوا بينهما ، فإنهما كانا متصافيين في الدنيا . قال أبي : فحدثني أشياخ من الأنصار  قالوا : لما ضرب معاوية  عينه التي مرت على قبور الشهداء ، استصرخنا عليهم وقد انفرجت عليهما في قبرهما ، فأخرجناهما وعليهما بردتان قد غطي بهما وجوههما ، وعلى أقدامها  [ ص: 430 ] شيء من نبات الأرض ، فأخرجناهما كأنهما يتثنيان تثنيا كأنما دفنا بالأمس . 
وهذا هو عمرو بن الجموح بن زيد بن حرام بن كعب بن غنم الأنصاري السلمي ،  سيد بني سلمة   . قال ابن سعد  وغيره : شهد بدرا   . وابنه  معاذ بن عمرو بن الجموح  هو الذي قطع رجل أبي جهل ،  وقضى النبي صلى الله عليه وسلم بسلبه لمعاذ   . وكان  عمرو بن الجموح  زوج أخت  عبد الله بن عمرو بن حرام   . 
ثابت البناني ،  عن عكرمة ،  قال : كان مناف في بيت  عمرو بن الجموح ،  فلما قدم  مصعب بن عمير  المدينة ،  بعث إليهم عمرو   : ما هذا الذي جئتمونا به ؟ قالوا : إن شئت جئنا وأسمعناك ، فواعدهم فجاءوا ، فقرأ عليه : ( الر تلك آيات الكتاب المبين   ( 1 ) ) [ يوسف ] ، فقرأ ما شاء الله أن يقرأ ، فقال : إن لنا مؤامرة في قومنا وكان سيد بني سلمة  فخرجوا ، فدخل على مناف ، فقال : يا مناف ، تعلم والله ما يريد القوم غيرك ، فهل عندك من نكير ؟ قال : فقلده سيفا ، وخرج فقام أهله فأخذوا السيف ، فجاء فوجدهم أخذوا السيف ، فقال : يا مناف أين السيف ويحك ، إن العنز لتمنع استها ، والله ما أرى في أبي جعار غدا من خير . ثم قال لهم : إني ذاهب إلى مالي فاستوصوا بمناف خيرا . فذهب فكسروا منافا وربطوه مع كلب ميت . فلما جاء رأى منافا ، فبعث إلى قومه فجاءوه ، فقال : ألستم على ما أنا عليه ؟ قالوا : بلى ، أنت سيدنا ، قال : فإني أشهدكم إني قد آمنت بمحمد   . فلما كان يوم أحد  قال النبي صلى الله عليه وسلم : " قوموا إلى جنة عرضها السماوات والأرض " فقام وهو أعرج ، فقاتل حتى قتل  [ ص: 431 ] أبو صالح ،  عن  أبي هريرة ،  قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : نعم الرجل  عمرو بن الجموح   . 
وروى محمد بن مسلم ،  عن  عمرو بن دينار ،  وروى فطر بن خليفة ،  عن حبيب بن أبي ثابت  وغيرهما ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : يا بني سلمة  من سيدكم ؟ قالوا : الجد بن قيس ،  وإنا لنبخله ، قال : وأي داء أدوى من البخل ؟ بل سيدكم الجعد الأبيض  عمرو بن الجموح   . 
وقد قال الواقدي   : لم يشهد بدرا ،  ولما أراد الخروج إلى أحد  منعه بنوه وقالوا : قد عذرك الله وبك عرج ، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره فقال : أما أنت فقد عذرك الله . وقال لبنيه : لا تمنعوه لعل الله يرزقه الشهادة . فخرج فاستشهد هو وابنه خلاد   . 
إسرائيل ،  عن سعيد بن مسروق ،  عن أبي الضحى ،  أن عمرو بن الجموح   قال لبنيه : منعتموني الجنة يوم بدر ،  والله لئن بقيت لأدخلن الجنة . فكان يوم أحد  في الرعيل الأول  . 
وقال حماد بن زيد ،  عن أيوب ،  عن  أبي الزبير ،  عن جابر ،  قال : استصرخنا إلى قتلانا يوم أحد ،  وذلك حين أجرى معاوية العين ، فأتيناهم فأخرجناهم تتثنى أطرافهم رطابا ، على رأس أربعين سنة  . قال حماد   : وزادني صاحب لي في الحديث : فأصاب قدم حمزة  فانثعب دما . 
وقال ابن عيينة ،  عن الأسود ،  عن نبيح العنزي ،  عن جابر ،  أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بقتلى أحد  أن يردوا إلى مصارعهم  . 
وقال أبو عوانة   : حدثنا الأسود بن قيس ،  عن نبيح العنزي ،  عن جابر ،  قال : خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المشركين لقتالهم ، فقال لي أبي  [ ص: 432 ] ما عليك أن تكون في النظارة حتى تعلم إلى ما يصير أمرنا ، فوالله لولا أني أترك بنات لي بعدي لأحببت أن تقتل بين يدي . فبينما أنا في النظارين إذ جاءت عمتي بأبي وخالي عادلتهما على ناضح ، فدخلت بهما المدينة ،  لتدفنهما في مقابرنا ، فجاء رجل ينادي : ألا إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمركم أن ترجعوا بالقتلى فتدفنوها في مصارعها . فبينما أنا في خلافة معاوية ،  إذ جاءني رجل فقال : يا جابر ،  قد والله أثار أباك عمال معاوية  فبدت طائفة منه . قال : فأتيته فوجدته على النحو الذي تركته ، لم يتغير منه شيء إلا ما لم يدع القتيل ، فواريته  . 
وقال حسين المعلم ،  عن عطاء ،  عن جابر ،  قال : لما حضر أحد  قال أبي : ما أراني إلا مقتولا ، وإني لا أترك بعدي أعز علي منك غير نفس رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وإن علي دينا فاقض واستوص بأخواتك خيرا . فأصبحنا فكان أول قتيل ، فدفنت معه آخر في قبر ، ثم لم تطب نفسي أن أتركه مع آخر ، فاستخرجته بعد ستة أشهر ، فإذا هو كيوم وضعته هنية غير أذنه  . أخرجه  البخاري   . 
وقال الزهري ،  عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك ،  عن جابر ،  أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يجمع بين الرجلين من قتلى أحد  في ثوب ، ثم يقول : أيهما أكثر أخذا للقرآن ؟ فإذا أشير له إلى أحدهما قدمه في اللحد ، وقال : أنا شهيد على هؤلاء يوم القيامة . وأمر بدفنهم بدمائهم ولم يصل عليهم ، ولم يغسلوا  . أخرجه  البخاري  عن قتيبة ،  عن الليث ،  عنه . 
وقال أيوب ،  عن حميد بن هلال ،  عن هشام بن عامر ،  قال : قالوا يوم أحد   : يا رسول الله قد أصابنا قرح وجهد فكيف تأمر ؟ قال : احفروا  [ ص: 433 ] وأوسعوا وأعمقوا واجعلوا الاثنين والثلاثة في القبر ، وقدموا أكثرهم قرآنا  . 
ومنهم من يقول : حميد بن هلال ،  عن سعيد بن هشام بن عامر ،  عن أبيه . 
وقال شعبة ،  عن ابن المنكدر   : سمعت جابرا  يقول : لما قتل أبي جعلت أبكي وأكشف الثوب عنه ، وجعل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ينهوني ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم لا ينهاني ، وقال : لا تبكيه ، أو ما تبكيه ؟ فما زالت الملائكة تظله بأجنحتها حتى رفعتموه  . أخرجاه . 
وأخرج  البخاري  من حديث جابر  أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بدفن قتلى أحد  في دمائهم ولم يغسلوا ولم يصل عليهم . وكان يجمع بين الرجلين في الثوب الواحد ، ثم يقول : أيهم أكثر أخذا للقرآن ؟ فإذا أشير له إلى أحدهما قدمه في اللحد  . 
وقال  علي بن المديني   : حدثنا موسى بن إبراهيم الأنصاري ،  سمع طلحة بن خراش ،  قال : سمعت  جابر بن عبد الله ،  قال : نظر إلي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : ما لي أراك مهتما ؟ قلت : يا رسول الله قتل أبي وترك دينا وعيالا ، فقال : ألا أخبرك ؟ ما كلم الله أحدا إلا من وراء حجاب ، وإنه كلم أباك كفاحا ، فقال له : يا عبدي سلني أعطك ، فقال : أسألك أن تردني إلى الدنيا فأقتل فيك ثانيا ، فقال : إنه قد سبق مني أنهم إليها لا يرجعون ، قال : يا رب فأبلغ من ورائي ، فأنزل الله عز وجل : ( ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء   ( 169 ) )  [ آل عمران ] الآية . 
ويروى نحوه عن عروة ،  عن عائشة   . 
 [ ص: 434 ] وكان أبو جابر  من سادة الأنصار  شهد بدرا ،  وهو أحد النقباء ليلة العقبة ،  وهو عبد الله بن عمرو بن حرام بن ثعلبة بن حرام بن كعب بن غنم بن كعب بن سلمة   . وأمه الرباب بنت قيس  من بني سلمة   . شهد معه العقبة  ولده جابر   . 
وقال إبراهيم بن سعد ،  عن أبيه ، عن جده ، قال : أتي ابن عوف  بطعام فقال : قتل  مصعب بن عمير  وكان خيرا مني فلم يوجد له إلا بردة يكفن فيها ، ما أظننا إلا قد عجلت لنا طيباتنا في حياتنا الدنيا . 
وقال الأعمش ،  عن أبي وائل ،  عن خباب ،  قال : هاجرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم نبتغي وجه الله ، فوجب أجرنا على الله ، فمنا من ذهب لم يأكل من أجره ، وكان منهم  مصعب بن عمير ،  قتل يوم أحد ،  ولم يكن له إلا نمرة ، كنا إذا غطينا رأسه خرجت رجلاه ، وإذا غطينا رجليه خرج رأسه ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : غطوا بها رأسه واجعلوا على رجليه من الإذخر . ومنا من أينعت له ثمرته فهو يهدبها . متفق عليه . 
وقال يونس ،  عن ابن إسحاق   : حدثني عبد الواحد بن أبي عون ،  عن إسماعيل بن محمد بن سعد بن أبي وقاص ،  قال : كانت امرأة من الأنصار  من بني دينار  قد أصيب زوجها وأخوها يوم أحد   . فلما نعوا لها قالت : ما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قالوا : خيرا ، يا أم فلان . فقالت : أرونيه حتى أنظر إليه . فأشاروا لها إليه ، حتى إذا رأته قالت : كل مصيبة بعدك  [ ص: 435 ] جلل ; أي : هين . ويكون في غير ذا بمعنى عظيم . 
وعن  أبي برزة  أن جليبيبا  كان من الأنصار ،  فقال النبي صلى الله عليه وسلم ذات يوم لرجل : " زوجني ابنتك " . قال : نعم ونعمة عين . قال : " لست أريده لنفسي " . قال : فلمن ؟ قال : " لجليبيب   " . قال : حتى أستأمر أمها . فأتاها فأجابت : لرسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قال : إنما يريد ابنتك لجليبيب   . قالت : ألجليبيب ؟  لا لعمر الله لا أزوجه . فلما قام أبوها ليأتي النبي صلى الله عليه وسلم . قالت الفتاة من خدرها لأبويها : من خطبني ؟ قالا : رسول الله . قالت : أفتردون عليه أمره ؟ ادفعوني إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنه لن يضيعني . فذهب أبوها إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : شأنك بها . فزوجها جليبيبا ،  ودعا لهما . فبينما رسول الله صلى الله عليه وسلم في مغزى له قال : هل تفقدون من أحد ؟ قالوا : نفقد فلانا ونفقد فلانا . قال : لكني أفقد جليبيبا ،  فاطلبوه . فنظروا فوجدوه إلى جنب سبعة قد قتلهم ، ثم قتلوه . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : هذا مني وأنا منه قتل سبعة ثم قتلوه . فوضعوه على ساعديه ثم حفروا له ، ما له سرير إلا ساعدا رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى وضعه في قبره . قال ثابت البناني   : فما في الأنصار  أنفق منها  . 
أخرجه مسلم  من حديث حماد بن سلمة ،  عن ثابت ،  عن كنانة بن نعيم ،  عن  أبي برزة  
وقال الأعمش ،  عن عبد الله بن مرة ،  عن مسروق   : سألنا  عبد الله بن مسعود  عن قوله تعالى :  "  ) ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا   ( 169 ) ) [ آل عمران ] ، قال : أما إنا قد سألنا عن ذلك ، فقال : أرواحهم في جوف طير خضر تسرح في الجنة حيث شاءت ، ثم تأوي إلى قناديل معلقة بالعرش . 
 [ ص: 436 ] قال : فبينما هم كذلك إذ اطلع عليهم ربك اطلاعة فقال : سلوني ما شئتم . فقالوا : يا ربنا وما نسألك ، ونحن نسرح في الجنة في أيها شئنا ؟ فلما رأوا أن لا يتركوا من أن يسألوا قالوا : نسألك أن ترد أرواحنا إلى أجسادنا في الدنيا فنقتل في سبيلك . فلما رأى أنهم لا يسألون إلا هذا ، تركوا  . أخرجه مسلم   . 
وقال عبد الله بن إدريس ،  عن محمد بن إسحاق ،  عن إسماعيل بن أمية ،  عن  أبي الزبير ،  عن سعيد بن جبير ،  عن ابن عباس ،  قال النبي صلى الله عليه وسلم : لما أصيب إخوانكم بأحد ،  جعل الله أرواحهم في أجواف طير خضر ترد أنهار الجنة وتأكل من ثمارها ، وتأوي إلى قناديل من ذهب معلقة في ظل العرش . فلما وجدوا طيب مأكلهم ومشربهم ومقيلهم ، قالوا : من يبلغ إخواننا عنا أنا أحياء في الجنة نرزق ، لئلا ينكلوا عند الحرب ولا يزهدوا في الجهاد . قال الله تعالى : " أنا أبلغهم عنكم " ، فأنزلت :  ( ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا   ( 169 ) ) [ آل عمران ] وقال يونس  عن ابن إسحاق   : حدثني  عاصم بن عمر بن قتادة ،  عن عبد الرحمن بن جابر بن عبد الله ،  عن أبيه : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : إذا ذكر أصحاب أحد   : أما والله لوددت أني غودرت مع أصحاب نحص الجبل يقول : قتلت معهم  . 
وقال الليث ،  عن يزيد بن أبي حبيب ،  عن أبي الخير ،  عن عقبة بن عامر ،  أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج يوما فصلى على أهل أحد  صلاته على الميت ، ثم انصرف إلى المنبر فقال : إني فرطكم وأنا شهيد عليكم  . 
 [ ص: 437 ] الحديث أخرجه  البخاري   . 
وروى العطاف بن خالد   : حدثني عبد الأعلى بن عبد الله بن أبي فروة ،  عن أبيه ; أن النبي صلى الله عليه وسلم زار قبور الشهداء بأحد   . 
وروى عبد العزيز بن عمران بن موسى   : عن عباد بن أبي صالح ،  عن أبيه عن  أبي هريرة  قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأتي قبور الشهداء ، فإذا أتى فرضة الشعب يقول : السلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار  . وكان يفعله أبو بكر  ثم عمر  بعده ثم عثمان   . 
وذكر نحو هذا الحديث الواقدي  في " مغازيه " بلا سند . 
وقال أبو حسان الزيادي   : ومات في شوال يوم جمعة عمرو بن مالك الأنصاري  أحد بني النجار ،  فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أحد  فصلى عليه في موضع الجبان . وكان أول من فعل به ذلك  . 
				
						
						
