وقال ابن إسحاق : حدثني عبد الله بن أبي بكر ، قال : قدم مقيس بن صبابة على رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة ، وقد أظهر الإسلام ، يطلب بدم أخيه هشام ، وكان قتله رجل من المسلمين يوم بني المصطلق ولا يحسبه [ ص: 180 ] إلا مشركا ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما قتل أخوك خطأ . وأمر له بديته ، فأخذها ، فمكث مع المسلمين شيئا ، ثم عدا على قاتل أخيه فقتله ، ولحق بمكة كافرا . فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم- عام الفتح بقتله ، فقتله رجل من قومه يقال له نميلة بن عبد الله ; بين الصفا والمروة .
وحدثني عبد الله بن أبي بكر ، وأبو عبيدة بن محمد بن عمار : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما أمر بقتل ابن أبي سرح لأنه كان قد أسلم ، وكتب لرسول الله صلى الله عليه وسلم الوحي ، فرجع مشركا ولحق بمكة .
قال ابن إسحاق : وإنما عبد الله بن خطل ; أحد أمر بقتل بني تيم بن غالب ; لأنه كان مسلما ، فبعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم مصدقا ، وبعث معه رجلا من الأنصار ، وكان معه مولى يخدمه وكان مسلما . فنزل منزلا فأمر المولى أن يذبح تيسا ويصنع له طعاما ، ونام فاستيقظ ولم يصنع له شيئا فقتله وارتد . وكان له قينة وصاحبتها تغنيان بهجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأمر بقتلهما معه ، وكان ممن يؤذي رسول الله صلى الله عليه وسلم .
وقال يعقوب القمي : حدثنا جعفر بن أبي المغيرة ، عن ابن أبزى ، قال : لما افتتح رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة ، جاءت عجوز حبشية شمطاء تخمش وجهها وتدعو بالويل . فقيل : يا رسول الله ، رأينا كذا وكذا . فقال : " تلك نائلة أيست أن تعبد ببلدكم هذا أبدا " كأنه منقطع .
وقال عن يونس بن بكير ، زكريا ، عن الشعبي ، عن الحارث بن مالك ; هو ابن برصاء ; قال : مكة بعد اليوم أبدا إلى يوم القيامة " . سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الفتح يقول : " لا تغزى
[ ص: 181 ] وقال : حدثنا محمد بن فضيل الوليد بن جميع ، عن قال : أبي الطفيل لما فتح رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة ; بعث خالد بن الوليد إلى نخلة ، وكانت بها العزى ، فأتاها خالد وكانت على ثلاث سمرات ، فقطع السمرات وهدم البيت الذي كان عليها . ثم أتى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره ، فقال : " ارجع ، فإنك لم تصنع شيئا " فرجع خالد ، فلما نظرت إليه السدنة ; وهم حجابها ; أمعنوا في الجبل وهم يقولون : يا عزى خبليه ، يا عزى عوريه ، وإلا فموتي برغم . فأتاها خالد ، فإذا امرأة عريانة ناشرة شعرها تحثو التراب على رأسها ، فعممها بالسيف حتى قتلها . ثم رجع إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره ، فقال : " تلك العزى " . أبو الطفيل له رؤية .
وقال ابن إسحاق : حدثني أبي ، قال : حدثني بعض آل جبير بن مطعم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما دخل مكة ، أمر بلالا فعلا على ظهر الكعبة ، فأذن عليها ، فقال بعض بني سعيد بن العاص : لقد أكرم الله سعيدا قبل أن يرى هذا الأسود على ظهر الكعبة .
وقال عروة : أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بلالا يوم الفتح فأذن على الكعبة .
وقال الليث ، عن يزيد بن أبي حبيب ، عن سعيد بن أبي هند : أن أبا مرة مولى عقيل حدثه ، حدثته ; أنه لما كان عام الفتح فر إليها رجلان من أم هانئ بنت أبي طالب بني مخزوم ، فأجارتهما . قالت : فدخل علي علي ، فقال : أقتلهما . فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهو بأعلى مكة ، فلما رآني رحب بي ، فقال : " ما جاء بك يا أم هانئ ؟ " قالت : يا نبي الله ، كنت قد أمنت رجلين من أحمائي فأراد علي قتلهما . فقال : " قد أجرنا من أجرت " ثم قام إلى غسله ، فسترت عليه فاطمة . ثم أخذ ثوبا [ ص: 182 ] فالتحف به ثم صلى ثمان ركعات ; سبحة الضحى . أخرجه أن مسلم .
وقال الليث ، عن المقبري ، أبي شريح العدوي ، أنه قال لعمرو بن سعيد ، وهو يبعث البعوث إلى مكة : ائذن لي أيها الأمير ، أحدث قولا قام به رسول الله صلى الله عليه وسلم الغد من يوم الفتح ؟ سمعته أذناي ووعاه قلبي وأبصرته عيناي حين تكلم به ; أنه حمد الله وأثنى عليه ، ثم قال : " إن الله حرم مكة ولم يحرمها الناس ، ولا يحل لامرئ يؤمن بالله واليوم الآخر أن يسفك بها دما ، ولا يعضد بها شجرة ، فإن أحد ترخص بقتال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها ، فقولوا له : إن الله قد أذن لرسوله ولم يأذن لكم ، وإنما أذن لي فيها ساعة من نهار . قد عادت حرمتها اليوم كحرمتها بالأمس . فليبلغ الشاهد الغائب " فقيل لأبي شريح : ماذا قال لك عمرو ؟ قال : قال : أنا أعلم بذاك منك يا أبا شريح ، إن الحرم لا يعيذ عاصيا ولا فارا بدم ولا فارا بخربة . متفق عليه . عن