[ ص: 123 ] المدائني  عن جرير بن حازم  ، عن هزان بن سعيد  ، حدثني  رجاء بن حيوة  قال : لما ثقل سليمان بن عبد الملك  رآني عمر بن عبد العزيز  في الدار ، أخرج وأدخل ، وأتردد فقال : يا رجاء   ! أذكرك الله والإسلام أن تذكرني لأمير المؤمنين ، أو تشير بي ، فوالله ما أقوى على هذا الأمر ، فانتهرته ، وقلت : إنك لحريص على الخلافة ، فاستحيى ، ودخلت ، فقال لي سليمان   : من ترى لهذا الأمر ؟ فقلت : اتق الله ، فإنك قادم على الله -تعالى- وسائلك عن هذا الأمر ، وما صنعت فيه ، قال : فمن ترى ؟ قلت : عمر بن عبد العزيز  ، قال : كيف أصنع بعهد عبد الملك  إلى الوليد  وإلي في ابني عاتكة  أيهما بقي ، قلت : تجعله من بعده ، قال : أصبت ، جئني بصحيفة ، فأتيته بصحيفة ، فكتب عهد عمر  ويزيد بن عبد الملك  من بعد ، ثم دعوت رجالا ، فدخلوا ، فقال : عهدي في هذه الصحيفة مع رجاء  ، اشهدوا واختموا الصحيفة ، قال : فلم يلبث أن مات ، فكففت النساء عن الصياح ، وخرجت إلى الناس ، فقالوا : كيف أمير المؤمنين ؟ قلت : لم يكن منذ اشتكى أسكن منه الساعة ، قالوا : لله الحمد . 
قال ابن عيينة   : حدثني من شهد دابقا  ، وكان مجتمع غزو الناس ، فمات سليمان  بدابق  ،  ورجاء بن حيوة  صاحب أمره ومشورته ، خرج إلى الناس ، فأعلمهم بموته ، وصعد المنبر فقال : إن أمير المؤمنين كتب كتابا ، وعهد عهدا ، وأعلمهم بموته ، أفسامعون أنتم مطيعون ؟ قالوا : نعم ، وقال هشام   : نسمع ونطيع إن كان فيه استخلاف رجل من بني عبد الملك ،  قال : ويجذبه الناس حتى سقط إلى الأرض ، وقالوا سمعنا وأطعنا ، فقال : رجاء  قم يا عمر   - وهو على المنبر - فقال عمر   : والله إن هذا لأمر ما سألته الله قط . 
 [ ص: 124 ]  الوليد بن مسلم  ، عن عبد الرحمن بن حسان الكناني  قال : لما مرض سليمان  بدابق  قال : يا رجاء   ! أستخلف ابني ؟ قال : ابنك غائب ، قال : فالآخر؟ قال : هو صغير ، قال : فمن ترى ؟ قال : عمر بن عبد العزيز  ، قال : أتخوف بني عبد الملك  أن لا يرضوا ، قال : فوله ، ومن بعده  يزيد بن عبد الملك  ، وتكتب كتابا وتختمه ، وتدعوهم إلى بيعة مختوم عليها ، قال : فكتب العهد وختمه ، فخرج رجاء  ، وقال : إن أمير المومنين يأمركم أن تبايعوا لمن في هذا الكتاب ، قالوا : ومن فيه ؟ قال : مختوم ، ولا تخبرون بمن فيه حتى يموت ، فامتنعوا ، فقال سليمان   : انطلق إلى أصحاب الشرط ، وناد الصلاة جامعة ، ومرهم بالبيعة ، فمن أبى فاضرب عنقه ، ففعل ، فبايعوا ، قال رجاء   : فلما خرجوا ، أتاني هشام  في موكبه ، فقال : قد علمت موقفك منا ، وأنا أتخوف أن يكون أمير المؤمنين أزالها عني ، فأعلمني ما دام في الأمر نفس ، قلت : سبحان الله ! يستكتمني أمير المؤمنين ، وأطلعك ، لا يكون ذاك أبدا ، فأدارني وألاصني فأبيت عليه ، فانصرف ، فبينا أنا أسير إذ سمعت جلبة خلفي ، فإذا عمر بن عبد العزيز  ، فقال : يا رجاء   ! قد وقع في نفسي أمر كبير من هذا الرجل ، أتخوف أن يكون جعلها إلي ولست أقوم بهذا الشأن ، فأعلمني ما دام في الأمر نفس لعلي أتخلص ، قلت : سبحان الله ! يستكتمني أمرا أطلعك عليه! ! روى نحوها الواقدي   . 
حدثنا داود بن خالد ،  عن سهيل بن أبي سهيل  ، سمع  رجاء بن حيوة  يقول . وزاد : فصلى على سليمان  عمر بن عبد العزيز  ، فلما فرغ من دفنه ،  [ ص: 125 ] أتي بمراكب الخلافة ، فقال : دابتي أرفق لي ، فركب بغلته ، ثم قيل : تنزل منزل الخلافة ؟ قال : فيه عيال أبي أيوب  ، وفي فسطاطي كفاية ، فلما كان مساء تلك الليلة ، قال : يا رجاء   ! ادع لي كاتبا ، فدعوته فأملى عليه كتابا أحسن إملاء وأوجزه ، وأمر به فنسخ إلى كل بلد . 
وقد كان سليمان بن عبد الملك  من أمثل الخلفاء ، نشر علم الجهاد ، وجهز مائة ألف برا وبحرا فنازلوا القسطنطينية  ، واشتد القتال والحصار عليها أكثر من سنة . 
قال سعيد بن عبد العزيز   : ولي سليمان  ، فقال  لعمر بن عبد العزيز   : يا أبا حفص   ! إنا ولينا ما قد ترى ، ولم يكن لنا بتدبيره علم ، فما رأيت من مصلحة العامة ، فمر به ، فكان من ذلك عزل عمال الحجاج  ، وأقيمت الصلوات في أوقاتها بعدما كانت أميتت عن وقتها ، مع أمور جليلة كان يسمع من عمر  فيها ، فقيل : إن سليمان  حج ، فرأى الخلائق بالموقف ، فقال لعمر   : أما ترى هذا الخلق الذي لا يحصي عددهم إلا الله ؟ قال هؤلاء اليوم رعيتك ، وهم غدا خصماؤك ، فبكى بكاء شديدا . 
قلت : كان عمر  له وزير صدق ، ومرض بدابق  أسبوعا ، وتوفي وكان ابنه داود  غائبا في غزو القسطنطينية   . 
وعن  رجاء بن حيوة  قال : ثقل سليمان  ، ولما مات أجلسته وسندته وهيأته ، ثم خرجت إلى الناس ، فقالوا : كيف أصبح أمير المؤمنين ؟ قلت : أصبح ساكنا ، فادخلوا سلموا عليه ، وبايعوا بين يديه على ما في العهد ، فدخلوا ، وقمت عنده ، وقلت : إنه يأمركم بالوقوف ، ثم أخذت الكتاب من جيبه ، وقلت : إن أمير المؤمنين يأمركم أن تبايعوا على ما في هذا الكتاب ، فبايعوا ، وبسطوا أيديهم ، فلما فرغوا ، قلت : آجركم الله في أمير المؤمنين ،  [ ص: 126 ] قالوا : فمن ؟ ففتحت الكتاب ، فإذا فيه : عمر بن عبد العزيز  ، فتغيرت وجوه بني عبد الملك  ، فلما سمعوا : " وبعده يزيد   " تراجعوا ، وطلب عمر  فإذا هو في المسجد ، فأتوه ، وسلموا عليه بالخلافة فعقر فلم يستطع النهوض حتى أخذوا بضبعيه ، فأصعدوه المنبر ، فجلس طويلا لا يتكلم ، فقال رجاء   : ألا تقومون إلى أمير المؤمنين فتبايعونه ، فنهضوا إليه ، ومد يده إليهم ، فلما مد هشام بن عبد الملك  يده إليه ، قال : إنا لله وإنا إليه راجعون ، فقال عمر   : نعم إنا لله ، حين صار يلي هذه الأمة أنا وأنت ، ثم قام ، فحمد الله ، وأثنى عليه ، وقال : أيها الناس ! إني لست بفارض ، ولكني منفذ ، ولست بمبتدع ، ولكني متبع ، وإن من حولكم من الأمصار إن أطاعوا كما أطعتم ، فأنا واليكم ، وإن هم أبوا فلست لكم بوال ، ثم نزل ، فأتاه صاحب المراكب ، فقال : لا ائتوني بدابتي ، ثم كتب إلى عمال الأمصار . قال رجاء   : كنت أظن أنه سيضعف ، فلما رأيت صنعه في الكتاب علمت أنه سيقوى . 
قال عمرو بن مهاجر   : صلى عمر  المغرب ، ثم صلى على سليمان   . 
قال ابن إسحاق   : مات سليمان  يوم الجمعة عاشر صفر سنة تسع وتسعين . 
				
						
						
