[ ص: 402 ] الطبقة الرابعة من التابعين
منصور بن المعتمر ( ع )
الحافظ الثبت القدوة أبو عتاب السلمي الكوفي أحد الأعلام . قال : هو من أبو عبيد القاسم بن سلام بني بهثة بن سليم من رهط العباس بن مرداس السلمي .
قلت : يروي عن أبي وائل ، وربعي بن حراش ، ، وإبراهيم النخعي ، وخيثمة بن عبد الرحمن وهلال بن يساف ، ، وزيد بن وهب وذر بن عبد الله ، وكريب ، وأبي الضحى ، وأبي صالح باذام ، ، وأبي حازم الأشجعي ، وسعيد بن جبير ، وعامر الشعبي ومجاهد ، وعبد الله بن مرة ، وطبقتهم . وما علمت له رحلة ولا رواية عن أحد من الصحابة ، وبلا شك كان عنده بالكوفة بقايا الصحابة ، وهو رجل شاب مثل عبد الله بن أبي أوفى ، إلا أنه كان من أوعية العلم ، صاحب إتقان وتأله وخير . وينزل في الرواية إلى وعمرو بن حريث الزهري ، ، ويفضلونه على وخالد الحذاء الأعمش .
وقيل : أصح الأسانيد مطلقا سفيان ، عن منصور ، عن إبراهيم ، عن علقمة ، عن ابن مسعود .
[ ص: 403 ] حدث عنه خلق كثير ، منهم حصين بن عبد الرحمن وهو ابن عمه ، ، وأيوب السختياني وسليمان الأعمش ، ، وهم من أقرانه ، وسليمان التيمي وشعبة ، ، وسفيان الثوري وشيبان النحوي ، ، وشريك القاضي ، ومعمر بن راشد ، وإبراهيم بن أدهم ، والفضيل بن عياض وأسباط بن نصر ، وإسرائيل ، وجعفر بن زياد الأحمر ، ، والحسن بن صالح بن حي ، ومفضل بن مهلهل وهريم بن سفيان ، وورقاء بن عمر ، ، وزائدة بن قدامة ، ووهيب بن خالد وأبو حمزة محمد بن ميمون المروزي ، والجراح بن مليح أبو وكيع ، والحكم بن هشام الثقفي ، ، وسلام بن أبي مطيع والقاسم بن معن المسعودي ، ومعلى بن هلال الطحان ، وأبو عوانة الوضاح ، وأبو المحياة يحيى بن يعلى التيمي ، وعبدة بن حميد ، وعمر بن عبد الرحمن الأبار ، وأبو الأحوص سلام ، ، وجرير بن عبد الحميد ، ومعتمر بن سليمان . وسفيان بن عيينة
روى شعبة ، عن منصور قال : ما كتبت حديثا قط . وقال عبد الرحمن بن مهدي : لم يكن بالكوفة أحد أحفظ من منصور . أجاز لنا ابن البخاري ، أنبأنا ابن طبرزد ، أنبأنا عبد الوهاب الأنماطي ، أنبأنا الصريفيني ، أنبأنا ابن حبابة ، حدثنا البغوي ، حدثني إبراهيم بن عبد الله القصار ، حدثنا مصعب بن المقدام ، عن زائدة قال : قلت لمنصور بن المعتمر : اليوم الذي أصوم أقع في الأمراء ؟ قال : لا . قلت : فأقع فيمن يتناول أبا بكر وعمر ؟ قال : نعم .
وبه إلى البغوي : حدثني ابن زنجويه ، سمعت إبراهيم بن مهدي سمعت أبا الأحوص قال : قالت بنت لجار : . يا أبت أين الخشبة التي كانت في سطح منصور بن المعتمر منصور قائمة ؟ قال : يا بنية ذاك منصور ، كان يقوم الليل . حدثنا أبو سعيد الأشج ، حدثنا أبو بكر بن عياش ، رأيت منصورا إذا قام [ ص: 404 ] في الصلاة عقد لحيته في صدره .
حدثني أبو سعيد ، حدثنا عبد الله بن الأجلح . قال : رأيت منصورا أحسن الناس قياما في الصلاة ، وكان يخضب بالحناء .
حدثني العباس بن محمد ، حدثنا أبو بكر بن أبي الأسود ، سمعت ابن مهدي يقول : لم يكن بالكوفة أثبت من أربعة فبدأ بمنصور ، وأبي حصين ، ، وسلمة بن كهيل . قال : وكان وعمرو بن مرة منصور أثبتهم .
حدثنا أحمد بن عمران الأخنسي : سمعت أبا بكر بن عياش يقول : رحم الله منصورا ، كان صواما قواما .
قال : لم يكن أحد أعلم بحديث يحيى بن معين منصور من الثوري . وقد روى حصين ، عن منصور ، وكان حصين أسن منه .
وقال هشيم : سئل حصين : أنت أكبر أم منصور ؟ قال : إني لأذكر ليلة زفت أم منصور إلى أبيه . أبو بكر بن عياش ، عن مغيرة قال : اختلف منصور إلى إبراهيم وهو من أعبد الناس ، فلما أخذ في الآثار ، فتر . وبه قال البغوي : حدثنا الأخنسي ، سمعت أبا بكر يقول : لو رأيت ، منصور بن المعتمر وربيع بن أبي راشد ، في الصلاة ، قد وضعوا لحاهم على صدورهم ، عرفت أنهم من أبزار الصلاة . وعاصم بن أبي النجود
ابن المديني ، عن يحيى ، وسئل عن أصحاب إبراهيم أيهم أحب إليك ؟ فقال : إذا جاءك منصور ، فقد ملأت يديك لا تريد غيره .
كان سفيان يقول : كنت لا أحدث الأعمش عن أحد إلا رده ، فإذا قلت : منصور ، سكت [ ص: 405 ] : سمعت حجاج بن محمد شعبة يقول : قال منصور : وددت أني كتبت وأن علي كذا وكذا ، قد ذهب مني مثل علمي .
وقال : يحيى القطان منصور أحسن حديثا عن مجاهد من ابن أبي نجيح . وبه إلى البغوي : حدثنا يحيى بن عبد الحميد ، حدثنا شريك ، حدثنا منصور ، ولو أن غير منصور حدثني ما قبلته منه ، ولقد سألته عنه ، فأبى أن يحدثني ، فلما جرت بيني وبينه المعرفة ، كان هو الذي ابتدأني ، قال : حدثنا ربعي قال : حدثنا علي -رضي الله عنه- قال : اجتمعت قريش إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- وفيهم ، فقالوا : يا سهيل بن عمرو محمد ، أرقاؤنا لحقوا بك ، فارددهم علينا ، فغضب حتى رئي الغضب في وجهه وذكر الحديث .
حدثنا علي بن سهل ، حدثنا عفان ، حدثنا أبو عوانة قال : لما ولي القضاء ، كان يأتيه الخصمان ، فيقص ذا قصته ، وذا قصته ، فيقول : قد فهمت ما قلتما ، ولست أدري ما أرد عليكما ، فبلغ ذلك منصور بن المعتمر أو خالد بن عبد الله ابن هبيرة ، وهو الذي كان ولاه ، فقال : . هذا أمر لا ينفع إلا من أعان عليه بشهوة ، قال يعني : فعزله .
حدثنا الأخنسي ، سمعت أبا بكر يقول : كنت مع منصور جالسا في منزله ، فتصيح به أمه ، وكانت فظة عليه ، فتقول : يا منصور يريدك ابن هبيرة على القضاء فتأبى ، وهو واضع لحيته على صدره ، ما يرفع طرفه إليها .
قال : يحيى بن معين منصور أثبت من الحكم .
[ ص: 406 ] ، عن يحيى القطان الثوري قال : لو رأيت ، لقلت : يموت الساعة . منصور بن المعتمر
وقال زائدة : امتنع منصور من القضاء ، فدخلت عليه وقد جيء بالقيد ليقيد ، فجاءه خصمان ، فقعدا ، فلم يسألهما ولم يكلمهما ، فقيل ليوسف بن عمر : لو نثرت لحمه لم يل القضاء ، فتركه . عن يحيى القطان شعبة : سألت منصورا وأيوب عن القراءة ، يعني : قراءة الحديث ، فقالا : جيدة . ابن معين : سمعت جريرا يقول : كان منصور إذا رأى معي رقعة ، يقول : لا تكتب عني ، فأتركه ، وآتي مغيرة .
قال العلاء بن سالم : كان منصور يصلي في سطحه ، فلما مات ، قال غلام لأمه : يا أمه الجذع الذي في سطح آل فلان ، ليس أراه ، قالت : يا بني ليس ذاك بجذع ، ذاك منصور ، وقد مات -رحمه الله .
قال خلف بن تميم : حدثنا زائدة ، أن منصورا صام أربعين سنة ، وقام ليلها ، وكان يبكي ، فتقول له أمه يا بني : قتلت قتيلا ؟ فيقول : أنا أعلم بما صنعت بنفسي ، فإذا كان الصبح ، كحل عينيه ، ودهن رأسه ، وبرق شفتيه وخرج إلى الناس .
وذكر سفيان بن عيينة منصورا ، فقال : قد كان عمش من البكاء . وعن مفضل قال : حبس ابن هبيرة منصورا شهرا على القضاء يريده عليه ، فأبى ، وقيل : إنه أحضر قيدا ليقيده به ، ثم خلاه .
قال : كان أحمد بن عبد الله العجلي منصور أثبت أهل الكوفة ، لا يختلف فيه أحد ، صالح متعبد ، أكره على القضاء فقضى شهرين ، قال : وفيه [ ص: 407 ] تشيع قليل وكان قد عمش من البكاء .
قلت : تشيعه حب وولاء فقط .
قال : أبو حاتم الرازي الأعمش حافظ ، يدلس ويخلط ، ومنصور أتقن منه ، لا يخلط ولا يدلس .
وقال إبراهيم بن موسى الفراء : أثبت أهل الكوفة منصور ، ثم مسعر .
قال في " الكنى " : أبو أحمد الحاكم أبو عتاب منصور بن المعتمر بن عبد الله بن ربيعة ، ويقال : ابن المعتمر بن عتاب بن عبد الله بن ربيعة ، ويقال : ابن المعتمر بن عتاب بن فرقد السلمي من بهثة بن سليم بن رهط العباس بن مرداس ومجاشع بن مسعود السلميين ، وجده ، قد رأى النبي -صلى الله عليه وسلم- عداده في التابعين . سمع عبد الله بن ربيعة السلمي ، زيد بن وهب وأبا وائل شقيق بن سلمة ، وروى عنه عن أنس بن مالك إن كان ذلك محفوظا .
روى عنه سليمان التيمي ، وحصين بن عبد الرحمن ، وأيوب بن أبي تميمة السختياني ، وسليمان بن مهران الكاهلي ، وهو أحد متقي مشايخ الكوفيين ونساكهم . مات سنة ثنتين . ويقال : سنة ثلاث وثلاثين ومائة وهو ابن عم حصين بن عبد الرحمن وعتبة بن فرقد ، قال : ومحمد بن علي السلمي أخوه لأمه .
قال أبو داود : طلب منصور الحديث قبل وقعة الجماجم طلب بعد الجماجم . والأعمش
[ ص: 408 ] وقال : هو أتقن من أبو حاتم الرازي الأعمش ، لا يخلط ولا يدلس بخلاف الأعمش .
قال سفيان بن عيينة : كان منصور في الديوان ، فكان إذا دارت نوبته لبس ثيابه وذهب فحرس . يعني : في الرباط .
قال أبو نعيم الملائي : سمعت حماد بن زيد يقول : رأيت صاحبكم ، وكان من هذه منصور بن المعتمر الخشبية ، وما أراه كان يكذب ، قلت : الخشبية : هم الشيعة .
قال : كان يحيى بن سعيد القطان منصور من أثبت الناس . وحكاية أبي بكر الباغندي الحافظ مشهورة ، سمعناها في معجم الغساني ، أنه كان ينتخب على شيخ ، فكان يقول له : كم تضجرني ؟ أنت أكثر حديثا مني وأحفظ ، فقال : إني قد جئت إلى الحديث ، بحسبك أني رأيت النبي -صلى الله عليه وسلم- في النوم ، فلم أسأله الدعاء ، وإنما قلت : يا رسول الله أيما أثبت في الحديث منصور أو الأعمش ؟ فقال : منصور منصور . أخبرنا إسحاق بن طارق ، أنبأنا ابن خليل ، أنبأنا أبو المكارم اللبان ، أنبأنا أبو علي الحداد ، أنبأنا أبو نعيم ، حدثنا أبو محمد بن حيان ، حدثنا محمد بن يحيى ، حدثنا أزهر بن جميل ، حدثنا سفيان بن عيينة ، قال : رأيت ، فقلت : ما فعل الله بك ؟ قال : كدت أن ألقى الله - تعالى- بعمل نبي . ثم قال سفيان : صام منصور بن المعتمر منصور ستين سنة ، يقوم ليلها ويصوم نهارها -رحمه الله .
قال أبو نعيم الملائي : مات منصور بعدما قدم السودان ، يعني : المسودة أي آل العباس . أحمد بن زهير : سمعت ابن معين يقول : مات منصور سنة ثلاث وثلاثين ومائة وفيها أرخه ، محمد بن عبد الله بن نمير وشباب العصفري ، [ ص: 409 ] وقال : سنة اثنتين وثلاثين . بعد أبو القاسم بن منده السودان بقليل ، ثم أعاده في سنة ثلاث وثلاثين . فالله أعلم .