nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=5nindex.php?page=treesubj&link=28979_29676_30764كما أخرجك ربك من بيتك بالحق وإن فريقا من المؤمنين لكارهون nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=6يجادلونك في الحق بعد ما تبين كأنما يساقون إلى الموت وهم ينظرون
تشبيه حال بحال ، وهو متصل بما قبله ، إما بتقدير مبتدأ محذوف ، هو اسم إشارة لما ذكر قبله ، تقديره : هذا الحال كحال ما أخرجك ربك من بيتك بالحق ، ووجه الشبه هو كراهية المؤمنين في بادئ الأمر لما هو خير لهم في الواقع
[ ص: 264 ] وإما بتقدير مصدر لفعل الاستقرار الذي يقتضيه الخبر بالمجرور في قوله
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=1الأنفال لله والرسول إذ التقدير : استقرت لله والرسول استقرارا كما أخرجك ربك ، أي فيما يلوح إلى الكراهية والامتعاض في بادئ الأمر ، ثم نوالهم النصر والغنيمة في نهاية الأمر ، فالتشبيه تمثيلي وليس مراعى فيه تشبيه بعض أجزاء الهيئة المشبهة ببعض أجزاء الهيئة المشبه بها ، أي أن ما كرهتموه من قسمة الأنفال على خلاف مشتهاكم سيكون فيه خير عظيم لكم ، حسب عادة الله - تعالى - بهم في أمره ونهيه ، وقد دل على ما في الكلام من معنى مخالفة مشتهاهم قوله
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=1فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم وأطيعوا الله ورسوله إن كنتم مؤمنين كما تقدم ، مع قوله في هذه الجملة
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=5وإن فريقا من المؤمنين لكارهون .
فجملة وإن فريقا في موضع الحال ، والعامل فيها أخرجك ربك ، هذا وجه اتصال كاف التشبيه بما قبلها على الأظهر ، وللمفسرين وجوه كثيرة بلغت العشرين قد استقصاها
ابن عادل ، وهي لا تخلو من تكلف ، وبعضها متحد المعنى ، وبعضها مختلفه ، وأحسن الوجوه ما ذكره
ابن عطية ومعناه قريب مما ذكرنا وتقديره بعيد منه .
والمقصود من هذا الأسلوب : الانتقال إلى تذكيرهم بالخروج إلى
بدر وما ظهر فيه من دلائل
nindex.php?page=treesubj&link=29676_29677_28753عناية الله - تعالى - برسوله - صلى الله عليه وسلم - وبالمؤمنين .
و ما مصدرية . والإخراج : إما مراد به الأمر بالخروج للغزو ، وإما تقدير الخروج لهم وتيسيره .
والخروج مفارقة المنزل والبلد إلى حين الرجوع إلى المكان الذي خرج منه ، أو إلى حين البلوغ إلى الموضع المنتقل إليه .
والإخراج من البيت : هو الإخراج المعين الذي خرج به النبيء - صلى الله عليه وسلم - غازيا إلى
بدر .
والباء في بالحق للمصاحبة أي إخراجا مصاحبا للحق ، والحق هنا الصواب ، لما تقدم آنفا من أن اسم الحق جامع لمعنى كمال كل شيء في محامد نوعه .
والمعنى أن الله أمره بالخروج إلى المشركين
ببدر أمرا موافقا للمصلحة في حال كراهة فريق من المؤمنين ذلك الخروج .
[ ص: 265 ] وقد أشار هذا الكلام إلى
nindex.php?page=treesubj&link=29313السبب الذي خرج به المسلمين إلى بدر ، فكان بينهم وبين المشركين يوم
بدر ، وذلك أنه كان في أوائل رمضان في السنة الثانية للهجرة أن قفلت عير
لقريش فيها أموال وتجارة لهم من بلاد
الشام ، راجعة إلى
مكة ، وفيها
nindex.php?page=showalam&ids=12026أبو سفيان بن حرب في زهاء ثلاثين رجلا من
قريش ، فلما بلغ خبر هذه العير رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ندب المسلمين إليها فانتدب بعضهم وتثاقل بعض ، وهم الذين كرهوا الخروج ، ولم ينتظر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من تثاقلوا ومن لم يحضر ظهرهم أي رواحلهم فسار وقد nindex.php?page=treesubj&link=30785اجتمع من المسلمين ثلاثمائة وبضعة عشر خرجوا يوم ثمانية من رمضان ، وكانوا يحسبون أنهم لا يلقون حربا وأنهم يغيرون على العير ثم يرجعون ، وبلغ أبا سفيان خبر خروج المسلمين فأرسل صارخا يستصرخ قريشا لحماية العير ، فتجهز منهم جيش ، ولما بلغ المسلمون وادي ذفران بلغهم خروج قريش لتلقي العير ، nindex.php?page=treesubj&link=30764فاستشار رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المسلمين فأشاروا عليه بالمضي في سبيله وكانت العير يومئذ فاتتهم ، واطمأن أبو سفيان لذلك فأرسل إلى أهل مكة يقول : إن الله نجى عيركم فارجعوا ، فقال أبو جهل : لا نرجع حتى نرد بدرا - وكان بدر موضع ماء فيه سوق للعرب في كل عام - فنقيم ثلاثا ، فننحر الجزر ونسقي الخمر وتعزف علينا القيان ، وتتسامع العرب بنا وبمسيرنا فلا يزالوا يهابوننا ويعلموا أن محمدا لم يصب العير ، وأنا قد أعضضناه ، فسار المشركون إلى بدر وتنكبت عيرهم على طريق الساحل ، وأعلم الله النبيء - صلى الله عليه وسلم - بذلك فأعلم المسلمين ، فاستشارهم وقال : العير أحب إليكم أم النفير ، فقال أكثرهم : العير أحب إلينا من لقاء العدو ، فتغير وجه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثم أعاد استشارتهم فأشار أكثرهم قائلين : عليك بالعير فإنا خرجنا للعير ، فظهر الغضب على وجهه ، فتكلم أبو بكر ، وعمر ، nindex.php?page=showalam&ids=53والمقداد بن الأسود ، nindex.php?page=showalam&ids=228وسعد بن عبادة ، وأكثر الأنصار ، ففوضوا إلى رسول الله ما يرى أن يسير إليه - صلى الله عليه وسلم - فأمرهم حينئذ أن يسيروا إلى القوم ببدر فساروا ، وكان النصر العظيم الذي هز به الإسلام رأسه .
فهذا ما أشار إليه قوله - تعالى - :
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=5وإن فريقا من المؤمنين لكارهون وذلك أنهم خرجوا على نية التعرض للعير ، وأن ليس دون العير قتال ،
nindex.php?page=hadith&LINKID=10341848فلما أخبرهم عن تجمع قريش لقتالهم تكلم أبو بكر فأحسن ، وتكلم عمر فأحسن ، ثم قام nindex.php?page=showalam&ids=53المقداد بن الأسود [ ص: 266 ] فقال يا رسول الله : امض لما أراك الله فنحن معك ، والله لا نقول لك كما قالت بنو إسرائيل لموسى nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=24اذهب أنت وربك فقاتلا إنا هاهنا قاعدون ولكن اذهب أنت وربك فقاتلا إنا معكما مقاتلون ، نقاتل عن يمينك وعن شمالك وبين يديك وخلفك ، فوالذي بعثك بالحق لو سرت بنا إلى برك الغماد - بفتح باء " برك " وغين " الغماد " معجمة مكسورة موضع باليمن بعيد جدا عن مكة - لجالدنا معك من دونه حتى تبلغه . ثم قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أشيروا علي أيها الناس وإنما يريد الأنصار ، وذلك أنهم حين بايعوه بالعقبة قالوا يومئذ : إنا برآء من ذمامك حتى تصل إلى ديارنا فإذا وصلت إلينا فإنك في ذمتنا نمنعك مما نمنع منه أبناءنا ونساءنا . فكان رسول الله يتخوف أن يكون الأنصار لا يرون نصره إلا ممن دهمه بالمدينة ، وأن ليس عليهم أن يسير بهم من بلادهم ، فلما قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أشيروا علي قال له nindex.php?page=showalam&ids=307سعد بن معاذ : والله لكأنك تريدنا يا رسول الله . قال : أجل . قال : فقد آمنا بك وصدقناك وشهدنا أن ما جئت به هو الحق وأعطيناك على ذلك عهودنا ومواثيقنا على السمع والطاعة ، فامض يا رسول الله لما أردت فنحن معك ، فوالذي بعثك بالحق لو استعرضت بنا هذا البحر فخضته لخضناه معك وما تخلف منا رجل واحد ، وما نكره أن تلقى بنا عدونا غدا ، إنا لصبر في الحرب صدق في اللقاء ، لعل الله يريك بنا ما تقر به عينك ، فسر بنا على بركة الله " فسر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثم قال سيروا وابشروا فإن الله قد وعدني إحدى الطائفتين - أي ولم يخص وعد النصر بتلقي العير فقط - فما كان بعد ذلك إلا أن زال من نفوس المؤمنين الكارهين للقتال ما كان في قلوبهم من الكراهية ، وقوله
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=5وإن فريقا من المؤمنين لكارهون في موضع الحال من الإخراج الذي أفادته ، ما المصدرية ، وهؤلاء هم الذين تثاقلوا وقت العزم على الخروج من
المدينة ، والذين اختاروا العير دون النفير حين استشارة
وادي ذفران ، لأن ذلك كله مقترن بالخروج لأن الخروج كان ممتدا في الزمان ، فجملة الحال من قوله
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=5وإن فريقا من المؤمنين لكارهون حال مقارنة لعاملها وهو أخرجك .
وتأكيد خبر كراهية فريق من المؤمنين بإن ولام الابتداء مستعمل في التعجيب من شأنهم بتنزيل السامع غير المنكر لوقوع الخبر منزلة المنكر لأن وقوع ذلك مما
[ ص: 267 ] شأنه أن لا يقع ، إذ كان الشأن اتباع ما يحبه الرسول - صلى الله عليه وسلم - أو التفويض إليه ، وما كان ينبغي لهم أن يكرهوا لقاء العدو . ويستلزم هذا التنزيل التعجيب من حال المخبر عنهم بهذه الكراهية فيكون تأكيد الخبر كناية عن التعجيب من المخبر عنهم .
وجملة يجادلونك حال من فريقا فالضمير لفريق باعتبار معناه لأنه يدل على جمع . وصيغة المضارع لحكاية حال المجادلة زيادة في التعجيب منها ، وهذا التعجيب كالذي في قوله - تعالى - يجادلنا من قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=74فلما ذهب عن إبراهيم الروع وجاءته البشرى يجادلنا في قوم لوط إذ قال يجادلنا ولم يقل جادلنا .
وقوله
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=6بعدما تبين لوم لهم على المجادلة في الخروج الخاص ، وهو الخروج للنفير وترك العير ، بعد أن تبين أي ظهر أن الله قدر لهم النصر ، وهذا التبين هو بين في ذاته سواء شعر به كلهم أو بعضهم فإنه بحيث لا ينبغي الاختلاف فيه ، فإنهم كانوا عربا أذكياء ، وكانوا مؤمنين أصفياء ، وقد أخبرهم النبيء - صلى الله عليه وسلم - بأن الله ناصرهم على إحدى الطائفتين : طائفة العير أو طائفة النفير ، فنصرهم إذن مضمون ، ثم أخبرهم بأن العير قد أخطأتهم ، وقد بقي النفير ، فكان بينا أنهم إذا لقوا النفير ينصرهم الله عليه ، ثم رأوا كراهية النبيء - صلى الله عليه وسلم - لما اختاروا العير ، فكان ذلك كافيا في اليقين بأنهم إذا لقوا المشركين ينتصرون عليهم لا محالة ، ولكنهم فضلوا غنيمة العير على خضد شوكة أعدائهم ونهوض شوكتهم بنصر
بدر ، فذلك معنى تبين الحق ، أي رجحان دليله في ذاته ، ومن خفي عليه هذا التبيين من المؤمنين لم يعذره الله في خفائه عليه .
ومن هذه الآية يؤخذ حكم
nindex.php?page=treesubj&link=22291_28358مؤاخذة المجتهد إذا قصر في فهم ما هو مدلول لأهل النظر ،
nindex.php?page=hadith&LINKID=10341849وقد غضب النبيء - صلى الله عليه وسلم - من سؤال الذي سأله عن ضالة الإبل بعد أن سأله عن ضالة الغنم فأجابه هي لك أو لأخيك أو للذئب . فلما سأله بعد ذلك عن ضالة الإبل تمعر وجهه وقال " مالك ولها ، معها حذاؤها وسقاؤها تشرب الماء وترعى الشجر حتى يلقاها ربها " وروى
مالك ، في الموطأ ، أن
nindex.php?page=showalam&ids=3أبا هريرة مر بقوم محرمين فاستفتوه في
nindex.php?page=treesubj&link=3452لحم صيد وجدوا أناسا أحلة يأكلونه فأفتاهم بالأكل منه ثم قدم
المدينة فسأل
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر بن الخطاب عن
[ ص: 268 ] ذلك فقال له
عمر بم أفتيتهم ؟ قال : أفتيتهم بأكله ، فقال : لو أفتيتهم بغير ذلك لأوجعتك .
وجملة
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=6كأنما يساقون إلى الموت في موضع الحال من الضمير المرفوع في
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=6يجادلونك أي حالتهم في وقت مجادلتهم إياك تشبه حالتهم لو ساقهم سائق إلى الموت ، والمراد بالموت الحالة المضادة للحياة وهو معنى تكرهه نفوس البشر ، ويصوره كل عقل بما يتخيله من الفظاعة والبشاعة كما تصوره
أبو ذؤيب في صورة سبع في قوله : وإذا المنية أنشبت أظفارها
وكما تخيل ،
تأبط شرا الموت طامعا في اغتياله فنجا منه حين حاصره أعداؤه في جحر في جبل :
فخالط سهل الأرض لم يكدح الصفا به كدحة والموت خزيان ينظر
فقوله - تعالى -
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=6كأنما يساقون إلى الموت تشبيه لحالهم ، في حين المجادلة في اللحاق بالمشركين ، بحال من يجادل ويمانع من يسوقه إلى ذات الموت .
وهذا تفسير أليق بالتشبيه لتحصل المخالفة المطلقة بين الحالة المشبهة والحالة المشبه بها ، وإلا فإن أمرهم بقتال العدو الكثير العدد ، وهم في قلة ، إرجاء بهم إلى الموت إلا أنه موت مظنون ، وبهذا التفسير يظهر حسن موقع جملة
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=6وهم ينظرون أما المفسرون فتأولوا الموت في الآية بأنه الموت المتيقن فيكون التخالف بين المشبه والمشبه به تخالفا بالتقييد .
وجملة
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=6وهم ينظرون حال من ضمير يساقون ومفعول ينظرون محذوف دل عليه قوله إلى الموت أي : وهم ينظرون الموت ، لأن حالة الخوف من الشيء المخوف إذا كان منظورا إليه تكون أشد منها لو كان يعلم أنه يساق إليه ولا يراه ، لأن للحس من التأثير على الإدراك ما ليس لمجرد التعقل ، وقريب من هذا المعنى قول
جعفر بن علبة .
يرى غمرات الموت ثم يزورها
وفي عكسه في المسرة قوله - تعالى -
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=50وأغرقنا آل فرعون وأنتم تنظرون
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=5nindex.php?page=treesubj&link=28979_29676_30764كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقًا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكَارِهُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=6يُجَادِلُونَكَ فِي الْحَقِّ بَعْدَ مَا تَبَيَّنَ كَأَنَّمَا يُسَاقُونَ إِلَى الْمَوْتِ وَهُمْ يَنْظُرُونَ
تَشْبِيهُ حَالٍ بِحَالٍ ، وَهُوَ مُتَّصِلٌ بِمَا قَبْلَهُ ، إِمَّا بِتَقْدِيرِ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ ، هُوَ اسْمُ إِشَارَةٍ لِمَا ذُكِرَ قَبْلَهُ ، تَقْدِيرُهُ : هَذَا الْحَالُ كَحَالِ مَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ ، وَوَجْهُ الشَّبَهِ هُوَ كَرَاهِيَةُ الْمُؤْمِنِينَ فِي بَادِئِ الْأَمْرِ لِمَا هُوَ خَيْرٌ لَهُمْ فِي الْوَاقِعِ
[ ص: 264 ] وَإِمَّا بِتَقْدِيرِ مَصْدَرٍ لِفِعْلِ الِاسْتِقْرَارِ الَّذِي يَقْتَضِيهِ الْخَبَرُ بِالْمَجْرُورِ فِي قَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=1الْأَنْفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ إِذِ التَّقْدِيرُ : اسْتَقَرَّتْ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ اسْتِقْرَارًا كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ ، أَيْ فِيمَا يَلُوحُ إِلَى الْكَرَاهِيَةِ وَالِامْتِعَاضِ فِي بَادِئِ الْأَمْرِ ، ثُمَّ نَوَالِهِمُ النَّصْرَ وَالْغَنِيمَةَ فِي نِهَايَةِ الْأَمْرِ ، فَالتَّشْبِيهُ تَمْثِيلِيٌّ وَلَيْسَ مُرَاعًى فِيهِ تَشْبِيهُ بَعْضِ أَجْزَاءِ الْهَيْئَةِ الْمُشَبَّهَةِ بِبَعْضِ أَجْزَاءِ الْهَيْئَةِ الْمُشَبَّهِ بِهَا ، أَيْ أَنَّ مَا كَرِهْتُمُوهُ مِنْ قِسْمَةِ الْأَنْفَالِ عَلَى خِلَافِ مُشْتَهَاكُمْ سَيَكُونُ فِيهِ خَيْرٌ عَظِيمٌ لَكُمْ ، حَسَبَ عَادَةِ اللَّهِ - تَعَالَى - بِهِمْ فِي أَمْرِهِ وَنَهْيِهِ ، وَقَدْ دَلَّ عَلَى مَا فِي الْكَلَامِ مِنْ مَعْنَى مُخَالَفَةِ مُشْتَهَاهُمْ قَوْلُهُ
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=1فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ كَمَا تَقَدَّمَ ، مَعَ قَوْلِهِ فِي هَذِهِ الْجُمْلَةِ
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=5وَإِنَّ فَرِيقًا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكَارِهُونَ .
فَجُمْلَةُ وَإِنَّ فَرِيقًا فِي مَوْضِعِ الْحَالِ ، وَالْعَامِلُ فِيهَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ ، هَذَا وَجْهُ اتِّصَالِ كَافِ التَّشْبِيهِ بِمَا قَبْلَهَا عَلَى الْأَظْهَرِ ، وَلِلْمُفَسِّرِينَ وُجُوهٌ كَثِيرَةٌ بَلَغَتِ الْعِشْرِينَ قَدِ اسْتَقْصَاهَا
ابْنُ عَادِلٍ ، وَهِيَ لَا تَخْلُو مِنْ تَكَلُّفٍ ، وَبَعْضُهَا مُتَّحِدُ الْمَعْنَى ، وَبَعْضُهَا مُخْتَلِفُهُ ، وَأَحْسَنُ الْوُجُوهِ مَا ذَكَرَهُ
ابْنُ عَطِيَّةَ وَمَعْنَاهُ قَرِيبٌ مِمَّا ذَكَرْنَا وَتَقْدِيرُهُ بَعِيدٌ مِنْهُ .
وَالْمَقْصُودُ مِنْ هَذَا الْأُسْلُوبِ : الِانْتِقَالُ إِلَى تَذْكِيرِهِمْ بِالْخُرُوجِ إِلَى
بَدْرٍ وَمَا ظَهَرَ فِيهِ مِنْ دَلَائِلِ
nindex.php?page=treesubj&link=29676_29677_28753عِنَايَةِ اللَّهِ - تَعَالَى - بِرَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَبِالْمُؤْمِنِينَ .
وَ مَا مَصْدَرِيَّةٌ . وَالْإِخْرَاجُ : إِمَّا مُرَادٌ بِهِ الْأَمْرُ بِالْخُرُوجِ لِلْغَزْوِ ، وَإِمَّا تَقْدِيرُ الْخُرُوجِ لَهُمْ وَتَيْسِيرُهُ .
وَالْخُرُوجُ مُفَارَقَةُ الْمَنْزِلِ وَالْبَلَدِ إِلَى حِينِ الرُّجُوعِ إِلَى الْمَكَانِ الَّذِي خُرِجَ مِنْهُ ، أَوْ إِلَى حِينِ الْبُلُوغِ إِلَى الْمَوْضِعِ الْمُنْتَقَلِ إِلَيْهِ .
وَالْإِخْرَاجُ مِنَ الْبَيْتِ : هُوَ الْإِخْرَاجُ الْمُعَيَّنُ الَّذِي خَرَجَ بِهِ النَّبِيءُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - غَازِيًا إِلَى
بَدْرٍ .
وَالْبَاءُ فِي بِالْحَقِّ لِلْمُصَاحَبَةِ أَيْ إِخْرَاجًا مُصَاحِبًا لِلْحَقِّ ، وَالْحَقُّ هُنَا الصَّوَابُ ، لِمَا تَقَدَّمَ آنِفًا مِنْ أَنَّ اسْمَ الْحَقِّ جَامِعٌ لِمَعْنَى كَمَالِ كُلِّ شَيْءٍ فِي مَحَامِدِ نَوْعِهِ .
وَالْمَعْنَى أَنَّ اللَّهَ أَمَرَهُ بِالْخُرُوجِ إِلَى الْمُشْرِكِينَ
بِبَدْرٍ أَمْرًا مُوَافِقًا لِلْمَصْلَحَةِ فِي حَالِ كَرَاهَةِ فَرِيقٍ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ذَلِكَ الْخُرُوجَ .
[ ص: 265 ] وَقَدْ أَشَارَ هَذَا الْكَلَامُ إِلَى
nindex.php?page=treesubj&link=29313السَّبَبِ الَّذِي خَرَجَ بِهِ الْمُسْلِمِينَ إِلَى بَدْرٍ ، فَكَانَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْمُشْرِكِينَ يَوْمُ
بَدْرٍ ، وَذَلِكَ أَنَّهُ كَانَ فِي أَوَائِلِ رَمَضَانَ فِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ لِلْهِجْرَةِ أَنْ قَفَلَتْ عِيرٌ
لِقُرَيْشٍ فِيهَا أَمْوَالٌ وَتِجَارَةٌ لَهُمْ مِنْ بِلَادِ
الشَّامِ ، رَاجِعَةً إِلَى
مَكَّةَ ، وَفِيهَا
nindex.php?page=showalam&ids=12026أَبُو سُفْيَانَ بْنُ حَرْبٍ فِي زُهَاءِ ثَلَاثِينَ رَجُلًا مِنْ
قُرَيْشٍ ، فَلَمَّا بَلَغَ خَبَرُ هَذِهِ الْعِيرِ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَدَبَ الْمُسْلِمِينَ إِلَيْهَا فَانْتَدَبَ بَعْضُهُمْ وَتَثَاقَلَ بَعْضٌ ، وَهُمُ الَّذِينَ كَرِهُوا الْخُرُوجَ ، وَلَمْ يَنْتَظِرْ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَنْ تَثَاقَلُوا وَمَنْ لَمْ يَحْضُرْ ظَهْرُهُمْ أَيْ رَوَاحِلُهُمْ فَسَارَ وَقَدِ nindex.php?page=treesubj&link=30785اجْتَمَعَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ ثَلَاثُمِائَةٍ وَبِضْعَةَ عَشَرَ خَرَجُوا يَوْمَ ثَمَانِيَةٍ مِنْ رَمَضَانَ ، وَكَانُوا يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ لَا يَلْقَوْنَ حَرْبًا وَأَنَّهُمْ يُغِيرُونَ عَلَى الْعِيرِ ثُمَّ يَرْجِعُونَ ، وَبَلَغَ أَبَا سُفْيَانَ خَبَرُ خُرُوجِ الْمُسْلِمِينَ فَأَرْسَلَ صَارِخًا يَسْتَصْرِخُ قُرَيْشًا لِحِمَايَةِ الْعِيرِ ، فَتَجَهَّزَ مِنْهُمْ جَيْشٌ ، وَلِمَا بَلَغَ الْمُسْلِمُونَ وَادِي ذَفِرَانَ بَلَغَهُمْ خُرُوجُ قُرَيْشٍ لِتَلَقِّي الْعِيرِ ، nindex.php?page=treesubj&link=30764فَاسْتَشَارَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْمُسْلِمِينَ فَأَشَارُوا عَلَيْهِ بِالْمُضِيِّ فِي سَبِيلِهِ وَكَانَتِ الْعِيرُ يَوْمَئِذٍ فَاتَتْهُمْ ، وَاطْمَأَنَّ أَبُو سُفْيَانَ لِذَلِكَ فَأَرْسَلَ إِلَى أَهْلِ مَكَّةَ يَقُولُ : إِنَّ اللَّهَ نَجَّى عِيرَكُمْ فَارْجِعُوا ، فَقَالَ أَبُو جَهْلٍ : لَا نَرْجِعُ حَتَّى نَرِدَ بَدْرًا - وَكَانَ بَدْرٌ مَوْضِعَ مَاءٍ فِيهِ سُوقٌ لِلْعَرَبِ فِي كُلِّ عَامٍ - فَنُقِيمُ ثَلَاثًا ، فَنَنْحَرُ الْجُزُرَ وَنَسَقِي الْخَمْرَ وَتَعْزِفُ عَلَيْنَا الْقِيَانُ ، وَتَتَسَامَعُ الْعَرَبُ بِنَا وَبِمَسِيرِنَا فَلَا يَزَالُوا يَهَابُونَنَا وَيَعْلَمُوا أَنَّ مُحَمَّدًا لَمْ يُصِبِ الْعِيرَ ، وَأَنَّا قَدْ أَعْضَضْنَاهُ ، فَسَارَ الْمُشْرِكُونَ إِلَى بَدْرٍ وَتَنَكَّبَتْ عِيرُهُمْ عَلَى طَرِيقِ السَّاحِلِ ، وَأَعْلَمَ اللَّهُ النَّبِيءَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِذَلِكَ فَأَعْلَمَ الْمُسْلِمِينَ ، فَاسْتَشَارَهُمْ وَقَالَ : الْعِيرُ أَحَبُّ إِلَيْكُمْ أَمِ النَّفِيرُ ، فَقَالَ أَكْثَرُهُمُ : الْعِيرُ أَحَبُّ إِلَيْنَا مِنْ لِقَاءِ الْعَدُوِّ ، فَتَغَيَّرَ وَجْهُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثُمَّ أَعَادَ اسْتِشَارَتَهُمْ فَأَشَارَ أَكْثَرُهُمْ قَائِلِينَ : عَلَيْكَ بِالْعِيرِ فَإِنَّا خَرَجْنَا لِلْعِيرِ ، فَظَهَرَ الْغَضَبُ عَلَى وَجْهِهِ ، فَتَكَلَّمَ أَبُو بَكْرٍ ، وَعُمَرُ ، nindex.php?page=showalam&ids=53وَالْمِقْدَادُ بْنُ الْأَسْوَدِ ، nindex.php?page=showalam&ids=228وَسَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ ، وَأَكْثَرُ الْأَنْصَارِ ، فَفَوَّضُوا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ مَا يَرَى أَنْ يَسِيرَ إِلَيْهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَمَرَهُمْ حِينَئِذٍ أَنْ يَسِيرُوا إِلَى الْقَوْمِ بِبَدْرٍ فَسَارُوا ، وَكَانَ النَّصْرُ الْعَظِيمُ الَّذِي هَزَّ بِهِ الْإِسْلَامُ رَأْسَهُ .
فَهَذَا مَا أَشَارَ إِلَيْهِ قَوْلُهُ - تَعَالَى - :
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=5وَإِنَّ فَرِيقًا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكَارِهُونَ وَذَلِكَ أَنَّهُمْ خَرَجُوا عَلَى نِيَّةِ التَّعَرُّضِ لِلْعِيرِ ، وَأَنْ لَيْسَ دُونَ الْعِيرِ قِتَالٌ ،
nindex.php?page=hadith&LINKID=10341848فَلَمَّا أَخْبَرَهُمْ عَنْ تَجَمُّعِ قُرَيْشٍ لِقِتَالِهِمْ تَكَلَّمَ أَبُو بَكْرٍ فَأَحْسَنَ ، وَتَكَلَّمَ عُمَرُ فَأَحْسَنَ ، ثُمَّ قَامَ nindex.php?page=showalam&ids=53الْمِقْدَادُ بْنُ الْأَسْوَدِ [ ص: 266 ] فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ : امْضِ لِمَا أَرَاكَ اللَّهُ فَنَحْنُ مَعَكَ ، وَاللَّهِ لَا نَقُولُ لَكَ كَمَا قَالَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ لِمُوسَى nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=24اذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ وَلَكِنِ اذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا مَعَكُمَا مُقَاتِلُونَ ، نُقَاتِلُ عَنْ يَمِينِكَ وَعَنْ شِمَالِكَ وَبَيْنِ يَدَيْكَ وَخَلْفِكَ ، فَوَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ لَوْ سِرْتَ بِنَا إِلَى بَرْكِ الْغِمَادِ - بِفَتْحِ بَاءِ " بَرْكِ " وَغَيْنُ " الْغِمَادِ " مُعْجَمَةٌ مَكْسُورَةٌ مَوْضِعٍ بِالْيَمَنِ بَعِيدٍ جِدًّا عَنْ مَكَّةَ - لَجَالَدْنَا مَعَكَ مِنْ دُونِهِ حَتَّى تَبْلُغَهُ . ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَشِيرُوا عَلَيَّ أَيُّهَا النَّاسُ وَإِنَّمَا يُرِيدُ الْأَنْصَارَ ، وَذَلِكَ أَنَّهُمْ حِينَ بَايَعُوهُ بِالْعَقَبَةِ قَالُوا يَوْمَئِذٍ : إِنَّا بُرَآءُ مِنْ ذِمَامِكَ حَتَّى تَصِلَ إِلَى دِيَارِنَا فَإِذَا وَصَلْتَ إِلَيْنَا فَإِنَّكَ فِي ذِمَّتِنَا نَمْنَعُكَ مِمَّا نَمْنَعُ مِنْهُ أَبْنَاءَنَا وَنِسَاءَنَا . فَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ يَتَخَوَّفُ أَنْ يَكُونَ الْأَنْصَارُ لَا يَرَوْنَ نَصْرَهُ إِلَّا مِمَّنْ دَهَمَهُ بِالْمَدِينَةِ ، وَأَنْ لَيْسَ عَلَيْهِمْ أَنْ يَسِيرَ بِهِمْ مِنْ بِلَادِهِمْ ، فَلَمَّا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَشِيرُوا عَلَيَّ قَالَ لَهُ nindex.php?page=showalam&ids=307سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ : وَاللَّهِ لَكَأَنَّكَ تُرِيدُنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ . قَالَ : أَجَلْ . قَالَ : فَقَدْ آمَنَّا بِكَ وَصَدَّقْنَاكَ وَشَهِدْنَا أَنَّ مَا جِئْتَ بِهِ هُوَ الْحَقُّ وَأَعْطَيْنَاكَ عَلَى ذَلِكَ عُهُودَنَا وَمَوَاثِيقَنَا عَلَى السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ ، فَامْضِ يَا رَسُولَ اللَّهِ لِمَا أَرَدْتَ فَنَحْنُ مَعَكَ ، فَوَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ لَوِ اسْتَعْرَضْتَ بِنَا هَذَا الْبَحْرَ فَخُضْتَهُ لَخُضْنَاهُ مَعَكَ وَمَا تَخَلَّفَ مِنَّا رَجُلٌ وَاحِدٌ ، وَمَا نَكْرَهُ أَنْ تَلْقَى بِنَا عَدُوَّنَا غَدًا ، إِنَّا لَصُبُرٌ فِي الْحَرْبِ صُدُقٌ فِي اللِّقَاءِ ، لَعَلَّ اللَّهَ يُرِيكَ بِنَا مَا تَقَرُّ بِهِ عَيْنُكَ ، فَسِرْ بِنَا عَلَى بَرَكَةِ اللَّهِ " فَسُرَّ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثُمَّ قَالَ سِيرُوا وَابْشُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ قَدْ وَعَدَنِي إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ - أَيْ وَلَمْ يَخُصَّ وَعْدَ النَّصْرِ بِتَلَقِّي الْعِيرِ فَقَطْ - فَمَا كَانَ بَعْدَ ذَلِكَ إِلَّا أَنْ زَالَ مِنْ نُفُوسِ الْمُؤْمِنِينَ الْكَارِهِينَ لِلْقِتَالِ مَا كَانَ فِي قُلُوبِهِمْ مِنَ الْكَرَاهِيَةِ ، وَقَوْلُهُ
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=5وَإِنَّ فَرِيقًا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكَارِهُونَ فِي مَوْضِعِ الْحَالِ مِنَ الْإِخْرَاجِ الَّذِي أَفَادَتْهُ ، مَا الْمَصْدَرِيَّةُ ، وَهَؤُلَاءِ هُمُ الَّذِينَ تَثَاقَلُوا وَقْتَ الْعَزْمِ عَلَى الْخُرُوجِ مِنَ
الْمَدِينَةِ ، وَالَّذِينَ اخْتَارُوا الْعِيرَ دُونَ النَّفِيرِ حِينَ اسْتِشَارَةِ
وَادِي ذَفِرَانَ ، لِأَنَّ ذَلِكَ كُلَّهُ مُقْتَرِنٌ بِالْخُرُوجِ لِأَنَّ الْخُرُوجَ كَانَ مُمْتَدًّا فِي الزَّمَانِ ، فَجُمْلَةُ الْحَالِ مِنْ قَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=5وَإِنَّ فَرِيقًا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكَارِهُونَ حَالٌ مُقَارِنَةٌ لِعَامِلِهَا وَهُوَ أَخْرَجَكَ .
وَتَأْكِيدُ خَبَرِ كَرَاهِيَةِ فَرِيقٍ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ بِإِنَّ وَلَامِ الِابْتِدَاءِ مُسْتَعْمَلٌ فِي التَّعْجِيبِ مِنْ شَأْنِهِمْ بِتَنْزِيلِ السَّامِعِ غَيْرِ الْمُنْكِرِ لِوُقُوعِ الْخَبَرِ مَنْزِلَةَ الْمُنْكِرِ لِأَنَّ وُقُوعَ ذَلِكَ مِمَّا
[ ص: 267 ] شَأْنُهُ أَنْ لَا يَقَعَ ، إِذْ كَانَ الشَّأْنُ اتِّبَاعُ مَا يُحِبُّهُ الرَّسُولُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوِ التَّفْوِيضُ إِلَيْهِ ، وَمَا كَانَ يَنْبَغِي لَهُمْ أَنْ يَكْرَهُوا لِقَاءَ الْعَدُوِّ . وَيَسْتَلْزِمُ هَذَا التَّنْزِيلُ التَّعْجِيبَ مِنْ حَالِ الْمُخْبَرِ عَنْهُمْ بِهَذِهِ الْكَرَاهِيَةِ فَيَكُونُ تَأْكِيدُ الْخَبَرِ كِنَايَةً عَنِ التَّعْجِيبِ مِنَ الْمُخْبَرِ عَنْهُمْ .
وَجُمْلَةُ يُجَادِلُونَكَ حَالٌ مِنْ فَرِيقًا فَالضَّمِيرُ لِفَرِيقٍ بِاعْتِبَارِ مَعْنَاهُ لِأَنَّهُ يَدُلُّ عَلَى جَمْعٍ . وَصِيغَةُ الْمُضَارِعِ لِحِكَايَةِ حَالِ الْمُجَادَلَةِ زِيَادَةٌ فِي التَّعْجِيبِ مِنْهَا ، وَهَذَا التَّعْجِيبُ كَالَّذِي فِي قَوْلِهِ - تَعَالَى - يُجَادِلُنَا مِنْ قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=74فَلَمَّا ذَهَبَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ الرَّوْعُ وَجَاءَتْهُ الْبُشْرَى يُجَادِلُنَا فِي قَوْمِ لُوطٍ إِذْ قَالَ يُجَادِلُنَا وَلَمْ يَقِلْ جَادَلَنَا .
وَقَوْلُهُ
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=6بَعْدَمَا تَبَيَّنَ لَوْمٌ لَهُمْ عَلَى الْمُجَادَلَةِ فِي الْخُرُوجِ الْخَاصِّ ، وَهُوَ الْخُرُوجُ لِلنَّفِيرِ وَتَرْكُ الْعِيرِ ، بَعْدَ أَنْ تَبَيَّنَ أَيْ ظَهَرَ أَنَّ اللَّهَ قَدَّرَ لَهُمُ النَّصْرَ ، وَهَذَا التَّبَيُّنُ هُوَ بَيِّنٌ فِي ذَاتِهِ سَوَاءٌ شَعَرَ بِهِ كُلُّهُمْ أَوْ بَعْضُهُمْ فَإِنَّهُ بِحَيْثُ لَا يَنْبَغِي الِاخْتِلَافُ فِيهِ ، فَإِنَّهُمْ كَانُوا عَرَبًا أَذْكِيَاءَ ، وَكَانُوا مُؤْمِنِينَ أَصْفِيَاءَ ، وَقَدْ أَخْبَرَهُمُ النَّبِيءُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِأَنَّ اللَّهَ نَاصِرُهُمْ عَلَى إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ : طَائِفَةِ الْعِيرِ أَوْ طَائِفَةِ النَّفِيرِ ، فَنَصْرُهُمْ إِذَنْ مَضْمُونٌ ، ثُمَّ أَخْبَرَهُمْ بِأَنَّ الْعِيرَ قَدْ أَخْطَأَتْهُمْ ، وَقَدْ بَقِيَ النَّفِيرُ ، فَكَانَ بَيِّنًا أَنَّهُمْ إِذَا لَقُوا النَّفِيرَ يَنْصُرُهُمُ اللَّهُ عَلَيْهِ ، ثُمَّ رَأَوْا كَرَاهِيَةَ النَّبِيءِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا اخْتَارُوا الْعِيرَ ، فَكَانَ ذَلِكَ كَافِيًا فِي الْيَقِينِ بِأَنَّهُمْ إِذَا لَقُوا الْمُشْرِكِينَ يَنْتَصِرُونَ عَلَيْهِمْ لَا مَحَالَةَ ، وَلَكِنَّهُمْ فَضَّلُوا غَنِيمَةَ الْعِيرِ عَلَى خَضْدِ شَوْكَةِ أَعْدَائِهِمْ وَنُهُوضِ شَوْكَتِهِمْ بِنَصْرِ
بَدْرٍ ، فَذَلِكَ مَعْنَى تَبَيُّنِ الْحَقِّ ، أَيْ رُجْحَانِ دَلِيلِهِ فِي ذَاتِهِ ، وَمَنْ خُفِيَ عَلَيْهِ هَذَا التَّبْيِينُ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لَمْ يَعْذُرْهُ اللَّهُ فِي خَفَائِهِ عَلَيْهِ .
وَمِنْ هَذِهِ الْآيَةِ يُؤْخَذُ حُكْمُ
nindex.php?page=treesubj&link=22291_28358مُؤَاخَذَةِ الْمُجْتَهِدِ إِذَا قَصَّرَ فِي فَهْمِ مَا هُوَ مَدْلُولٌ لِأَهْلِ النَّظَرِ ،
nindex.php?page=hadith&LINKID=10341849وَقَدْ غَضِبَ النَّبِيءُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ سُؤَالِ الَّذِي سَأَلَهُ عَنْ ضَالَّةِ الْإِبِلِ بَعْدَ أَنْ سَأَلَهُ عَنْ ضَالَّةِ الْغَنَمِ فَأَجَابَهُ هِيَ لَكَ أَوْ لِأَخِيكَ أَوْ لِلذِّئْبِ . فَلَمَّا سَأَلَهُ بَعْدَ ذَلِكَ عَنْ ضَالَّةِ الْإِبِلِ تَمَعَّرَ وَجْهُهُ وَقَالَ " مَالَكَ وَلَهَا ، مَعَهَا حِذَاؤُهَا وَسِقَاؤُهَا تَشْرَبُ الْمَاءَ وَتَرْعَى الشَّجَرَ حَتَّى يَلْقَاهَا رَبُّهَا " وَرَوَى
مَالِكٌ ، فِي الْمُوَطَّأِ ، أَنَّ
nindex.php?page=showalam&ids=3أَبَا هُرَيْرَةَ مَرَّ بِقَوْمٍ مُحْرِمِينَ فَاسْتَفْتَوْهُ فِي
nindex.php?page=treesubj&link=3452لَحْمِ صَيْدٍ وَجَدُوا أُنَاسًا أَحِلَّةً يَأْكُلُونَهُ فَأَفْتَاهُمْ بِالْأَكْلِ مِنْهُ ثُمَّ قَدِمَ
الْمَدِينَةَ فَسَأَلَ
nindex.php?page=showalam&ids=2عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ عَنْ
[ ص: 268 ] ذَلِكَ فَقَالَ لَهُ
عُمَرُ بِمَ أَفْتَيْتَهُمْ ؟ قَالَ : أَفْتَيْتُهُمْ بِأَكْلِهِ ، فَقَالَ : لَوْ أَفْتَيْتَهُمْ بِغَيْرِ ذَلِكَ لَأَوْجَعْتُكَ .
وَجُمْلَةُ
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=6كَأَنَّمَا يُسَاقُونَ إِلَى الْمَوْتِ فِي مَوْضِعِ الْحَالِ مِنَ الضَّمِيرِ الْمَرْفُوعِ فِي
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=6يُجَادِلُونَكَ أَيْ حَالَتُهُمْ فِي وَقْتِ مُجَادَلَتِهِمْ إِيَّاكَ تُشْبِهُ حَالَتُهُمْ لَوْ سَاقَهُمْ سَائِقٌ إِلَى الْمَوْتِ ، وَالْمُرَادُ بِالْمَوْتِ الْحَالَةُ الْمُضَادَّةُ لِلْحَيَاةِ وَهُوَ مَعْنًى تَكْرَهُهُ نُفُوسُ الْبَشَرِ ، وَيُصَوِّرُهُ كُلُّ عَقْلٍ بِمَا يَتَخَيَّلُهُ مِنَ الْفَظَاعَةِ وَالْبَشَاعَةِ كَمَا تَصَوَّرَهُ
أَبُو ذُؤَيْبٍ فِي صُورَةِ سَبُعٍ فِي قَوْلِهِ : وَإِذَا الْمَنِيَّةُ أَنْشَبَتْ أَظْفَارَهَا
وَكَمَا تَخَيَّلَ ،
تَأَبَّطَ شَرًّا الْمَوْتَ طَامِعًا فِي اغْتِيَالِهِ فَنَجَا مِنْهُ حِينَ حَاصَرَهُ أَعْدَاؤُهُ فِي جُحْرٍ فِي جَبَلٍ :
فَخَالَطَ سَهْلَ الْأَرْضِ لَمْ يَكْدَحِ الصَّفَا بِهِ كَدْحَةً وَالْمَوْتُ خَزْيَانُ يَنْظُرُ
فَقَوْلُهُ - تَعَالَى -
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=6كَأَنَّمَا يُسَاقُونَ إِلَى الْمَوْتِ تَشْبِيهٌ لِحَالِهِمْ ، فِي حِينِ الْمُجَادَلَةِ فِي اللَّحَاقِ بِالْمُشْرِكِينَ ، بِحَالِ مَنْ يُجَادِلُ وَيُمَانِعُ مَنْ يَسُوقُهُ إِلَى ذَاتِ الْمَوْتِ .
وَهَذَا تَفْسِيرٌ أَلْيَقُ بِالتَّشْبِيهِ لِتَحْصُلَ الْمُخَالِفَةُ الْمُطْلَقَةُ بَيْنَ الْحَالَةِ الْمُشَبَّهَةِ وَالْحَالَةِ الْمُشَبَّهِ بِهَا ، وَإِلَّا فَإِنَّ أَمْرَهُمْ بِقِتَالِ الْعَدُوِّ الْكَثِيرِ الْعَدَدِ ، وَهُمْ فِي قِلَّةٍ ، إِرْجَاءٌ بِهِمْ إِلَى الْمَوْتِ إِلَّا أَنَّهُ مَوْتٌ مَظْنُونٌ ، وَبِهَذَا التَّفْسِيرِ يَظْهَرُ حُسْنُ مَوْقِعِ جُمْلَةِ
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=6وَهُمْ يَنْظُرُونَ أَمَّا الْمُفَسِّرُونَ فَتَأَوَّلُوا الْمَوْتَ فِي الْآيَةِ بِأَنَّهُ الْمَوْتُ الْمُتَيَقَّنُ فَيَكُونُ التَّخَالُفُ بَيْنَ الْمُشَبَّهِ وَالْمُشَبَّهِ بِهِ تَخَالُفًا بِالتَّقْيِيدِ .
وَجُمْلَةُ
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=6وَهُمْ يَنْظُرُونَ حَالٌ مِنْ ضَمِيرِ يُسَاقُونَ وَمَفْعُولُ يُنْظُرُونَ مَحْذُوفٌ دَلَّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ إِلَى الْمَوْتِ أَيْ : وَهُمْ يَنْظُرُونَ الْمَوْتَ ، لِأَنَّ حَالَةَ الْخَوْفِ مِنَ الشَّيْءِ الْمُخَوِّفِ إِذَا كَانَ مَنْظُورًا إِلَيْهِ تَكُونُ أَشَدَّ مِنْهَا لَوْ كَانَ يَعْلَمُ أَنَّهُ يُسَاقُ إِلَيْهِ وَلَا يَرَاهُ ، لِأَنَّ لِلْحِسِّ مِنَ التَّأْثِيرِ عَلَى الْإِدْرَاكِ مَا لَيْسَ لِمُجَرَّدِ التَّعَقُّلِ ، وَقَرِيبٌ مِنْ هَذَا الْمَعْنَى قَوْلُ
جَعْفَرِ بْنِ عُلْبَةَ .
يَرَى غَمَرَاتِ الْمَوْتِ ثُمَّ يَزُورُهَا
وَفِي عَكْسِهِ فِي الْمَسَرَّةِ قَوْلُهُ - تَعَالَى -
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=50وَأَغْرَقْنَا آلَ فِرْعَوْنَ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ