تسلية للنبيء - صلى الله عليه وسلم - على ما بدأه به أعداؤه من الخيانة مثل ما فعلت قريظة ، وما فعل عبد الله بن أبي ابن سلول وغيرهم من فلول المشركين الذين نجوا يوم بدر ، وطمأنة له وللمسلمين بأنهم سيدالون منهم ، ويأتون على بقيتهم ، وتهديد للعدو بأن الله سيمكن منهم المسلمين .
والسبق مستعار للنجاة ممن يطلب ، والتفلت من سلطته . شبه المتخلص من طالبه بالسابق كقوله تعالى : أم حسب الذين يعملون السيئات أن يسبقونا وقال بعض بني فقعس :
كأنك لم تسبق من الدهـر مـرة إذا أنت أدركت الذي كنت تطلب
[ ص: 54 ] أي : كأنك لم يفتك ما فاتك إذا أدركته بعد ذلك ، ولذلك قوبل السبق هنا بقوله تعالى : إنهم لا يعجزون أي : هم وإن ظهرت نجاتهم الآن ، فما هي إلا نجاة في وقت قليل ، فهم لا يعجزون الله ، أو لا يعجزون المسلمين ، أي : لا يصيرون من أفلتوا منه عاجزا عن نوالهم ، كقول إياس بن قبيصة الطائي :ألم تر أن الأرض رحب فسيحة فهل تعجزني بقعة من بقاعها
وقرأ الجمهور " ولا تحسبن " بالتاء الفوقية . وقرأه ابن عامر ، وحمزة ، وحفص ، وأبو جعفر ، ( ولا يحسبن ) بالياء التحتية . وهي قراءة مشكلة لعدم وجود المفعول الأول لـ " حسب " فزعم أبو حاتم هذه القراءة لحنا وهذا اجتراء منه على أولئك الأئمة وصحة روايتهم ، واحتج لها أبو علي الفارسي بإضمار مفعول أول يدل عليه قوله : إنهم لا يعجزون أي لا يحسبن الذين كفروا أنفسهم سبقوا ، واحتج لها بتقدير ( أن ) قبل " سبقوا " فيكون المصدر سادا مسد المفعولين ، وقيل : حذف الفاعل لدلالة الفعل عليه ، والتقدير : ولا يحسبن حاسب . الزجاج
وقوله : إنهم لا يعجزون قرأه الجمهور بكسر همزة " إنهم " استئناف بياني جوابا عن سؤال تثيره جملة ولا تحسبن الذين كفروا سبقوا وقرأ ابن عامر ( أنهم ) بفتح همزة ( أن ) على حذف لام التعليل فالجملة في تأويل مصدر هو علة للنهي ، أي لأنهم لا يعجزون ، قال في الكشاف : كل واحدة من المكسورة والمفتوحة تعليل إلا أن المكسورة على طريقة الاستئناف والمفتوحة تعليل صريح .