والذين آمنوا من بعد وهاجروا وجاهدوا معكم فأولئك منكم بعد أن منع الله ولاية المسلمين للذين آمنوا ولم يهاجروا بالصراحة ، ابتداء ونفى عن الذين لم يهاجروا تحقيق الإيمان ، وكان ذلك مثيرا في نفوس السامعين أن يتساءلوا [ ص: 90 ] هل لأولئك تمكن من تدارك أمرهم برأب هذه الثلمة عنهم ، ففتح الله باب التدارك بهذه الآية : والذين آمنوا من بعد وهاجروا وجاهدوا معكم فأولئك منكم
فكانت هذه الآية بيانا ، وكان مقتضى الظاهر أن تكون مفصولة غير معطوفة ، ولكن عدل عن الفصل إلى العطف تغليبا لمقام التقسيم الذي استوعبته هذه الآيات .
ودخول الفاء على الخبر وهو فأولئك منكم لتضمين الموصول معنى الشرط من جهة أنه جاء كالجواب عن سؤال السائل ، فكأنه قيل : وأما الذين آمنوا من بعد وهاجروا إلخ ، أي : مهما يكن من حال الذين آمنوا ولم يهاجروا ، ومن حال الذين آمنوا وهاجروا والذين آووا ونصروا ، فـ الذين آمنوا من بعد وهاجروا وجاهدوا معكم فأولئك منكم وبذلك صار فعل آمنوا تمهيدا لما بعده من هاجروا وجاهدوا لأن قوله : من بعد قرينة على أن المراد : إذا حصل منهم ما لم يكن حاصلا في وقت نزول الآيات السابقة ، ليكون أصحاب هذه الصلة قسما مغايرا للأقسام السابقة . فليس المعنى أنهم آمنوا من بعد نزول هذه الآية ; لأن الذين لم يكونوا مؤمنين ثم يؤمنون من بعد لا حاجة إلى بيان حكم الاعتداد بإيمانهم ، فإن من المعلوم أن الإسلام يجب ما قبله ، وإنما المقصود : بيان أنهم إن تداركوا أمرهم بأن هاجروا قبلوا وصاروا من المؤمنين المهاجرين ، فيتعين أن المضاف إليه المحذوف الذي يشير إليه بناء " بعد " على الضم ، أن تقديره : من بعد ما قلناه في الآيات السابقة ، وإلا صار هذا الكلام إعادة لبعض ما تقدم ، وبذلك تسقط الاحتمالات التي تردد فيها بعض المفسرين في تقدير ما أضيف إليه " بعد "
وفي قوله : " معكم " إيذان بأنهم دون المخاطبين الذين لم يستقروا بدار الكفر بعد أن هاجر منها المؤمنون وأنهم فرطوا في الجهاد مدة .
والإتيان باسم الإشارة للذين آمنوا من بعد وهاجروا ، دون الضمير ، للاعتناء بالخبر وتمييزهم بذلك الحكم .
و " من " في قوله : " منكم " تبعيضية ، ويعتبر الضمير المجرور بـ " من " ، جماعة المهاجرين أي فقد صاروا منكم ، أي من جماعتكم وبذلك يعلم أن ولايتهم للمسلمين .