nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=101قل انظروا ماذا في السماوات والأرض وما تغني الآيات والنذر عن قوم لا يؤمنون
استئناف ناشئ عن قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=99ولو شاء ربك لآمن من في الأرض كلهم جميعا أفأنت تكره الناس إلخ . قسم الناس إلى قسمين : مؤمنين وكافرين ، أي فادعهم إلى النظر في
nindex.php?page=treesubj&link=28658دلائل الوحدانية والإرشاد إلى تحصيل أسباب الإيمان ودفع غشاوات الكفر ، وذلك بالإرشاد إلى النظر والاستدلال بما هو حول الإنسان من أحوال الموجودات وتصاريفها الدالة على الوحدانية ، مثل أجرام الكواكب ، وتقادير مسيرها ، وأحوال النور والظلمة والرياح والسحاب والمطر ، وكذلك البحار والجبال .
وافتتحت الجملة بـ قل للاهتمام بمضمونها .
وقد عمم ما في السماوات والأرض لتتوجه كل نفس إلى ما هو أقرب إليها وأيسر استدلالا عليه لديها .
والنظر : هنا مستعمل فيما يصلح للنظر القلبي والنظر البصري ، ولذلك عدل عن إعماله عمل أحد الفعلين لكيلا يتمحض له ، فجيء بعده بالاستفهام المعلق لكلا الفعلين بحيث أصبح حمل النظر على كليهما على حد السواء فصار صالحا للمعنيين الحقيقي والمجازي ، وذلك من مقاصد القرآن .
[ ص: 296 ] وماذا بمعنى ما الذي ، وما استفهام ، وذا أصله اسم إشارة ، وهو إذا وقع بعد ما قام مقام اسم موصول . و
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=101في السماوات والأرض قائم مقام صلة الموصول . وأصل وضع التركيب : ما هذا في السماوات والأرض ، أي ما المشار إليه حال كونه في السماوات والأرض ، فكثر استعماله حتى صار في معنى : ما الذي . والمقصود : انظروا ما يدلكم على جواب هذا الاستفهام ، فكل شيء له حالة فهو مراد بالنظر العقلي بتركيبه في صورة مفعولين ، نحو : انظروا الشمس طالعة ، وانظروا السحاب ممطرا ، وهكذا ، وكل شيء هو في ذاته آية فهو مراد بالنظر البصري نحو : انظروا إنبات الأرض بعد جدبها فهو آية على وقوع البعث . فـ ذا لما قام مقام اسم الموصول صار من صيغ العموم تشمل جميع الأجرام وأعراضها الدالة على وحدانية الله وحكمته ، وأخص ذلك التأمل في خلق النبيء - صلى الله عليه وسلم - ونشأة دعوته ، والنظر فيما جاء به . فكل ذلك دلائل على كماله وصدقه .
وقد طوي في الكلام جواب الأمر لوقوع الأمر عقب أسباب الإيمان ، فالتقدير : انظروا تروا آيات موصلة إلى الإيمان .
وجملة
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=101وما تغني الآيات معترضة ذيلت بها جملة
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=101انظروا ماذا في السماوات والأرض فيجوز أن تكون متممة لمقول القول مما أمر النبيء - صلى الله عليه وسلم - أن يقوله لهم ويجوز أن تكون استئناف كلام من الله تعالى . والمعنى أبلغهم ما أمرت بتبليغه إليهم وليست تغني الآيات عن قوم لا يؤمنون ، أي الذين جعل الله نفوسهم لا تؤمن ، ولما كان قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=101انظروا ماذا في السماوات والأرض مفيدا أن ذلك آيات كما تقدم حسن وقع التعبير عنها بالآيات هنا ، فمعنى
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=101وما تغني الآيات : وما يغني ما في السماوات والأرض عن قوم لا يؤمنون ، فكان التعبير بالآيات كالإظهار في مقام الإضمار . وزيدت النذر فعطفت على الآيات لزيادة التعميم في هذه الجملة حتى تكون أوسع دلالة من التي قبلها لتكون كالتذييل لها ، وذلك أن
[ ص: 297 ] القرآن جاء للناس بالاستدلال وبالتخويف ثم سجل على هذا الفريق بأنه لا تنجع فيه الآيات والأدلة ولا النذر والمخوفات .
ولفظ
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=101قوم لا يؤمنون يفيد أن انتفاء الإيمان عنهم وصف عرفوا به وأنه مستقر من نفوسهم ; لأن اجتلاب لفظ قوم هنا مع صحة حلول غيره محله يشير إلى أن الوصف المذكور بعده من مقومات قوميتهم لأنه صار من خصائصهم ، بخلاف ما لو قيل : عمن لا يؤمنون . ألا ترى إلى قول
العنبري :
قوم إذا الشر أبدى ناجذيه لهم طاروا إليه زرافات ووحدانا
أي : قوم هذه سجيتهم . وقد تقدم عند قوله - تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=164إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار إلى قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=164لآيات لقوم يعقلون في سورة البقرة . وتقدم في هذه السورة غير مرة آنفا . وهو هنا أبدع لأنه عدل به عن الإضمار . وهذا من بدائع الإعجاز هنا .
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=101قُلُ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا تُغْنِي الْآيَاتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ
اسْتِئْنَافٌ نَاشِئٌ عَنْ قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=99وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ إلَخْ . قَسَّمَ النَّاسَ إِلَى قِسْمَيْنِ : مُؤْمِنِينَ وَكَافِرِينَ ، أَيْ فَادْعُهُمْ إِلَى النَّظَرِ فِي
nindex.php?page=treesubj&link=28658دَلَائِلَ الْوَحْدَانِيَّةِ وَالْإِرْشَادِ إِلَى تَحْصِيلِ أَسْبَابِ الْإِيمَانِ وَدَفْعِ غِشَاوَاتِ الْكُفْرِ ، وَذَلِكَ بِالْإِرْشَادِ إِلَى النَّظَرِ وَالِاسْتِدْلَالِ بِمَا هُوَ حَوْلَ الْإِنْسَانِ مِنْ أَحْوَالِ الْمَوْجُودَاتِ وَتَصَارِيفِهَا الدَّالَّةِ عَلَى الْوَحْدَانِيَّةِ ، مِثْلِ أَجْرَامِ الْكَوَاكِبِ ، وَتَقَادِيرِ مَسِيرِهَا ، وَأَحْوَالِ النُّورِ وَالظُّلْمَةِ وَالرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ وَالْمَطَرِ ، وَكَذَلِكَ الْبِحَارُ وَالْجِبَالُ .
وَافْتُتِحَتِ الْجُمْلَةُ بِـ قُلْ لِلِاهْتِمَامِ بِمَضْمُونِهَا .
وَقَدْ عَمَّمَ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لِتَتَوَجَّهَ كُلُّ نَفْسٍ إِلَى مَا هُوَ أَقْرَبُ إِلَيْهَا وَأَيْسَرُ اسْتِدْلَالًا عَلَيْهِ لَدَيْهَا .
وَالنَّظَرُ : هُنَا مُسْتَعْمَلٌ فِيمَا يَصْلُحُ لِلنَّظَرِ الْقَلْبِيِّ وَالنَّظَرِ الْبَصَرِيِّ ، وَلِذَلِكَ عُدِلَ عَنْ إِعْمَالِهِ عَمَلَ أَحَدِ الْفِعْلَيْنِ لِكَيْلَا يَتَمَحَّضَ لَهُ ، فَجِيءَ بَعْدَهُ بِالِاسْتِفْهَامِ الْمُعَلِّقِ لِكِلَا الْفِعْلَيْنِ بِحَيْثُ أَصْبَحَ حَمْلُ النَّظَرِ عَلَى كِلَيْهِمَا عَلَى حَدِّ السَّوَاءِ فَصَارَ صَالِحًا لِلْمَعْنَيَيْنِ الْحَقِيقِيِّ وَالْمَجَازِيِّ ، وَذَلِكَ مِنْ مَقَاصِدِ الْقُرْآنِ .
[ ص: 296 ] وَمَاذَا بِمَعْنَى مَا الَّذِي ، وَمَا اسْتِفْهَامٌ ، وَذَا أَصْلُهُ اسْمُ إِشَارَةٍ ، وَهُوَ إِذَا وَقَعَ بَعْدَ مَا قَامَ مَقَامَ اسْمٍ مَوْصُولٍ . وَ
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=101فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ قَائِمٌ مَقَامَ صِلَةِ الْمَوْصُولِ . وَأَصْلُ وَضْعِ التَّرْكِيبِ : مَا هَذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ، أَيْ مَا الْمُشَارُ إِلَيْهِ حَالَ كَوْنِهِ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ، فَكَثُرَ اسْتِعْمَالُهُ حَتَّى صَارَ فِي مَعْنَى : مَا الَّذِي . وَالْمَقْصُودُ : انْظُرُوا مَا يَدُلُّكُمْ عَلَى جَوَابِ هَذَا الِاسْتِفْهَامِ ، فَكُلُّ شَيْءٍ لَهُ حَالَةٌ فَهُوَ مُرَادٌ بِالنَّظَرِ الْعَقْلِيِّ بِتَرْكِيبِهِ فِي صُورَةِ مَفْعُولَيْنِ ، نَحْوَ : انْظُرُوا الشَّمْسَ طَالِعَةً ، وَانْظُرُوا السَّحَابَ مُمْطِرًا ، وَهَكَذَا ، وَكُلُّ شَيْءٍ هُوَ فِي ذَاتِهِ آيَةٌ فَهُوَ مُرَادٌ بِالنَّظَرِ الْبَصَرِيِّ نَحْوَ : انْظُرُوا إِنْبَاتَ الْأَرْضِ بَعْدَ جَدْبِهَا فَهُوَ آيَةٌ عَلَى وُقُوعِ الْبَعْثِ . فَـ ذَا لَمَّا قَامَ مَقَامَ اسْمِ الْمَوْصُولِ صَارَ مِنْ صِيَغِ الْعُمُومِ تَشْمَلُ جَمِيعَ الْأَجْرَامِ وَأَعْرَاضِهَا الدَّالَّةِ عَلَى وَحْدَانِيَّةِ اللَّهِ وَحِكْمَتِهِ ، وَأَخَصُّ ذَلِكَ التَّأَمُّلُ فِي خُلُقِ النَّبِيءِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَنَشْأَةِ دَعْوَتِهِ ، وَالنَّظَرِ فِيمَا جَاءَ بِهِ . فَكُلُّ ذَلِكَ دَلَائِلُ عَلَى كَمَالِهِ وَصِدْقِهِ .
وَقَدْ طُوِيَ فِي الْكَلَامِ جَوَابُ الْأَمْرِ لِوُقُوعِ الْأَمْرِ عَقِبَ أَسْبَابِ الْإِيمَانِ ، فَالتَّقْدِيرُ : انْظُرُوا تَرَوْا آيَاتٍ مُوصِلَةٍ إِلَى الْإِيمَانِ .
وَجُمْلَةُ
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=101وَمَا تُغْنِي الْآيَاتُ مُعْتَرِضَةٌ ذُيِّلَتْ بِهَا جُمْلَةُ
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=101انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ فَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ مُتَمِّمَةً لِمَقُولِ الْقَوْلِ مِمَّا أَمَرَ النَّبِيءُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يَقُولَهُ لَهُمْ وَيَجُوزَ أَنْ تَكُونَ اسْتِئْنَافَ كَلَامٍ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى . وَالْمَعْنَى أَبْلِغْهُمْ مَا أُمِرْتَ بِتَبْلِيغِهِ إِلَيْهِمْ وَلَيْسَتْ تُغْنِي الْآيَاتُ عَنْ قَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ ، أَيِ الَّذِينَ جَعَلَ اللَّهُ نُفُوسَهُمْ لَا تُؤْمِنُ ، وَلَمَّا كَانَ قَوْلُهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=101انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مُفِيدًا أَنَّ ذَلِكَ آيَاتٌ كَمَا تَقَدَّمَ حَسُنَ وَقْعُ التَّعْبِيرِ عَنْهَا بِالْآيَاتِ هُنَا ، فَمَعْنَى
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=101وَمَا تُغْنِي الْآيَاتُ : وَمَا يُغْنِي مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ عَنْ قَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ ، فَكَانَ التَّعْبِيرُ بِالْآيَاتِ كَالْإِظْهَارِ فِي مَقَامِ الْإِضْمَارِ . وَزِيدَتِ النُّذُرُ فَعُطِفَتْ عَلَى الْآيَاتِ لِزِيَادَةِ التَّعْمِيمِ فِي هَذِهِ الْجُمْلَةِ حَتَّى تَكُونَ أَوْسَعَ دَلَالَةٍ مِنَ الَّتِي قَبْلَهَا لِتَكُونَ كَالتَّذْيِيلِ لَهَا ، وَذَلِكَ أَنَّ
[ ص: 297 ] الْقُرْآنَ جَاءَ لِلنَّاسِ بِالِاسْتِدْلَالِ وَبِالتَّخْوِيفِ ثُمَّ سَجَّلَ عَلَى هَذَا الْفَرِيقِ بِأَنَّهُ لَا تَنْجَعُ فِيهِ الْآيَاتُ وَالْأَدِلَّةُ وَلَا النُّذُرُ وَالْمُخَوِّفَاتُ .
وَلَفْظُ
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=101قَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ يُفِيدُ أَنَّ انْتِفَاءَ الْإِيمَانِ عَنْهُمْ وَصْفٌ عُرِفُوا بِهِ وَأَنَّهُ مُسْتَقِرٌّ مِنْ نُفُوسِهِمْ ; لِأَنَّ اجْتِلَابَ لَفْظِ قَوْمٍ هُنَا مَعَ صِحَّةِ حُلُولِ غَيْرِهِ مَحَلَّهُ يُشِيرُ إِلَى أَنَّ الْوَصْفَ الْمَذْكُورَ بَعْدَهُ مِنْ مُقَوِّمَاتِ قَوْمِيَّتِهِمْ لِأَنَّهُ صَارَ مِنْ خَصَائِصِهِمْ ، بِخِلَافِ مَا لَوْ قِيلَ : عَمَّنْ لَا يُؤْمِنُونَ . أَلَا تَرَى إِلَى قَوْلِ
الْعَنْبَرِيِّ :
قَوْمٌ إِذَا الشَّرُّ أَبْدَى نَاجِذِيهِ لَهُمْ طَارُوا إِلَيْهِ زَرَافَاتٍ وَوُحْدَانَا
أَيْ : قَوْمٌ هَذِهِ سَجِيَّتُهُمْ . وَقَدْ تَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ - تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=164إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ إِلَى قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=164لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ . وَتَقَدَّمَ فِي هَذِهِ السُّورَةِ غَيْرَ مَرَّةٍ آنِفًا . وَهُوَ هُنَا أَبْدَعُ لِأَنَّهُ عُدِلَ بِهِ عَنِ الْإِضْمَارِ . وَهَذَا مِنْ بَدَائِعِ الْإِعْجَازِ هُنَا .