[ ص: 94 ] nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=50nindex.php?page=treesubj&link=28982وإلى عاد أخاهم هودا قال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره إن أنتم إلا مفترون nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=51يا قوم لا أسألكم عليه أجرا إن أجري إلا على الذي فطرني أفلا تعقلون nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=52ويا قوم استغفروا ربكم ثم توبوا إليه يرسل السماء عليكم مدرارا ويزدكم قوة إلى قوتكم ولا تتولوا مجرمين
عطف على
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=25ولقد أرسلنا نوحا إلى قومه ، فعطف و ( إلى عاد ) على ( إلى قومه ) . وعطف ( أخاهم ) على ( نوحا ) ، والتقدير :
nindex.php?page=treesubj&link=31842وأرسلنا إلى عاد أخاهم هودا . وهو من العطف على معمولي عامل واحد .
وتقديم المجرور للتنبيه على أن العطف من عطف المفردات لا من عطف الجمل لأن الجار لا بد له من متعلق ، وقضاء لحق الإيجاز ليحضر ذكر عاد مرتين بلفظه ثم بضميره .
ووصف
هود بأنه أخو
عاد لأنه كان من نسبهم كما يقال : يا أخا العرب ، أي يا عربي .
وتقدم ذكر
عاد وهود في سورة الأعراف .
وجملة ( قال ) مبينة للجملة المقدرة وهي ( أرسلنا )
ووجه التصريح بفعل القول لأن فعل ( أرسلنا ) محذوف ، فلو بين بجملة
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=50يا قوم اعبدوا كما بين في قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=25ولقد أرسلنا نوحا إلى قومه إني لكم نذير مبين لكان بيانا لمعدوم وهو غير جلي .
وافتتاح دعوته بنداء قومه لاسترعاء أسماعهم إشارة إلى أهمية ما سيلقي إليهم .
[ ص: 95 ] وجملة
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=50ما لكم من إله غيره حال من ضمير اعبدوا أو من اسم الجلالة . والإتيان بالحال لاستقصاد إبطال شركهم بأنهم أشركوا غيره في عبادته في حال أنهم لا إله لهم غيره ، أو في حال أنه لا إله لهم غيره . وذلك تشنيع للشرك .
وجملة
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=50إن أنتم إلا مفترون توبيخ وإنكار . فهي بيان لجملة
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=50ما لكم من إله غيره ، أي ما أنتم إلا كاذبون في ادعاء إلهية غير الله تعالى .
وجملة
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=51يا قوم لا أسألكم عليه أجرا إن كان قالها مع الجملة التي قبلها فإعادة النداء في أثناء الكلام تكرير للأهمية يقصد به تهويل الأمر واسترعاء السمع اهتماما بما يستسمعونه ، والنداء هو الرابط بين الجملتين ؛ وإن كانت مقولة في وقت غير الذي قيلت فيه الجملة الأولى ، فكونها ابتداء كلام ظاهر .
وتقدم تفسير
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=51لا أسألكم عليه أجرا في قصة
نوح - عليه السلام - ، أي لا أسألكم أجرا على ما قلته لكم .
والتعبير بالموصول
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=51الذي فطرني دون الاسم العلم لزيادة تحقيق أنه لا يسألهم على الإرشاد أجرا بأنه يعلم أن الذي خلقه يسوق إليه رزقه ؛ لأن إظهار المتكلم علمه بالأسباب يكسب كلامه على المسببات قوة وتحقيقا .
ولذلك عطف على ذلك قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=51أفلا تعقلون بفاء التفريع عاطفة استفهاما إنكاريا عن عدم تعقلهم ، أي تأملهم في دلالة حاله على صدقه فيما يبلغ ونصحه لهم فيما يأمرهم . والعقل : العلم .
وعطف جملة ( ويا قوم ) مثل نظيرها في قصة
نوح - عليه السلام - آنفا .
والاستغفار : طلب المغفرة للذنب ، أي طلب عدم المؤاخذة بما مضى منهم من الشرك ، وهو هنا مكنى به عن ترك عقيدة الشرك لأن استغفار الله يستلزم الاعتراف
[ ص: 96 ] بوجوده ويستلزم اعتراف المستغفر بذنب في جانبه ولم يكن لهم ذنب قبل مجيء
هود - عليه السلام - إليهم غير ذنب الإشراك إذ لم يكن له شرع من قبل . وأما ذنب الإشراك فهو متقرر من الشرائع السابقة جميعها فكان معلوما بالضرورة فكان الأمر بالاستغفار جامعا لجميع هذه المعاني تصريحا وتكنية .
nindex.php?page=treesubj&link=19704والتوبة : الإقلاع عن الذنب في المستقبل والندم على ما سلف منه . وفي ماهية التوبة العزم على عدم العود إلى الذنب فيئول إلى الأمر بالدوام على التوحيد ونفي الإشراك .
و ( ثم ) للترتيب الرتبي ؛ لأن الدوام على الإقلاع أهم من طلب العفو عما سلف .
و
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=52يرسل السماء عليكم جواب الأمر من استغفروا
والإرسال : بعث من مكان بعيد فأطلق الإرسال على نزول المطر لأنه حاصل بتقدير الله فشبه بإرسال شيء من مكان المرسل إلى المبعوث إليه .
والسماء من أسماء المطر تسمية للشيء باسم مصدره . وفي الحديث "
nindex.php?page=hadith&LINKID=10341958خطبنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على أثر سماء " .
و ( مدرارا ) حال من السماء صيغة مبالغة من الدرور وهو الصب ، أي غزيرا . جعل جزاءهم على الاستغفار والتوبة إمدادهم بالمطر لأن ذلك من أعظم النعم عليهم في الدنيا إذ كانت
عاد أهل زرع وكروم فكانوا بحاجة إلى الماء ، وكانوا يجعلون السداد لخزن الماء . والأظهر أن الله أمسك عنهم المطر سنين فتناقص نسلهم ورزقهم جزاء على الشرك بعد أن أرسل إليهم
هودا - عليه السلام - ؛ فيكون قوله : يرسل السماء وعدا وتنبيها على غضب الله عليهم ، وقد كانت ديارهم من
حضرموت إلى الأحقاف مدنا وحللا وقبابا .
وكانوا أيضا معجبين بقوة أمتهم وقالوا
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=15من أشد منا قوة فلذلك جعل الله لهم جزاء على ترك الشرك زيادة قوتهم بكثرة العدد وصحة الأجسام وسعة
[ ص: 97 ] الأرزاق ؛ لأن كل ذلك قوة للأمة يجعلها في غنى عن الأمم الأخرى وقادرة على حفظ استقلالها ويجعل أمما كثيرة تحتاج إليها .
و ( إلى قوتكم ) متعلق بـ ( يزدكم ) . وإنما عدي بـ ( إلى ) لتضمينه معنى يضم . وهذا وعد لهم بصلاح الحال في الدنيا رضي الله عنهم .
وعطف عليه
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=52ولا تتولوا مجرمين تحذيرا من الرجوع إلى الشرك .
والتولي : الانصراف . وهو هنا مجاز عن الإعراض .
ومجرمين حال من ضمير تتولوا أي متصفين بالإجرام ، وهو الإعراض عن قبول أمر الله تعالى .
[ ص: 94 ] nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=50nindex.php?page=treesubj&link=28982وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا مُفْتَرُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=51يَا قَوْمِ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى الَّذِي فَطَرَنِيَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=52وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ وَلَا تَتَوَلَّوْا مُجْرِمِينَ
عَطْفٌ عَلَى
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=25وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ ، فَعَطَفَ وَ ( إِلَى عَادٍ ) عَلَى ( إِلَى قَوْمِهِ ) . وَعَطَفَ ( أَخَاهُمْ ) عَلَى ( نُوحًا ) ، وَالتَّقْدِيرُ :
nindex.php?page=treesubj&link=31842وَأَرْسَلْنَا إِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا . وَهُوَ مِنَ الْعَطْفِ عَلَى مَعْمُولَيْ عَامِلٍ وَاحِدٍ .
وَتَقْدِيمُ الْمَجْرُورِ لِلتَّنْبِيهِ عَلَى أَنَّ الْعَطْفَ مِنْ عَطْفِ الْمُفْرَدَاتِ لَا مِنْ عَطْفِ الْجُمَلِ لِأَنَّ الْجَارَّ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ مُتَعَلِّقٍ ، وَقَضَاءً لِحَقِّ الْإِيجَازِ لِيُحْضَرَ ذِكْرُ عَادٍ مَرَّتَيْنِ بِلَفْظِهِ ثُمَّ بِضَمِيرِهِ .
وَوَصْفُ
هُودٍ بِأَنَّهُ أَخُو
عَادٍ لِأَنَّهُ كَانَ مِنْ نَسَبِهِمْ كَمَا يُقَالُ : يَا أَخَا الْعَرَبِ ، أَيْ يَا عَرَبِيُّ .
وَتَقَدَّمَ ذِكْرُ
عَادٍ وَهُودٍ فِي سُورَةِ الْأَعْرَافِ .
وَجُمْلَةُ ( قَالَ ) مُبَيِّنَةٌ لِلْجُمْلَةِ الْمُقَدَّرَةِ وَهِيَ ( أَرْسَلْنَا )
وَوَجْهُ التَّصْرِيحِ بِفِعْلِ الْقَوْلِ لِأَنَّ فِعْلَ ( أَرْسَلْنَا ) مَحْذُوفٌ ، فَلَوْ بُيِّنَ بِجُمْلَةِ
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=50يَا قَوْمِ اعْبُدُوا كَمَا بُيِّنَ فِي قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=25وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ لَكَانَ بَيَانًا لِمَعْدُومٍ وَهُوَ غَيْرُ جَلِيٍّ .
وَافْتِتَاحُ دَعْوَتِهِ بِنِدَاءِ قَوْمِهِ لِاسْتِرْعَاءِ أَسْمَاعِهِمْ إِشَارَةٌ إِلَى أَهَمِّيَّةِ مَا سَيُلْقِي إِلَيْهِمْ .
[ ص: 95 ] وَجُمْلَةُ
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=50مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ حَالٌ مِنْ ضَمِيرِ اعْبُدُوا أَوْ مِنِ اسْمِ الْجَلَالَةِ . وَالْإِتْيَانُ بِالْحَالِ لِاستِقْصَادِ إِبْطَالِ شِرْكِهِمْ بِأَنَّهُمْ أَشْرَكُوا غَيْرَهُ فِي عِبَادَتِهِ فِي حَالِ أَنَّهُمْ لَا إِلَهَ لَهُمْ غَيْرُهُ ، أَوْ فِي حَالِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ لَهُمْ غَيْرُهُ . وَذَلِكَ تَشْنِيعٌ لِلشِّرْكِ .
وَجُمْلَةُ
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=50إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا مُفْتَرُونَ تَوْبِيخٌ وَإِنْكَارٌ . فَهِيَ بَيَانٌ لِجُمْلَةِ
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=50مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ ، أَيْ مَا أَنْتُمْ إِلَّا كَاذِبُونَ فِي ادِّعَاءِ إِلَهِيَّةِ غَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى .
وَجُمْلَةُ
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=51يَا قَوْمِ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِنْ كَانَ قَالَهَا مَعَ الْجُمْلَةِ الَّتِي قَبْلَهَا فَإِعَادَةُ النِّدَاءِ فِي أَثْنَاءِ الْكَلَامِ تَكْرِيرٌ لِلْأَهَمِّيَّةِ يُقْصَدُ بِهِ تَهْوِيلُ الْأَمْرِ وَاسْتِرْعَاءُ السَّمْعِ اهْتِمَامًا بِمَا يَسْتَسْمِعُونَهُ ، وَالنِّدَاءُ هُوَ الرَّابِطُ بَيْنَ الْجُمْلَتَيْنِ ؛ وَإِنْ كَانَتْ مَقُولَةً فِي وَقْتٍ غَيْرِ الَّذِي قِيلَتْ فِيهِ الْجُمْلَةُ الْأُولَى ، فَكَوْنُهَا ابْتِدَاءَ كَلَامٍ ظَاهِرٌ .
وَتَقَدَّمَ تَفْسِيرُ
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=51لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا فِي قِصَّةِ
نُوحٍ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - ، أَيْ لَا أَسْأَلُكُمْ أَجْرًا عَلَى مَا قُلْتُهُ لَكُمْ .
وَالتَّعْبِيرُ بِالْمَوْصُولِ
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=51الَّذِي فَطَرَنِي دُونَ الِاسْمِ الْعَلَمِ لِزِيَادَةِ تَحْقِيقِ أَنَّهُ لَا يَسْأَلُهُمْ عَلَى الْإِرْشَادِ أَجْرًا بِأَنَّهُ يَعْلَمُ أَنَّ الَّذِي خَلَقَهُ يَسُوقُ إِلَيْهِ رِزْقَهُ ؛ لِأَنَّ إِظْهَارَ الْمُتَكَلِّمِ عِلْمَهُ بِالْأَسْبَابِ يُكْسِبُ كَلَامَهُ عَلَى الْمُسَبِّبَاتِ قُوَّةً وَتَحْقِيقًا .
وَلِذَلِكَ عَطَفَ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=51أَفَلَا تَعْقِلُونَ بِفَاءِ التَّفْرِيعِ عَاطِفَةً اسْتِفْهَامًا إِنْكَارِيًّا عَنْ عَدَمِ تَعَقُّلِهِمْ ، أَيْ تَأَمُّلِهِمْ فِي دَلَالَةِ حَالِهِ عَلَى صِدْقِهِ فِيمَا يُبَلِّغُ وَنُصْحِهِ لَهُمْ فِيمَا يَأْمُرُهُمْ . وَالْعَقْلُ : الْعِلْمُ .
وَعَطْفُ جُمْلَةِ ( وَيَا قَوْمِ ) مِثْلَ نَظِيرِهَا فِي قِصَّةِ
نُوحٍ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - آنِفًا .
وَالِاسْتِغْفَارُ : طَلَبُ الْمَغْفِرَةِ لِلذَّنْبِ ، أَيْ طَلَبُ عَدَمِ الْمُؤَاخَذَةِ بِمَا مَضَى مِنْهُمْ مِنَ الشِّرْكِ ، وَهُوَ هُنَا مُكَنَّى بِهِ عَنْ تَرْكِ عَقِيدَةِ الشِّرْكِ لِأَنَّ اسْتِغْفَارَ اللَّهِ يَسْتَلْزِمُ الِاعْتِرَافَ
[ ص: 96 ] بِوُجُودِهِ وَيَسْتَلْزِمُ اعْتِرَافَ الْمُسْتَغْفِرِ بِذَنْبٍ فِي جَانِبِهِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ ذَنْبٌ قَبْلَ مَجِيءِ
هُودٍ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - إِلَيْهِمْ غَيْرَ ذَنْبِ الْإِشْرَاكِ إِذْ لَمْ يَكُنْ لَهُ شَرْعٌ مِنْ قَبْلُ . وَأَمَّا ذَنْبُ الْإِشْرَاكِ فَهُوَ مُتَقَرِّرٌ مِنَ الشَّرَائِعِ السَّابِقَةِ جَمِيعِهَا فَكَانَ مَعْلُومًا بِالضَّرُورَةِ فَكَانَ الْأَمْرُ بِالِاسْتِغْفَارِ جَامِعًا لِجَمِيعِ هَذِهِ الْمَعَانِي تَصْرِيحًا وَتَكْنِيَةً .
nindex.php?page=treesubj&link=19704وَالتَّوْبَةُ : الْإِقْلَاعُ عَنِ الذَّنْبِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ وَالنَّدَمُ عَلَى مَا سَلَفَ مِنْهُ . وَفِي مَاهِيَّةِ التَّوْبَةِ الْعَزْمُ عَلَى عَدَمِ الْعَوْدِ إِلَى الذَّنْبِ فَيَئُولُ إِلَى الْأَمْرِ بِالدَّوَامِ عَلَى التَّوْحِيدِ وَنَفْيِ الْإِشْرَاكِ .
وَ ( ثُمَّ ) لِلتَّرْتِيبِ الرُّتْبِيِّ ؛ لِأَنَّ الدَّوَامَ عَلَى الْإِقْلَاعِ أَهَمُّ مِنْ طَلَبِ الْعَفْوِ عَمَّا سَلَفَ .
وَ
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=52يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ جَوَابُ الْأَمْرِ مِنِ اسْتَغْفِرُوا
وَالْإِرْسَالُ : بَعْثٌ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ فَأَطْلَقَ الْإِرْسَالَ عَلَى نُزُولِ الْمَطَرِ لِأَنَّهُ حَاصِلٌ بِتَقْدِيرِ اللَّهِ فَشُبِّهَ بِإِرْسَالِ شَيْءٍ مِنْ مَكَانِ الْمُرْسِلِ إِلَى الْمَبْعُوثِ إِلَيْهِ .
وَالسَّمَاءُ مِنْ أَسْمَاءِ الْمَطَرِ تَسْمِيَةً لِلشَّيْءِ بِاسْمِ مَصْدَرِهِ . وَفِي الْحَدِيثِ "
nindex.php?page=hadith&LINKID=10341958خَطَبَنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى أَثَرِ سَمَاءٍ " .
وَ ( مِدْرَارًا ) حَالٌ مِنَ السَّمَاءِ صِيغَةُ مُبَالَغَةٍ مِنَ الدُّرُورِ وَهُوَ الصَّبُّ ، أَيْ غَزِيرًا . جَعَلَ جَزَاءَهُمْ عَلَى الِاسْتِغْفَارِ وَالتَّوْبَةِ إِمْدَادَهُمْ بِالْمَطَرِ لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ أَعْظَمِ النِّعَمِ عَلَيْهِمْ فِي الدُّنْيَا إِذْ كَانَتْ
عَادٌ أَهْلَ زَرْعٍ وَكُرُومٍ فَكَانُوا بِحَاجَةٍ إِلَى الْمَاءِ ، وَكَانُوا يَجْعَلُونَ السِّدَادَ لِخَزْنِ الْمَاءِ . وَالْأَظْهَرُ أَنَّ اللَّهَ أَمْسَكَ عَنْهُمُ الْمَطَرَ سِنِينَ فَتَنَاقَصَ نَسْلُهُمْ وَرِزْقُهُمْ جَزَاءً عَلَى الشِّرْكِ بَعْدَ أَنْ أَرْسَلَ إِلَيْهِمْ
هُودًا - عَلَيْهِ السَّلَامُ - ؛ فَيَكُونُ قَوْلُهُ : يُرْسِلِ السَّمَاءَ وَعْدًا وَتَنْبِيهًا عَلَى غَضَبِ اللَّهِ عَلَيْهِمْ ، وَقَدْ كَانَتْ دِيَارُهُمْ مِنْ
حَضْرَمَوْتَ إِلَى الْأَحْقَافِ مُدُنًا وَحُلَلًا وَقِبَابًا .
وَكَانُوا أَيْضًا مُعْجَبِينَ بِقُوَّةِ أُمَّتِهِمْ وَقَالُوا
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=15مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً فَلِذَلِكَ جَعَلَ اللَّهُ لَهُمْ جَزَاءً عَلَى تَرْكِ الشِّرْكِ زِيَادَةَ قُوَّتِهِمْ بِكَثْرَةِ الْعَدَدِ وَصِحَّةِ الْأَجْسَامِ وَسِعَةِ
[ ص: 97 ] الْأَرْزَاقِ ؛ لِأَنَّ كُلَّ ذَلِكَ قُوَّةٌ لِلْأُمَّةِ يَجْعَلُهَا فِي غِنًى عَنِ الْأُمَمِ الْأُخْرَى وَقَادِرَةً عَلَى حِفْظِ اسْتِقْلَالِهَا وَيَجْعَلُ أُمَمًا كَثِيرَةً تَحْتَاجُ إِلَيْهَا .
وَ ( إِلَى قُوَّتِكُمْ ) مُتَعَلِّقٌ بِـ ( يَزِدْكُمْ ) . وَإِنَّمَا عُدِّيَ بِـ ( إِلَى ) لِتَضْمِينِهِ مَعْنَى يَضُمُّ . وَهَذَا وَعْدٌ لَهُمْ بِصَلَاحِ الْحَالِ فِي الدُّنْيَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ .
وَعَطَفَ عَلَيْهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=52وَلَا تَتَوَلَّوْا مُجْرِمِينَ تَحْذِيرًا مِنَ الرُّجُوعِ إِلَى الشِّرْكِ .
وَالتَّوَلِّي : الِانْصِرَافُ . وَهُوَ هُنَا مَجَازٌ عَنِ الْإِعْرَاضِ .
وَمُجْرِمِينَ حَالٌ مِنْ ضَمِيرِ تَتَوَلَّوْا أَيْ مُتَّصِفِينَ بِالْإِجْرَامِ ، وَهُوَ الْإِعْرَاضُ عَنْ قَبُولِ أَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى .