فلما جا أمرنا جعلنا عاليها سافلها وأمطرنا عليها حجارة من سجيل منضود   مسومة عند ربك وما هي من الظالمين ببعيد  
تقدم الكلام على نظير فلما جاء أمرنا 
وقوله : جعلنا عاليها سافلها وأمطرنا عليها حجارة من سجيل  تعود الضمائر الثلاثة المجرورة بالإضافة وبحرف ( على ) على القرية المفهومة من السياق . 
والمعنى أن القرية انقلبت عليهم انقلاب خسف حتى صار عالي البيوت سافلا . أي وسافلها عاليا ، وذلك من انقلاب الأرض بهم . 
وإنما اقتصر على ذكر جعل العالي سافلا لأنه أدخل في الإهانة . 
والسجيل : فسر بواد نار في جهنم يقال : سجيل باللام ، وسجين بالنون . ومن تبعيضية ، وهو تشبيه بليغ ، أي بحجارة كأنها من سجيل جهنم ، كقول كعب بن زهير    : 
وجلدها من أطوم البيت 
وقد جاء في التوراة : أن الله أرسل عليهم كبريتا ونارا من السماء . ولعل الخسف فجر من الأرض براكين قذفت عليهم حجارة معادن محرقة كالكبريت ، أو لعل بركانا كان قريبا من مدنهم انفجر باضطرابات أرضية ثم زال من ذلك   [ ص: 135 ] المكان بحوادث تعاقبت في القرون ، أو طمى عليه البحر وبقي أثر البحر عليها حتى الآن ، وهو المسمى بحيرة لوط  أو البحر الميت    . 
وقيل : سجيل معرب ( سنك جيل ) عن الفارسية أي حجر مخلوط بطين . 
والمنضود : الموضوع بعضه على بعض . والمعنى هنا أنها متتابعة متتالية في النزول ليس بينها فترة . والمراد وصف الحجارة بذلك إلا أن الحجارة لما جعلت من سجيل أجري الوصف على سجيل وهو يفضي إلى وصف الحجارة لأنها منه . 
والمسومة : التي لها سيما ، وهي العلامة . والعلامات توضع لأغراض ، منها عدم الاشتباه ، ومنها سهولة الإحضار ، وهو هنا مكنى به عن المعدة المهيئة لأن الإعداد من لوازم التوسيم بقرينة قوله : عند ربك لأن تسويمها عند الله هو تقديره إياها لهم . 
وضمير ( وما هي ) يصلح لأن يعود إلى ما عادت إليه الضمائر المجرورة قبله وهي المدينة ، فيكون المعنى وما تلك القرية ببعيد عن المشركين ، أي العرب ، فمن شاء فليذهب إليها فينظر مصيرها ، فالمراد البعد المكاني . ويصلح لأن يعود إلى الحجارة ، أي وما تلك الحجارة ببعيد ، أي أن الله قادر على أن يرمي المشركين بمثلها . والبعد بمعنى تعذر الحصول ونفيه بإمكان حصوله . وهذا من الكلام الموجه مع صحة المعنيين وهو بعيد . 
وجرد ( بعيد ) عن تاء التأنيث مع كونه خبرا عن الحجارة وهي مؤنث لفظا ، ومع كون ( بعيد ) هنا بمعنى فاعل لا بمعنى مفعول ، فالشأن أن يطابق موصوفه في تأنيثه ، ولكن العرب قد يجرون فعيلا الذي بمعنى فاعل مجرى الذي بمعنى مفعول إذا جرى على مؤنث غير حقيقي التأنيث زيادة في التخفيف ، كقوله - تعالى - في سورة الأعراف إن رحمة الله قريب من المحسنين  وقوله : وما يدريك لعل الساعة تكون قريبا  وقوله : قال من يحيي العظام وهي رميم    . وقيل :   [ ص: 136 ] إن قوله : وما كانت أمك بغيا  من هذا القبيل ، أي باغية . وقيل : أصله فعول بغوي فوقع إبدال وإدغام . وتأول  الزمخشري  ما هنا على أنه صفة لمحذوف ، أي بمكان بعيد ، أو بشيء بعيد على الاحتمالين في معاد ضمير ( هي ) . 
				
						
						
