وإذا أراد الله بقوم سوءا فلا مرد له وما لهم من دونه من وال إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم
جملة معترضة بين الجمل المتقدمة المسوقة للاستدلال على عظيم قدرة الله تعالى وعلمه بمصنوعاته وبين التذكير بقوة قدرته وبين جملة ( هو الذي يريكم البرق خوفا وطمعا ) ، والمقصود تحذيرهم من الإصرار على الشرك بتحذيرهم من حلول العقاب في الدنيا في مقابلة استعجالهم بالسيئة قبل الحسنة ، ذلك أنهم كانوا في نعمة من العيش فبطروا النعمة وقابلوا دعوة الرسول صلى الله عليه وسلم بالهزء وعاملوا المؤمنين بالتحقير قالوا لولا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم ، وذرني والمكذبين أولي النعمة ومهلهم قليلا .
[ ص: 102 ] فذكرهم الله بنعمته عليهم ونبههم إلى أن زوالها لا يكون إلا بسبب أعمالهم السيئة بعد ما أنذرهم ودعاهم .
والتغيير : التبديل بالمغاير ، فلا جرم أنه تهديد لأولي النعمة من المشركين بأنهم قد تعرضوا لتغييرها . فماصدق ( ما ) الموصولة حالة ، والباء للملابسة ، أي حالة ملابسة لقوم ، أي حالة نعمة لأنها محل التحذير من التغيير ، وأما غيرها فتغييره مطلوب . وأطلق التغيير في قوله ( حتى يغيروا ) على التسبب فيه على طريقة المجاز العقلي .
وجملة وإذا أراد الله بقوم سوءا فلا مرد له تصريح بمفهوم الغاية المستفاد من حتى يغيروا ما بأنفسهم تأكيدا للتحذير ; لأن المقام لكونه مقام خوف ووجل يقتضي التصريح دون التعريض ولا ما يقرب منه ، أي إذا أراد الله أن يغير ما بقوم حين يغيرون ما بأنفسهم لا يرد إرادته شيء . وذلك تحذير من الغرور أن يقولوا : سنسترسل على ما نحن فيه فإذا رأينا العذاب آمنا . وهذا كقوله فلولا كانت قرية آمنت فنفعها إيمانها إلا قوم يونس الآية .
وجملة ( وما لهم من دونه من وال ) زيادة في التحذير من الغرور لئلا يحسبوا أن أصنامهم شفعاؤهم عند الله .
والوالي : الذي يلي أمر أحد ، أي يشتغل بأمره اشتغال تدبير ونفع ، مشتق من ولي إذا قرب ، وهو قرب ملابسة ومعالجة .
وقرأ الجمهور ( من وال ) بتنوين ( وال ) دون ياء في الوصل والوقف . وقرأه ابن كثير بياء بعد اللام وقفا فقط دون الوصل كما علمته في قوله تعالى ومن يضلل الله فما له من هاد في هذه السورة .