[ ص: 250 ] وقد مكروا مكرهم وعند الله مكرهم وإن كان مكرهم لتزول منه الجبال يجوز أن يكون عطف خبر على خبر ، ويجوز أن يكون حالا من الناس في قوله وأنذر الناس ، أي : أنذرهم في حال وقوع مكرهم .
والمكر : تبييت فعل السوء بالغير وإضماره ، وتقدم في قوله تعالى ومكروا ومكر الله في سورة آل عمران ، وفي قوله أفأمنوا مكر الله في سورة الأعراف .
وانتصب " مكرهم " الأول على أنه مفعول مطلق لفعل مكروا لبيان النوع ، أي : المكر الذي اشتهروا به ، فإضافة ( مكر ) إلى ضمير ( هم ) من إضافة المصدر إلى فاعله . وكذلك إضافة " مكر " الثاني إلى ضمير ( هم ) .
والعندية إما عندية علم ، أي : وفي علم الله مكرهم ، فهو تعريض بالوعيد والتهديد بالمؤاخذة بسوء فعلهم ، وإما عندية تكوين ما سمي بمكر الله ، وتقديره في إرادة الله ، فيكون وعيدا بالجزاء على مكرهم .
وقرأ الجمهور لتزول بكسر اللام وبنصب الفعل المضارع بعدها فتكون ( إن ) نافية ولام ( لتزول ) لام الجحود ، أي : وما كان مكرهم زائلة منه الجبال ، وهو استخفاف بهم ، أي : ليس مكرهم بمتجاوز مكر أمثالهم ، وما هو بالذي تزول منه الجبال ، وفي هذا تعريض بأن الرسول - صلى الله عليه وسلم - والمسلمين الذين يريد المشركون المكر بهم لا يزعزعهم مكرهم ;لأنهم كالجبال الرواسي .
وقرأ - وحده - بفتح اللام الأولى من لتزول ورفع اللام الثانية على أن تكون ( إن ) مخففة من ( إن ) المؤكدة وقد أكمل إعمالها ، واللام فارقة بينها وبين النافية ، فيكون الكلام إثباتا لزوال الجبال من مكرهم ، أي : هو [ ص: 251 ] مكر عظيم لتزول منه الجبال لو كان لها أن تزول ، أي : جديرة ، فهو مستعمل في معنى الجدارة والتأهل للزوال لو كانت زائلة ، وهذا من المبالغة في حصول أمر شنيع أو شديد في نوعه على نحو قوله تعالى الكسائي تكاد السماوات يتفطرن منه وتنشق الأرض وتخر الجبال هدا .