ينزل الملائكة بالروح من أمره على من يشاء من عباده  أن أنذروا أنه لا إله إلا أنا فاتقون  
كان استعجالهم بالعذاب استهزاء بالرسول - صلى الله عليه وسلم - وتكذيبه ، وكان ناشئا عن عقيدة الإشراك التي من أصولها استحالة إرسال الرسل من البشر . 
وأتبع تحقيق مجيء العذاب بتنزيه الله عن الشريك فقفي ذلك بتبرئة الرسول - صلى الله عليه وسلم - من الكذب فيما يبلغه عن ربه ، ووصف لهم الإرسال وصفا موجزا ، وهذا اعتراض في أثناء الاستدلال على التوحيد . 
والمراد بالملائكة الواحد منهم وهو جبرئيل  عليه السلام . 
والروح : الوحي ، أطلق عليه اسم الروح على وجه الاستعارة ; لأن الوحي به هدى للعقول إلى الحق ، فشبه الوحي بالروح كما يشبه العلم الحق بالحياة ، وكما يشبه الجهل بالموت قال تعالى أومن كان ميتا فأحييناه    . 
 [ ص: 99 ] ووجه تشبيه الوحي بالروح أن الوحي إذا وعته العقول حلت بها الحياة المعنوية - وهو العلم - كما أن الروح إذا حل في الجسم حلت به الحياة الحسية ، قال تعالى وكذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا    . 
ومعنى ( من أمره    ) الجنس ، أي من أموره ، وهي شئونه ومقدراته التي استأثر بها ، وذلك إضافته إلى الله كما هنا وكما في قوله تعالى وكذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا  ، وقوله تعالى يحفظونه من أمر الله  ، وقوله تعالى قل الروح من أمر ربي  لما تفيده الإضافة من التخصيص . 
وقرأ الجمهور ( ينزل ) بتشديد الزاي ، وقرأه ابن كثير  وأبو عمرو  ويعقوب  بكسر النون . 
وقرأ الجمهور ( ينزل ) بياء تحتية مضمومة وفتح النون وتشديد الزاي مكسورة ، وقرأه ابن كثير  وأبو عمرو  ورويس  عن يعقوب  بسكون النون وتخفيف الزاي مكسورة و ( الملائكة ) منصوبا . 
وقرأه روح  عن يعقوب  بتاء فوقية مفتوحة ، وفتح النون ، وتشديد الزاي مفتوحة ورفع ( الملائكة ) على أن أصله تتنزل . 
وقوله تعالى على من يشاء من عباده  رد على فنون من تكذيبهم ، فقد قالوا لولا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم  ، وقالوا فلولا ألقي عليه أساورة من ذهب  أي كان ملكا ، وقالوا مال هذا الرسول يأكل الطعام ويمشي في الأسواق  ، ومشيئة الله جارية على وفق حكمته ، قال تعالى الله أعلم حيث يجعل رسالاته    . 
و أن أنذروا  تفسير لفعل ( ينزل ) ; لأنه في تقدير ينزل الملائكة بالوحي . 
وقوله بالروح من أمره على من يشاء من عباده  اعتراض واستطراد بين فعل ( ينزل ) ومفسره . 
 [ ص: 100 ] و أنه لا إله إلا أنا  متعلق بـ ( أنذروا ) على حذف حرف الجر حذفا مطردا مع ( أن ) ، والتقدير : أنذروا بأنه لا إله إلا أنا  ، والضمير المنصوب بـ ( أن ) ضمير الشأن ، ولما كان هذا الخبر مسوقا للذين اتخذوا مع الله آلهة أخرى ، وكان ذلك ضلالا يستحقون عليه العقاب ; جعل إخبارهم بضد اعتقادهم مما هم فيه إنذارا . 
وفرع عليه ( فاتقون ) وهو أمر بالتقوى الشاملة لجميع الشريعة . 
وقد أحاطت جملة أن أنذروا  إلى قوله تعالى ( فاتقون ) بالشريعة كلها ; لأن جملة أنه لا إله إلا أنا  تنبيه على ما يرجع من الشريعة إلى إصلاح الاعتقاد ، وهو الأمر بكمال القوة العقلية . 
وجملة ( فاتقون ) تنبيه على الاجتناب ، والامتثال اللذين هما منتهى كمال القوة العملية . 
				
						
						
