ومن كل الثمرات إن في ذلك لآية لقوم يتفكرون ينبت لكم به الزرع والزيتون والنخيل والأعناب جملة ( ينبت ) حال من ضمير ( أنزل ) ، أي ينبت الله لكم .
وإنما لم يعطف هذا على جملة ( لكم منه شراب ) ; لأنه ليس مما يحصل بنزول الماء وحده بل لا بد معه زرع وغرس .
وهذا الإتيان من دلائل عظيم القدرة الربانية ، فالغرض منه الاستدلال ممزوجا بالتذكير بالنعمة ، كما دل عليه قوله ( لكم ) على وزان ما [ ص: 115 ] تقدم في قوله تعالى والأنعام خلقها لكم فيها دفء الآية ، وقوله تعالى والخيل والبغال والحمير لتركبوها الآية .
وأسند الإنبات إلى الله ; لأنه الملهم لأسبابه والخالق لأصوله تنبيها للناس على دفع غرورهم بقدرة أنفسهم ، ولذلك قال إن في ذلك لآية لقوم يتفكرون لكثرة ما تحت ذلك من الدقائق .
وذكر الزرع والزيتون وما معهما تقدم غير مرة في سورة الأنعام .
والتفكير تقدم عند قوله تعالى قل هل يستوي الأعمى والبصير أفلا تتفكرون في سورة الأنعام .
وإقحام لفظ قوم للدلالة على أن التفكير من سجاياهم ، كما تقدم عند قوله تعالى لآيات لقوم يعقلون في سورة البقرة .
ومن كل الثمرات عطف على الزرع والزيتون ، أي وينبت لكم به من الثمرات مما لم يذكر هنا .
والتعريف تعريف الجنس ، والمراد : أجناس ثمرات الأرض التي ينبتها الماء ، ولكل قوم من الناس ثمرات أرضهم وجوهم ، و ( من ) تبعيضية قصد منها تنويع الامتنان على كل قوم بما نالهم من نعم الثمرات ، وإنما لم تدخل على الزرع ، وما عطف عليه ; لأنها من الثمرات التي تنبت في كل مكان .
وجملة إن في ذلك لآية لقوم يتفكرون تذييل .
والآية : الدلالة على أنه تعالى المبدع الحكيم ، وتلك هي إنبات أصناف مختلفة من ماء واحد ، كما قال يسقى بماء واحد في سورة الرعد .
ونيطت دلالة هذه بوصف التفكير ; لأنها دلالة خفية لحصولها بالتدريج ، وهو تعريض بالمشركين الذين لم يهتدوا بما في ذلك من دلالة على تفرد الله بالإلهية بأنهم قوم لا يتفكرون .
[ ص: 116 ] وقرأ الجمهور ( ينبت ) بياء الغيبة ، وقرأه أبو بكر عن عاصم بنون العظمة .