وما ذرأ لكم في الأرض مختلفا ألوانه إن في ذلك لآية لقوم يذكرون عطف على الليل والنهار ، أي وسخر لكم ما ذرأ لكم في الأرض ، وهو دليل على دقيق الصنع والحكمة لقوله تعالى مختلفا ألوانه إن في ذلك لآية لقوم يذكرون ، وأومأ إلى ما فيه من منة بقوله ( لكم ) .
والذرء : الخلق بالتناسل والتولد بالحمل والتفريخ ، فليس الإنبات ذرءا ، وهو شامل للأنعام والكراع ، وقد مضت المنة به ولغيرها مثل كلاب الصيد والحراسة ، وجوارح الصيد ، والطيور ، والوحوش المأكولة ، ومن الشجر والنبات .
وزيد هنا وصف اختلاف ألوانه ، وهو زيادة للتعجيب ، ولا دخل له في الامتنان ، فهو كقوله تعالى يسقى بماء واحد ونفضل بعضها على بعض في الأكل في سورة الرعد ، وقوله تعالى ومن الجبال جدد بيض وحمر مختلف ألوانها وغرابيب سود ومن الناس والدواب والأنعام مختلف ألوانه في سورة فاطر ، وبذلك صار هذا آية مستقلة ; فلذلك ذيله بجملة إن في ذلك لآية لقوم يذكرون ، ولكون محل الاستدلال هو اختلاف الألوان مع اتحاد أصل الذرء أفردت الآية في قوله تعالى إن في ذلك لآية .
[ ص: 118 ] والألوان : جمع لون ، وهو كيفية لسطوح الأجسام مدركة بالبصر تنشأ من امتزاج بعض العناصر بالسطح بأصل الخلقة أو بصبغها بعنصر ذي لون معروف ، وتنشأ من اختلاط عنصرين فأكثر ألوان غير متناهية ، وقد تقدم عند قوله تعالى قالوا ادع لنا ربك يبين لنا ما لونها في سورة البقرة .
ونيط الاستدلال باختلاف الألوان بوصف التذكر ; لأنه استدلال يحصل بمجرد تذكر الألوان المختلفة إذ هي مشهورة .
وإقحام لفظ ( قوم ) وكون الجملة تذييلا تقدم آنفا .
وأبدى الفخر في ( درة التنزيل ) وجها لاختلاف الأوصاف في قوله تعالى لقوم يتفكرون ، وقوله لقوم يعقلون ، وقوله لقوم يذكرون : بأن ذلك لمراعاة اختلاف شدة الحاجة إلى قوة التأمل بدلالة المخلوقات الناجمة عن الأرض يحتاج إلى التفكير ، وهو إعمال النظر المؤدي إلى العلم ، ودلالة ما ذرأه في الأرض من الحيوان محتاجة إلى مزيد تأمل في التفكير للاستدلال على اختلاف أحوالها وتناسلها وفوائدها ، فكانت بحاجة إلى التذكير ، وهو التفكر مع تذكر أجناسها واختلاف خصائصها ، وأما دلالة تسخير الليل والنهار والعوالم العلوية ; فلأنها أدق وأحوج إلى التعمق ، عبر عن المستدلين عليها بأنهم يعقلون ، والتعقل هو أعلى أحوال الاستدلال اهـ .