[ ص: 141 ] وقيل للذين اتقوا ماذا أنزل ربكم قالوا خيرا
لما افتتحت صفة سيئات الكافرين وعواقبها بأنهم إذا قيل لهم ماذا أنزل ربكم قالوا أساطير الأولين ، جاءت هنا مقابلة حالهم بحال حسنات المؤمنين ، وحسن عواقبها ، فافتتح ذلك بمقابل ما افتتحت به قصة الكافرين ، فجاء النظير بين القصتين في أبدع نظم .
وهذه الجملة معطوفة على الجمل التي قبلها ، وهي معترضة في خلال أحوال المشركين استطرادا ، ولم تقترن هذه الجملة بأداة الشرط كما قرنت مقابلتها بها وإذا قيل لهم ماذا أنزل ربكم ; لأن قولهم أساطير الأولين لما كان كذبا اختلقوه كان مظنة أن يقلع عنه قائله وأن يرعوي إلى الحق ، وأن لا يجمع عليه القائلون ، قرن بأداة الشرط المقتضية تكرر ذلك للدلالة على إصرارهم على الكفر ، بخلاف ما هنا فإن الصدق مظنة استمرار قائله عليه فليس بحاجة إلى التنبيه على تكرار منه .
والذين اتقوا : هم المؤمنون ; لأن ، والمراد بهم المؤمنون المعهودون في مكة ، فالموصول للعهد . الإيمان تقوى الله وخشية غضبه
والمعنى أن المؤمنين سئلوا عن القرآن ، ومن جاء به ، فأرشدوا السائلين ، ولم يترددوا في الكشف عن حقيقة القرآن بأوجز بيان وأجمعه ، وهو كلمة ( خيرا ) المنصوبة ، فإن لفظها شامل لكل خير في الدنيا ، وكل خير في الآخرة ، ونصبها دال على أنهم جعلوها معمولة لـ ( أنزل ) الواقع في سؤال السائلين ، فدل النصب على أنهم مصدقون بأن القرآن منزل من عند الله ، وهذا وجه المخالفة بين الرفع في جواب المشركين حين قيل لهم ماذا أنزل ربكم قالوا أساطير الأولين بالرفع وبين النصب في كلام المؤمنين حين قيل لهم ماذا أنزل ربكم قالوا خيرا بالنصب ، وقد تقدم ذلك آنفا عند قوله تعالى قالوا أساطير الأولين .